عقد ضمن فعاليات المؤتمر السنوي العاشر لمركز توثيق وبحوث أدب الطفل، الجلسة الرابعة تحت محور: «سمات روايات الأطفال»، وهي جلسة ثرية قدمت خمسة بحوث نوعية تناولت اتجاهات سردية وجمالية وتربوية في أدب الطفولة واليافعين.
ناقشت الجلسة أدوات تحليل حديثة مثل الطوبولوجيا السردية، وصورة الفتاة في الأدب العالمي، وثيمة الفقد في روايات الفتيان، وأزمة غياب البطل الخارق في الثقافة المصرية، إلى جانب أثر كتابات الدكتور أحمد خالد توفيق في تشكيل وعي جيل كامل.
وقد عكست الجلسة تنوعًا لافتًا في المناهج والرؤى، وحضورًا واضحًا لقضايا الهوية والانتماء والتمثيل الجندري والبطولة والخيال في الأدب الموجه للنشء.
قدم الباحث د. سعد عبد المجيد مقاربة نقدية جديدة في أدب الطفل عبر توظيف النقد الطوبولوجي لتحليل ثلاث روايات عربية: لغز البيت الخفي، للقمر وجوه كثيرة، لعبة الطائر العجوز.
أوضح أن هذا المنهج يتجاوز التحليل التقليدي نحو فهم العلاقات العميقة التي تبقى ثابتة رغم «تشوهات» الأحداث، مثل ثبات الروابط الإنسانية، والتحولات التي لا تلغي الجوهر، والعتبة كنقطة عبور بين الوعي والخيال.
خلصت الدراسة إلى أن الطوبولوجيا السردية تُشكّل إطارًا يبرهن على أن قيم الانتماء والولاء ليست رسائل مباشرة، بل خصائص بنيوية تتجلى عبر روابط الصداقة والأسرة، والمواقف التي يعبرها الأبطال لتجاوز الأزمات.
ودعا الباحث إلى توسيع تطبيق هذا النهج في دراسات المقارنة، والبحث في أثر الفضاءات الطوبولوجية على الذاكرة والتعلم لدى الأطفال.
استعرضت الباحثة د. غالية الزامل صورة الفتاة كما تقدمها ثلاث روايات عالمية بارزة، مركّزة على التحولات النفسية والاجتماعية التي تعكسها شخصيات: هايدي، بنات مارش، صوفي.
بيّنت الدراسة أن صورة الفتاة غالبًا ما تأتي في قوالب ثابتة: المثالية، التمرد، الطموح، البحث عن الذات، والمغامرة، بينما تعكس كل رواية مقاربات مختلفة: صوفي تجسد التمرد بوصفه طريقًا تربويًا لترسيخ القيم، هايدي تمثل التصالح مع الطبيعة والآخر والذات.
وأكدت الباحثة أهمية إعادة قراءة هذه النماذج عالميًا ومحليًا لمواجهة الصور النمطية، وبناء نموذج متوازن يعكس صوت الفتاة اليوم.
قدمت الباحثة أ. تاجوج الخولي قراءة رصينة لثيمة الفقد في روايات الفتيان، محللة رواية «نوا بين الفرحة والأشواك» كنموذج.
أوضحت أن أدب الفتيان، الممتد بين الطفولة والرشد، يقوم تاريخيًا على مواجهة الفقد: اليتم، غياب الأهل، فقدان الأمان أو الهوية، كما يظهر في أعمال عالمية من هايدي وتوم سوير إلى الآمال الكبرى وأوقات عصيبة.
وأبرزت أن الرواية المدروسة تقدّم الفقد دون تسميته صراحة، ليبقى «غائبًا حاضرًا» يحرّك السرد ويدفع البطل نحو مواجهة ذاته والعالم.
وأكدت الباحثة أن هذه الأعمال تُعد جسورًا تربط المراهق بعالم معقد، وتمنحه أدوات لفهم الألم والنجاة.
ناقش د. كريم عفيفي غياب نموذج البطل الخارق في الرواية المصرية الموجهة للنشء، رغم تشابه بنيته مع بطل السير الشعبية في التراث المصري.
عرض الباحث أزمة بديلة تتمثل في بروز «البطل الشعبي البلطيجي» الذي فقد قيمته التربوية وانتهى أثره المجتمعي.
وأشار إلى أن البطل الخارق عالميًا — كما في Spider-Man — نجح في معالجة قضايا اجتماعية خطيرة وجذب اليافعين نحو قيم إيجابية.
ودعا إلى مشروع ثقافي قومي لإطلاق أبطال خارقين مصريين متجذرين في قيم المجتمع، قادرين على مواجهة تحديات العصر مثل تفكك الأسرة، التطرف، الإدمان السلوكي، والتنمر.
تتبعت الباحثة د. نورا عبد العظيم أثر كتابات «العراب» أحمد خالد توفيق في تشكيل الوعي القرائي لجيل كامل من اليافعين عبر سلاسل: ما وراء الطبيعة، فانتازيا، سافاري وغيرها.
استعرضت الدراسة مسيرة حياته، وتحولاته الفكرية، وأسلوبه القائم على التشويق والخيال واللغة القريبة من القارئ الشاب.
وأكدت الباحثة أن توفيق استطاع تأسيس علاقة خاصة بين القارئ والنص، عبر المزج بين الرعب والفلسفة والإنسانية، مما جعله أحد أبرز من ساهموا في تجديد أدب اليافعين عربيًا.
وتقترح الدراسة ضرورة تدريس تجربته ضمن مناهج تحليل أدب الشباب، بوصفها نموذجًا فريدًا في التأثير الثقافي.
كشفت الجلسة الرابعة عن اتساع فضاء أدب اليافعين، وتداخل مناهج التحليل الحديثة — من الطوبولوجيا إلى النقد الجندري — مع قضايا الفقد، والبطولة، وتشكيل الوعي الاجتماعي.
وقد أبرزت البحوث أن هذا الأدب لم يعد مجرد نصوص للتسلية، بل هو مرآة تعكس مخاوف الجيل الجديد وآماله، وأداة تربوية وثقافية قادرة على إعادة بناء الهوية، وتعزيز القيم، وتوسيع خيال القارئ الشاب ليصبح أكثر قدرة على فهم ذاته وعالمه.