الزواج أبغض الحلال - ندى نشأت - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الزواج أبغض الحلال

نشر فى : الخميس 1 مارس 2018 - 9:15 م | آخر تحديث : الخميس 1 مارس 2018 - 9:15 م

تبهرنى القدرة على اختزال مشاكل الزواج فى مصر فى الجزء الاقتصادى، فغالبية الخطاب الحالى الموجه نحو مشاكل الزواج وحلها تقتصر على مشاكل المهر وقائمة المنقولات وأهمية أن تحافظ المرأة على بيتها وكأن هذا الدور هو مسئوليتها فقط. تقوم منظومة الزواج فى الأصل على المودة والاحترام والمسئولية المشتركة، إلا أننا نجد الآن أن علاقة الزوجية فى أحيان كثيرة تنطوى على عنف نفسى وجسدى ومالى ولفظى، أو تنطوى على فتور ولا مبالاة وقلة احترام من الطرفين، أو فى الأغلب الأعم علاقة تنتفى فيها صفة المسئولية المشتركة المادية والمعنوية على الطرفين. أرى نساء يشتكين من عدم رغبتهن فى الاستمرار مع أزواجهن لعنفهم أو خيانتهم المستمرة أو غيابهم، ومع ذلك تأتى النصائح ألا تخرب بيتها بيدها فى حين تتناسى الغالبية أن هذا البيت هو بيت خرب بالفعل وأن عقد الزواج لا يعطيه أى ميزة.

الغريب أيضا أن معظم الحلول – إن لم تكن كلها – تصب فى تنازل المرأة فقط عن حقوقها القانونية والشرعية، ولكن أحدا لم يوجه للرجال فى مجتمعنا أى خطاب أو نصيحة بآلية حل مشاكلهم قبل وبعد الزواج. يظن البعض أن الغلاء فى المهور هو السبب الرئيسى فى قلة الإقبال على الزواج وأن أهل الفتاة ينظرون إلى ما سيقول جيرانهم وأقرباؤهم فى حين أن أبعاد المشكلة أعمق من ذلك. يربى مجتمعنا الذكور على أنهم بنوك آدمية، على الرجل أن يعمل بشكل متواصل ليتكفل بمصاريف زواجه وأن يتكفل بمصاريف بيته، وبالتالى يقبل المجتمع بصدر رحب غياب الرجال بشكل دائم عن بيوتهم جريا وراء لقمة العيش، لكن المجتمع لا يرى أن البعد بين الزوجين لا يخلق علاقة سوية ويخلق فتورا ولا مبالاة ويخلق أيضا عدم أهمية لوجود الرجل – زوجا وأبا – فى الأسرة. تتجلى سخرية القدر فى أن نفس هؤلاء الرجال الغائبين دوما عن منازلهم وتنازلهم عن أدوارهم الاجتماعية يشتكون من أن أولادهم غير مرتبطين بهم أو أن الأطفال لا يحبونهم مثل أمهم أو أن زوجاتهم قد تغيرن وفقدن الشغف، وعلى الرغم من أن أسبابهم ملحة ومنطقية فى ظل هذا الغلاء الذى نعيش فيه إلا أنهم لا يستوعبون أن الأطفال يرتبطون بالأشخاص الموجودين حولهم، فكيف يحبونك بنفس قدر الأم وأنت اعتقدت أن جلب الأموال أهم من مشاركتهم تفاصيل حياتهم وأحلامهم؟ كيف سيستمر الشغف بينك وبين زوجتك وأنت اعتقدت أن طلباتها المادية أهم من جلوسك معها واحتضانك لها؟ عن أى مودة ورحمة ومشاركة تتحدثون؟

***

يستمر الادعاء أن قائمة المنقولات سبب آخر للعزوف عن الزواج، أو سبب من أسباب انهاء العلاقة الزوجية وأسلوب ضغط من النساء على الرجال، وبالمناسبة ليست هى الطريق الوحيد لرفع قضية تبديد المنقولات الزوجية، فيكفى أيضا وجود إيصالات شراء المنقولات كبديل عنها. المنطق الرئيسى هنا هو، ما هو ملك لطرف ما يظل ملكا لهذا الطرف حتى بعد الزواج، بمعنى أن شقتك المكتوبة باسمك تظل ملكا لك أيا كان الوضع – فى حالة وجود أطفال تكون شقة لحضانة أطفالك وليست شقتها أو تدفع أجر مسكن للحضانة وهو أيضا للأطفال وليس لها – ولو هى حاولت الاستيلاء عليها يمكنك مقاضاتها وطردها من الشقة بموجب العقد الذى تملكه، فلماذا تستغرب أن ما تملكه هى من منقولات أو ما ابتاعه أبواها من أموالهما وعملهما يريدون حمايته والحفاظ عليه؟ مع ملاحظة أن كثيرا من النساء تتنازل عن هذا الحق فى مقابل الخلاص من حياة زوجية مليئة بالضغوط والعنف الواقع عليها من قبل الزوج سواء أكان العنف ماديا أو نفسيا أو معنويا، ومع ملاحظة أن هذه القائمة تكون قد استهلكت بالفعل وغير ذات قيمة مادية حقيقية.

خلال الزواج، تقوم النساء على الأعباء المنزلية دون أجر تحت مسمى أنه واجب عليها، فتربية الأولاد والتنظيف ومتابعة المنزل والمذاكرة والطبخ والغسيل وكل المهام المنزلية اللا نهائية تقوم بها النساء دون أى مقابل، وتشارك النساء أيضا وخاصة العاملات منهن فى بناء عائد مشترك على الأسرة إلا أن القانون والعرف لا يعترف بهذا العائد كما لا يعترف بالعمل غير مدفوع الأجر، فمن ناحية مادية بحتة، من يكون الخاسر الأكبر؟

***

الأسباب الحقيقية وراء الطلاق والخوف من الزواج من قبل الإناث وأهاليهن تتعدى المحور الاقتصادى، ففى احصائية أجراها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء حول ظاهرة العنف ضد المرأة ودورها داخل الأسرة المصرية فى إصدار يونيو 2017 ظهر أن 47.5% من النساء فى الفئة العمرية من 22ــ29 يتعرضن لعنف نفسى من قبل أزواجهن، و35.1% يتعرضن لعنف جسدى، فى ظل هذه النسب أصبح لدى الفتيات وأهاليهن هلع دائم بكيف يمكن حمايتهن من الأخطار المستقبلية والذى يتم ترجمته فى مطالب اقتصادية.

وبالرغم من هذه النسب المفجعة، فإن عبء الطلاق يقع فى الغالب على المرأة ماديا ومجتمعيا. إن أغلب القضايا المتداولة هى قضايا الخلع حيث يُمثل الحل الأيسر للنساء والأقصر للتخلص من علاقة عنيفة وغير سوية فى معظم الأحيان، بالرغم من أن تشريع الخلع فى الأساس قائم على أن للزوجة حق التطليق وارجاع المهر للزوج فى حالة ما إذا كان شخصا جيدا فى تعامله معها ولكنها لا تريد استمرار حياتها معه! فالطلاق بالإرادة المنفردة للزوج والخلع بناء على رغبة الزوجة وجهان لعملة واحدة ( فكما للرجل حق تطليق زوجته دون سبب منها ولا عيب فيها، من حق المرأة أيضا خلع زوجها دون إبداء أسباب) وعلى الرغم من ذلك عند الرجوع إلى عدد كبير من النساء اللائى لجأن إلى الخلع وجدنا أنهن تحت ضغط الحياة والعنف الواقع عليهن ومساومة الكثير من الأزواج على الطلاق لم يجدن بديلا سوى الخلع لإنهاء تلك الحياة. وهو ما يؤكده لجوء عدد من النساء فى أحيان أخرى كثيرة للطلاق على الإبراء. يشهد أغلب المأذونين فى مصر أن قليلا جدا من النساء تحصل على متعلقاتها وحقوقها المادية كاملة، الخاسر الأكبر فى كل ذلك فى الغالب الأعم هو دائما المرأة.

***

إن حل إشكاليات الزواج يبدأ من الرسائل التى توجهها الدولة والمجتمع للنساء والرجال على حد سواء، فلا وجود البيت والمحافظة على كيانه مسئولية المرأة منفردة، ولا تمويل احتياجات المنزل مسئولية الرجل فقط، فالزواج قائم على الحياة والمسئولية المشتركة والتى تحتم على جميع الأفراد تقاسم مهام تلك الحياة دون تحكم طرف على آخر، كما أن الدولة مسئولة ومطالبة بتعديل التشريعات التى من شأنها الحفاظ على حقوق جميع الأطراف وخاصة النساء. كذلك من مسئولية الدولة وضع تعريف للزواج الذى غاب عن القانون الحالى من خلال مدونة تشريعية تتمثل فى وجود قانون أسرة قائم على العدل والإنصاف، أهم ملامحه هى، تقسيم العائد المشترك، وتحديد أدوار الزوجين والآباء والأمهات، وكذلك قانون يعترف بالعمل المنزلى غير مدفوع الأجر، وقانون لمناهضة العنف الأسرى. الحل يكمن فى تحقيق العدالة والمساواة الجوهرية والتامة بين الجنسين وإعادة النظر فى منظومة الزواج القائمة على مبادئ التجارة والعودة للأساسيات من احترام ومسئولية مشتركة، وأهمها جميعا المودة.

ندى نشأت منسقة الدفاع وكسب التأييد - مؤسسة قضايا المرأة المصرية
التعليقات