حياة «بى».. التنوع سر الحياة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حياة «بى».. التنوع سر الحياة

نشر فى : السبت 2 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 2 مارس 2013 - 8:00 ص

فى عمق مياه المحيط، ثمة عالم كامل: كائنات متعددة الأشكال والألوان والأحجام.. من بينها الأسماك تكاد تنطق وجوهها بطبيعتها. فيها الوديع، المسالم، والشرير، الشرس. بعضها يوحى بالرقة، يبعث إحساسا بالطمأنينة، وآخر، أقرب للوحوش الضوارى، تتوقع منه الانقضاض على فرائسه بغتة، فى لحظة واحدة. المشهد، الطويل نسبيا، يكتسب، بفضل كاميرا كلوديو ميراندا ــ الحاصل على جائزة أوسكار أفضل تصوير ــ قدرا كبيرا من الحيوية والثراء والجمال، لكنه ليس مجرد لقطات خلابة، ذلك أن مغزاه الأبعد، والأدق، الذى يصب فى نهر الفيلم، يتمثل فى تأكيد أن التنوع.. سر الحياة.

 

«حياة بى»، يمكن النظر له كفيلم مغامرات، مثير ومسلٍ، نتابع فيه رحلة شاب فى مقتبل العمر، قاده حظه الطيب، العاثر، فى آن واحد، إلى وسط المحيط، عقب غرق السفينة التى كانت تحمله، وأسرته، ومئات المسافرين، وحيوانات، ولقى الجميع  حتفهم، فيما عدا بطلنا، الذى فقد والديه، لكن وجد نفسه فى قارب إنقاذ، معه حمار مخطط وضبع وشمبانزى ونمر. تنويعة متباينة، فى ظروف وعرة، لا تعرف كيف تتعايش مع بهضا، فسريعا، يدب بينها صراع البقاء: الضبع، الوضيع، ينهش القرد ويكاد يفتك بالحمار، النمر الشرس، الجائع، يفترس الضبع والحمار، ويصبح لزاما على «بى» أن يواجه مصيره، أمام نمر، وأسماك متوحشة، وطبيعة متقلبة، لا أمان لها.

 

إدراك حقيقة التنوع، وضرورة التعايش معه، تسرى فى شرايين الفيلم، وتمنحه غلالة صوفية رقيقة، شفافة، فبطلنا، منذ البداية، يبحث عن اليقين، وعن الإيمان، وعن أسرار الكون.. وبرحابة، يستوعب قلبه الأديان السماوية الثلاثة،  بل يزاول طقوسها، فضلا على الهندوسية.. كلها عنده، رغم تنوعها، تؤدى جوهريا للإيمان، وتعترف بالقدر الذى قد يحمل النجاة وسط الموت المحدق، ويأتى باليسر بعد العسر.. هذا ما يتعلمه «بى» فى رحلته الشاقة، المحفوفة بالأخطار، ماديا ومعنويا.

 

ينهض بناء الفيلم على أساس حوار ممتد بين البطل وصديقه الكاتب الذى يطرح أسئلة وتتحول الإجابات إلى «فلاش باكات»، بالصورة والصوت، ويستمر السرد فيهما يشبه «المنولوج»، بطابعه الحميمى، فيحكى «بى» عن علاقته العذبة بأسرته الدافئة، وعن والده الذى أقام حديقة حيوان بإحدى مقاطعات الهند، وقراره بالهجرة إلى كندا، بعد تعذر توفير ثمن طعام حيواناته.. وتتوالى وقائع الرحلة، بما فيها من عناء. وفى إحدى وقائعها، يجنح القارب، براكبيه «بى» والنمر، نحو جزيرة غريبة، غامضة، تحتلها سناجب صغيرة، نباتات وحشية، مما يؤكذ ذلك التوع الهائل فى الكون.. بينما يتجه النمر نحو غابة، تتواصل رحلة «بى» لتصل به، منهكا إلى شواطئ أستراليا، وفى المستشفى، أمام محققين من الشركة اليابانية التى تملك السفينة، يحكى «بى» ما حدث له.. المحققان لا يصدقان القصة.. يروى لهما حكاية ثانية، توازى الحكاية الأولى، ولا تتطابق معها تماما. يقول إن القارب كان يحمل معه والدته وأحد البحارة والطباخ الوغد الذى رأينا سلوكه العدوانى فى السفينة. وهو، فى القصة الجديدة، يقتل البحار، ثم الأم، كى يوفر الطعام. إنه مزيج من النمر والضبع، وربما تكون القصة الجديدة هى الحقيقية، لكن «بى» ومعه مخرجه، التايوانى الأصل، إنج لى، الفائز بأوسكار أفضل مخرج، استبدلاها بما رأيناه على الشاشة، رحمة بنا.. فما رأيك؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات