شىء.. من العدالة والإنصاف - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

شىء.. من العدالة والإنصاف

نشر فى : الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 - 8:55 ص

أسباب الكدر متوافرة، وعوامل القلق مستمرة، لكن، وسط الأجواء الرمادية، ينفذ النور من نوافذ عدة، حاملا معه قدرا لا يستهان به من إشراق الأمل. ثلاث وقائع حدثت مؤخرا، نزلت بردا وسلاما على أفئدة أضناها الإحساس بالظلم والاجحاف، هى:

• إصدار محكمة القضاء الإدارى حكما بوقف منع عرض فيلم «حلاوة روح».. بعيدا عن مستوى الفيلم، والموقف النقدى منه، جاء تصرف رئيس الوزراء، المهندس إبراهيم محلب، النشيط، على درجة كبيرة من الخطورة، فبلا تأنٍ، اتخذ قرارا فجائيا بإيقاف عرض الفيلم، وكالعادة، وجد القرار من يصفق ويهلل له، زاعما أن «حلاوة روح» يؤثر بالسلب على الأخلاق الحميدة، بالإضافة لادعاءات أخرى.. لكن، ثمة أصواتا عاقلة، نبهت إلى ما ينطوى عليه قرار المنع من تعسف، يمهد، بالضرورة، إلى فتح باب جحيم المصادرة ضد أى عمل إبداعى، لا يروق للسلطة.. لم يفت البعض، ممن يملكون ذاكرة نابضة بالحياة، التنبيه إلى أن أحد وزراء الثقافة، نسى الناس اسمه، منع فيلمى «خمسة باب»، و«درب الهوى».. لكن، بعد خمس سنوات فى أروقة المحاكم، صدر حكم قضائى برفض قرار الوزير الخائب، وأعيد عرض الفيلمين.

درس «خمسة باب» و«درب الهوى»، ثم «المذنبون» لاحقا، لم يستوعبه رئيس الوزراء، بينما تعلم منه منتج «حلاوة روح» ان الحق لا يضيع، طالما وراءه مطالب، وبالتالى، أخذ يقاتل، بعزيمة لا تفتر، من أجل إطلاق سراح فيلمه، رسميا، وبحكم قضائى يعتبر، مبدئيا، خطوة واسعة نحو العدالة.

• قامت الدنيا ولم تقعد، بسبب تصريحات أدلى بها خالد أبوالنجا، وبدلا من مناقشة آرائه، وتفنيدها، اندفع الجراد محموما، ليقضى على الأخضر واليابس، وبلا تردد، انطلقت الاتهامات، أخفها الجهل، وأثقلها العمالة والخيانة، وتطوع فصيل سمج من الجراد باقتراحات فاشية من قبيل الطرد من البلاد، إرساله إلى العراق أو سوريا أو «سيناء».. هكذا، كما لو أن الذهاب إلى سيناء عقوبة رادعة.

المفارقة اللافتة تكمن فى اتساع مساحة التعاطف مع خالد أبوالنجا، كلما زادت شراسة الحملة ضده، خاصة أنها اتسمت، فى جانب منها، بالابتذال.. هنا، لم تعد المسألة مجرد خلاف فى الآراء، ولكن، رفضا ناضجا للسوقية. من ناحية ثانية، جاء فوز خالد أبوالنجا بجائزة أحسن ممثل فى مهرجان القاهرة السينمائى، عن جدارة، بمثابة اعتراف بموهبة مواطن مصرى، أخذ عمله، وفنه، مأخذ الجد، وبالتالى، لا يليق بأحد أن يحرقه، أو يسخر منه، أيا كانت رعونة آرائه، وهو الأمر الذى تفهمه الناس، ولم يلتفت له الجراد.

• صاحب «دعاء الكروان» و«الحرام»، وعشرات الأفلام الجميلة، المغرقة فى مصريتها، هنرى بركات «1914 ــ 2014»، تعرض للتجريح، والظلم الفادح، حين حقق «ولا عزاء للنساء»، 1979، ذلك أن ناقدة راحلة، كتبت مقالا شديد التجنى، ليس على الفيلم وحسب، بل على مخرجه فى المحل الأول، وصفته بأنه «خواجة»، معروف باسم «أنرى»، وأنه ممن «يتحركون أو يتصرفون إلا وعيونهم على ــ المصارى ــ فالخواجة يعيش على أرض مصر فى حالة ــ ترانزيت ــ دائم.. يعيش فى مصر بشكل عابر لأن أسرته مستقرة استقرارا نهائيا فى فرنسا، فمصر بالنسبة له ليست أكثر من محطة ينزل لكى يهبر منها هبرة يعود بعدها سريعا إلى باريس لينفقها هناك أو فى غيرها من البلاد الناطقة برطانات أخرى، غير اللهجة المصرية». بعد ما يقرب من النصف قرن، بعد تلك المعركة التعيسة، التى تركت جرحا فى قلب أرق مخرجينا، جاء الإنصاف الحاسم فى مهرجان القاهرة السينمائى الأخير.

فى إطار الاحتفال بالعيد المئوى لميلاد فطين عبدالوهاب، وحسين صدقى، وهنرى بركات، حظى الأخير بمعرض مترع بأنفاس المحبة، أشرفت عليه السينمائية المتفهمة، صفاء الليثى، متضمنا أفيشات أفلامه، ومقالات مهمة، كتبت عنه، فضلا عن صورة كبيرة، استوقفتنى، لنجمته الأثيرة، فاتن حمامة، بملابس «عزيزة»، بطلة «الحرام».. ليست من داخل الفيلم، لكن الواضح أنها عقب أداء أحد مشاهده المتميزة، ذلك أنها تعبر عن شخصية فاتن حمامة، وحالتها النفسية فى تلك اللحظة: وجهها المرفوع يدل على الكرامة والثقة فى الذات، وابتسامتها المشرقة تنم عن رضاها بما أنجزته. إلى جانب المعرض الثرى، الذى سجلته صفاء فى دليل مصقول الورق، فخيم، صدر كتاب «بركات» زعيم المحافظين، بقلم الناقد النزيه، مجدى الطيب، الذى تعمّد فى فصله الأول، بعنوان «مصرى من شبرا»، أن يسرد، بروح المحبة، مسيرة المخرج، منذ مولده فى ذلك الحى الذى يصبغ مواليده بطابع مصرى واضح، وكأن الناقد يقف، ويؤكد، مصرية بركات.. إنه، وثيقة إنصاف حاسمة.. الأرجح، أن نوافذ العدالة والأمل تتفتح.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات