الإنسان (2)تكريمه بتعليمه الإعمار والإصلاح - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإنسان (2)تكريمه بتعليمه الإعمار والإصلاح

نشر فى : الجمعة 3 مايو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 3 مايو 2013 - 8:00 ص

(1)

 

اندهشت الملائكة عند سماعها هذا النبأ العظيم.. نبأ خلق الإنسان وإسكانه الأرض واتخاذه خليفة سيدا بين المخلوقات المسخرات يستخدمها رفعا وخفضا، تقديما وتأخيرا، واستعمالا وإهمالا، كذلك فهو المكلف الوحيد بالإعمار والمحافظة على المسخرات.

 

وكان سر دهشة الملائكة هو خبرتهم بالمخلوقات التى سكنت الأرض قبل آدم إذ كانت كائنات شريرة عاثت فى الأرض فسادا، لذلك قالت الملائكة فور سماع النبأ (أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) البقرة (30).


يتضح هنا بيت القصيد، فالملائكة قد خبرت جنسا سابقا من المخلوقات سكن الأرض وأفسد فيها، لذلك حينما سمعت الملائكة كلمة «خليفة»، فهمت أن مخلوقا جديدا سيخلف الجنس السابق، وقد يسلك نفس سلوك من سبقه.

 

لذلك كان رد الملائكة يمثل «اتهاما مسبقا» لآدم وذريته، فجاء الإعلام الإلهى للملائكة (إِنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) البقرة (30).

 

(2)

 

هكذا يتجلى موقف الملائكة من آدم، فالملائكة لا تتهم آدم بـ«قلة المعلومات» ولا بعدم العلم. إنما يحددون اتهامهم بالإفساد وسفك الدماء.

 

(أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) البقرة (30).


فحينما تكون إرادة الله إفحام الملائكة وإزالة اتهامهم لآدم وذريته تجىء إرادة الله بما يثبت صلاح آدم وذريته، وما يثبت قدرة آدم على الإعمار والإصلاح وحسن السلوك.

 

وهكذا جاءت إرادة الله (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ) البقرة (31).


فما هى الأسماء التى تعلمها آدم ليحاج بها الملائكة؟

 

نعم ما هى الأسماء التى تعلمها آدم ليثبت بها للملائكة أن ذريته صالحة معمرة خيرة؟

 

(3)

 

قد أكثر المفسرون فى تفسير تلك الأسماء، فقالوا إن الله علم آدم جميع لغات العالم ولهجاته، وقالوا علمه الله أسماء جميع الموجودات التى كانت موجودة والتى وجدت وسوف توجد إلى آخر الدنيا!

 

وحول هذه المعانى كانت أقوال المفسرين وهم يريدون إثبات قدرة الله العليم العلام، ومع إيماننا الذى لا يدخله شك أن قدرة الله مطلقة لا حدود لها، لكن الموقف بين آدم والملائكة لا يلزمه إثبات قدرة الله حيث لا شك ولا يلزم إثبات «علم ومعرفة آدم» لأن الملائكة لم تتهمه بالجهل وقلة المعلومات.

 

(4)

 

فهل تكون الأسماء التى علمها الله لآدم «هى أسماء النبيين والمرسلين» وأسماء الكتب السماوية التى سوف تتنزل على بعض هؤلاء؟

 

لا مانع من هذا التصور، فالملائكة تخشى فساد هذا الخليفة وسفكه للدماء، وإثبات زيف اتهامهم لآدم يحتاج إلى برهان يؤكد لهم أن آدم وذريته يستطيعون الحفاظ على الأرض وما فيها من كائنات. وهكذا يعلم الله آدم أسماء النبيين والمرسلين من ذريته، هؤلاء المرسلين الذين يعلمون الناس الخير والحفاظ على الأنفس والدماء والأموال، فإذا سمعت الملائكة أسماء ( نوح/ إبراهيم/ إسماعيل/ إسحاق/ موسى/عيسى/ محمد) وتعرفوا على الرسالات المنزلة عليهم أدركوا أن الغالبية الغالبة من ذرية آدم سوف يطيعون هؤلاء المرسلين، وسوف يقومون بوظيفة إعمار الأرض وحراستها من الفساد خير قيام.

 

(5)

 

ماذا يبقى لابن آدم إن كان آدميا حقا؟

 

ماذا عليه ليثبت جدارته بالخلافة كما يثبت زيف ظن الملائكة وتوقعها لحياة ابن آدم على الأرض؟ الحق أيا كان رأيه وأيا كانت رؤيته، وأيا كان موقعه بين الناس أن يمهد ويؤسس ويعين على إتاحة فرص الإعمار والتعمير ووسائل العمل والإنتاج والأمن والسلام.

 

على ابن آدم ــ الدور الرئيسى ــ فى حشد النفوس نحو استخراج خيرات الأرض وتيسير استثمارها بما يعود بالنفع على البشرية ويحقق الأمن والسلام والصحة والعافية، وحسن المقام وحسن الجوار.

 

على ابن آدم أن يبذل غاية جهده فى تحقيق اكتفاء الناس من ضرورات الحياة طعاما وشرابا ولباسا ومأوى.. فإن الاكتفاء من هذه الضرورات هو المدخل الطبيعى لحسن العبادة وحسن المآب.. يتبع

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات