القيادة فى القاهرة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 1:51 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القيادة فى القاهرة

نشر فى : الأحد 3 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأحد 3 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

خلال ساعة وربع الساعة، يصحبنا شريف القطشة، بحذر، وأنفاس لاهثة، فى ميادين وشوارع وكبارى العاصمة، ليقدم بانوراما عريضة، تتوغل فى العمق، لمدينة يعيش فيها 20 مليون مواطن، يستخدمون شتى أنواع المواصلات: الأتوبيسات، عربات الكارو، الموتوسيكلات، التوك توك، وطبعا السيارات التى وصل عددها إلى 14 مليون سيارة ما بين ملاكى وأجرة.

شريف القطشة، المصرى الأصل، ولد فى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن عاش وتعلم فى القاهرة وقال لى زميله فى الدراسة محمد حفظى إنه كان من أكثر التلاميذ تفوقا فى الأداء التمثيلى، فى المرحلة الثانوية، وفيما يبدو أن طاقته الفنية انتقلت من التمثيل لتنطلق فى الأفلام التسجيلية، حيث يرصد، بعين بصيرة، وأذن مرهفة، تفاصيل الوجوه، بانفعالاتها الصادقة، العفوية، المتباينة، ويسجل الأصوات المتداخلة المتصاعدة من الشوارع، بحوارات الناس المتقاطعة، وكلاكسات السيارات، بما تحمله من معانٍ، وشذرات من الأغانى، وخطب السياسيين فى الميادين.. لذلك فإن فيلمه الذى عرض فى مهرجان أبوظبى، يتدفق بالحيوية، ويعد جزءا من الحياة، لا تعبر عنها بقدر ما يعايشها ويعيشها.. والقطشة فى هذا، كابن بلد أصيل، لا تفوته المفارقة، أو النكتة، أو الدعابة، وبالتالى جاء فيلمه مرحا، بلمسة كوميدية، برغم مادته المتجهمة، القاسية.

وضع القطشة عدة كاميرات، داخل وأمام عدد من السيارات، تسير وتتعثر فى الشوارع، وتسجل الأحاديث.. «الفوضى»، هى الكلمة الأدق فى وصف ما يجرى. عربات لا تلتزم بإشارات المرور، ولا بالحارة التى يجب السير فيها. فى مشاهد متوالية، الجمهور لا يقيم وزنا لأماكن عبور المشاة. موتوسيكل يقوده رجل بدين ضاحك، يجلس أمامه طفل مبتهج، وخلفه تقعد زوجته المبتسمة وهى تحمل طفلا. أسرة كاملة على عجلة بخارية. ثمة عربات الأمن المركزى الضخمة، التى تنقل المساجين أيضا، بمظهرها المقبض للنفس، فهى توحى بأنها زنزانات داخل معتقل، ولكنها ــ الزنزانات ــ تتحرك، مترنحة، فى شوارع لا تخلو من عربات يد.. ولثوان قليلة، تتوقف الكاميرا أمام وجه تمثال طلعت حرب، فيبدو، بملامحه الصارمة، فى حالة غضب.

شريط الصوت، يسجل الشتائم المتبادلة بين السائقين، خاصة لعربات الميكروباص، التى تتجه من أقصى اليمين لأقصى اليسار، لتقف فى أى مكان كى تلتقط زبونا.. إلى جانب الشتائم، وبعضها بلغة الكلاكسات، ثمة لمسات صداقة مؤقتة، فالسائقون يتبادلون التحية والسجائر.. وسط تلك الفوضى، يقف رجل المرور حائرا، ضائعا، يائسا، يشير بيديه إشارات لا يستجيب لها أحد.

فى الثلث الأخير من الفيلم، يتابع القطشة محاولة إحدى الشابات للحصول على رخصة القيادة، وبعد عناء، تجد الحل السحرى دفع ألف جنيه لأحد العارفين ببواطن الأمور.. وفعلا، تحصل على الرخصة. لكنى تدرك أنها لن تستطيع القيادة، وسط هذا السيرك، فتسند المهمة لسائق محترف، ثقيل الظل، سنعرف بعد لحظات ما حدث معه، ومنه.

«القيادة فى القاهرة»، ليس فيلما فضائحيا، ولكنه عمل كاشف، يبين بجلاء التفاوت الطبقى بين أصحاب العربات الفارهة وراكبى الميكروباصات، ويتفهم، ويحنو، على المخالفين للقانون.. عند أحد الكمائن، يتم ضبط سائق عربة أجرة، بذراع واحدة. يدافع الرجل عن نفسه بقوله إنه فقد ذراعه فى الحرب، ولا عمل له. عنده أسرة تريد أن تأكل وتتعلم، وها هو يدخل فى مهاترة مع الضابط.

وفى موقف آخر، يدس أحد العابرين عملة فى يد عسكرى مرور غلبان، وترصد الكاميرا، على سريع، وجه العسكرى: خجلا وممتنا.

مع هذا كله، اندلعت فى مصر ثورة، كان ميدان التحرير قلبها النابض.. لكن الثورة لم تغير شيئا من فوضى المرور، وبرغم وعود المرشحين لرئاسة الجمهورية، ظل الحال على ما هو عليه.. وصل محمد مرسى إلى كرسى الحكم، وحين أظلمت الشاشة تمهيدا للختام، تضاء من جديد مع صرخة المرأة وصوت ارتطام، ذلك أن السائق المحترف، ثقيل الظل، صدم رجلا.. إنه فيلم مرآة، لا يعكس سوى الحقيقة.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات