غزة بين الكره والعنصرية - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 4:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

غزة بين الكره والعنصرية

نشر فى : الجمعة 3 نوفمبر 2023 - 8:35 م | آخر تحديث : الجمعة 3 نوفمبر 2023 - 8:35 م
العنصرية هى التصرفات التى تُبنى على الأفكار والمُعتقدات والقناعات والتى ترفع من قيمة مجموعة معينة أو فئة ما على حساب الفئات الأخرى، وذلك بناءً على أمور مورّوثة مرتبطة بقدرات الناس أو طباعهم أو عاداتهم، وقد تعتمد فى بعض الأحيان على لون البشرة، أو الثقافة، أو مكان السّكن، أو العادات، أو اللغة، أو المعتقدات.
كما أن العنصرية يُمكن أن تُعطى الحق للفئة التى رُفع شأنها ــ إسرائيل ــ وذلك بالتحكّم بالفئات الأخرى ــ الفلسطينيين ــ فى مصائرهم وكينونتهم، وسلب حقوقهم، وازدرائهم دون حق أو سبب ــ كما فى غزة الآن ــ ويكون الهدف منها محاولة التفوق على الآخرين.
تعدُّ العنصرية فى أى مجتمع أحد أهم أسباب الفتنة، وأبرز أسباب الحروب والتفرقة، وهى من أشد الأمراض فتكًا بالمجتمعات، ولم يخلُ عصر من العصور منها، إذ تُعتبر رفضًا جذريًّا لمجموعة من الأشخاص، واستثناء لمجموعة من ناحية أخرى.
تستند العنصرية على عدة أسس لممارستها منها: لون البشرة والقوميّة نسبة إلى القوم، أو الجماعة التى تتصل ببعضها بصلات معينة واللغة والعادات والمعتقدات كالرأى السياسى. فضلًا عن الثّقافات والطبقات الاجتماعيّة؛ حيثُ يحتقرُ الأغنياءُ الفقراءَ ويتحكّمون بهم، فمُعاملة الفرد واحترامه مبنيّة على مكانته الاجتماعيّة منها النسب أو الدين.
وأشكال العنصرية تشمل عدة أبعاد أهمها: التمييز الفردى، وهنا تكونُ العنصرية موجّهة للفرد ذاته، ويُشير هذا التمييز إلى عدم التكافؤ فى مُعاملة الأفراد وبعضهم البعض وذلك بسبب كونه فردًا. والتمييز الشخصى هو الذى يحمل مواقف سلبيّة باتجاه عرق أو ثقافة مثل تمييز الشخص الغربى ضد العربى. أما التمييز المؤسسى، فتكونُ العنصرية فيه موجّهة لإفادة وتحقيق أهداف مجموعة واحدة على حساب مجموعات أخرى، ونرى هذا جليًا فى قرارات مجلس الأمن المعضدة لإسرائيل خلال حروبها ضد العرب وخاصة ضد الشعب الفلسطينى حيث يؤدى ذلك إلى حرمان هذه الشعوب من حقوقها.
• • •
مصطلح «عنصرى» يعبر عن صفة أو اسم، والصفة هنا تستخدم لتصف الشخص الذى يحمل تلك المعتقدات. وكما يوضح لنا التاريخ فإن الاستخدام الشائع لكلمة عنصرية حديث نسبيًا. حيث انتشرت الكلمة فى العالم الغربى فى ثلاثينيات القرن الماضى، عندما تم استخدامها لوصف الانتماءات الاجتماعية والسياسية النازية ــ فى أحداث محرقة اليهود ــ التى تعاملت مع «العرق» على أنه وحدة سياسية محددة بشكل طبيعى.
من المتفق عليه عمومًا أن العنصرية كانت موجودة قبل استخدام هذا المصطلح، ولكن لا يوجد اتفاق واسع على تعريف يصف العنصرية أو لا يصفها اليوم، يفضل بعض العلماء استخدام مفهومها فى التعددية، من أجل التأكيد على العديد من الأشكال المختلفة التى لا تندرج بسهولة تحت تعريف واحد. كما يجادلون بأن أشكالًا مختلفة من العنصرية قد ميزت فترات تاريخية ومناطق جغرافية متعددة.
يلخص هوارد جاردنر (عالم نفس أمريكى) التعاريف المختلفة الموجودة للعنصرية ويحدد ثلاثة عناصر مشتركة واردة فى تلك التعريفات للعنصرية. العنصر الأول هو العلاقة التاريخية الهرمية القوية بين مجموعات البشر، والعنصر الثانى هو مجموعة من الأفكار الأيديولوجية حول الاختلافات العرقية، والعنصر الثالث هو الممارسات والأفعال التمييزية.
• • •
يرى البعض أن (الكراهية أو الكره) هو شعور عميق وعاطفى، وغالبا ما يكون موجة مؤقتة ضد مجموعة معينة من الأشخاص أو حتى فئة معينة من الكائنات (سواء كان إنسانًا أو جمادًا أو حيوانًا أو نباتًا... إلخ)، وأحيانا مجموعات كاملة (كبيرة) من الناس (مثل قبيلة أو مدينة أو محافظة أو دولة معينة) وهذا نراه جليًا فى كره الإسرائيليين الصهاينة للعرب، وأحيانا لا تقتصر الكراهية على ذلك بل تتوسع بمجالات وأشياء عديدة ومع ذلك أحيانًا تكون الكراهية غير مؤقتة وتستمر حتى موت الكاره أو المكروه، وكثيرًا ما ترتبط الكراهية بالعديد من المشاعر السلبية مثل الغضب والعنف وشىء من الجنون والتصرف بطريقة عدائية تجاه الكائنات المكروهة، ويمكن للكراهية دفع الإنسان إلى الإجراءات المتطرفة. مثل تلك الإجراءات التى تؤثر سلبًا أو تدمر الكائن الكاره والمكروه على حد سواء أو على الناس عامة. ومن الإجراءات المتطرفة التى يمكن أن تسببها الكراهية العنف، والقتل، والحرب.
فى 18 يونيو 2022 قام الأمين العام الحالى للأمم المتحدة السيد جوتيريش بإلقاء خطاب تكلم فيه عن خطاب الكراهية الذى يؤدى إلى العنف والذى لعب دورًا مهمًا فى أكثر الجرائم المروعة والمأساوية فى العصر الحديث، بدءًا من معاداة السامية التى أدت إلى (الهولوكوست) محرقة اليهود على يد النازى، وصولًا إلى الإبادة الجماعية للتوتسى فى رواندا عام 1994م. وحرب روسيا وأوكرانيا وها قد وصلنا فى هذه الأيام لمشروع الإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى بغزة وبعد أن تأكد نتنياهو أنه فى حكم الراحل المحكوم عليه بالسجن بتهمة الفساد السياسى أقر خطة الأرض المحروقة أو خطة صفقة القرن التى فشلت بسبب انتفاضة الشعب المصرى فى 30 يونيو المجيدة التى منعت الإخوان من بيع جزء من أرض الفيروز (سيناء) لشعب فلسطين وتصفية القضية الفلسطينية على حساب أرض مصر وأمنها، وها هى إسرائيل التى بدأت منذ زمن بخطاب الكراهية حيث زرعت مستوطنات فى كل مكان وطردت سكان فلسطين بقدر استطاعتها إلى أن أصبح كل سكان فلسطين على 10% أو 12% بالأكثر من مساحة أرض فلسطين. وقد وجه البرلمانى الأيرلندى الشهير «مات كارثى» رسالة نارية إلى البرلمان قائلًا «فلنكن واضحين تمامًا أن حماس قد انتهكت القانون الدولى فى السابع من أكتوبر حيث استهدفت المدنيين الأبرياء بأبشع الطرق اللاإنسانية وقد تم إدانة فعلها من قبل أصحاب الضمائر الحية فى جميع أنحاء العالم، لكن إسرائيل أيضًا انتهكت القانون الدولى ليس فقط فى كل يوم منذ السابع من أكتوبر بل تقريبًا فى كل يوم على مدار عقود ماضية، فإسرائيل تحتل الأراضى الفلسطينية، وتحاصر الأراضى الفلسطينية، وتوسع المستوطنات غير الشرعية، وهذا يخالف القوانين الدولية الخاصة بالأراضى أيضًا، وتفرض نظامًا عنصريًا يقيد حركة الفلسطينيين وينتهك حقوقهم الأساسية، وتهاجم بانتظام وبشكل منهجى المدنيين الفلسطينيين وتقتلهم مخالفة للقانون الدولى الخاص بالإنسان؛ لذلك فالسؤال الذى يفرض نفسه بقوة علينا كساسة هو كيف يرد العالم على كل تلك الانتهاكات الصارخة للقانون الدولى؟».
وأضاف مات كارثى أنه، «فيما يتعلق بجرائم الحرب التى ارتكبتها حماس كانت الاستجابة واضحة وحاسمة من العالم أجمع فقد إنهال زعماء العالم معبرين عن غضبهم «أن لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها»، وقد تكررت هذه الجملة من كبار الشخصيات، بما فى ذلك حكومتنا الأيرلندية، أكثر من مرة رغم العلم التام بأن هذه الكلمات أصبحت ملوثة. فهذه الجملة تعنى حرفيًا أن إسرائيل تأخذ هذا الحق كترخيص لقصف المدنيين وقصف المدارس والمستشفيات والبنية التحتية المدنية الأخرى لفرض تهجير مليون شخص من طرف لآخر فى سجن مفتوح، وحرمانهم من الغذاء والطاقة والإمدادات الطبية، وفرض حصار على السكان المدنيين، بل وحرمانهم من الماء لضمان موت الأطفال والمرضى وذوى الاحتياجات الخاصة وكبار السن من العطش. وأصبحت عبارة حق الدفاع عن النفس هذه غطاء لحث إسرائيل على ارتكاب الإبادة الجماعية أمام أعيننا. فلماذا إذن لا نسمع أبدًا عبارة لفلسطين حق الدفاع عن نفسها»؟!
إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات