رحيل جـــلال أمــــيـن - نبيل العربي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:02 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رحيل جـــلال أمــــيـن

نشر فى : الخميس 4 أكتوبر 2018 - 11:10 م | آخر تحديث : الخميس 4 أكتوبر 2018 - 11:10 م

ترددت كثيرا قبل أن أقرر ضرورة الكتابة عن رحيل صديق الطفولة العزيز جلال أمين. السبب الحقيقى وراء هذا التردد هو أن صداقتنا تمتد منذ بداية حياتنا عندما دخلنا روضة أطفال مصر الجديدة ثم المدرسة النموذجية الابتدائية، ثم كلية الحقوق فى جامعة القاهرة. تلازمنا وكنا أصدقاء طوال هذه السنين. سافر جلال فى بعثة لدراسة الاقتصاد فى لندن ودخلت أنا السلك الدبلوماسى ونُقلت إلى السفارة فى روما. زرته أكثر من مرة فى لندن وكنا نسكن غرفتين متجاورتين وكنت أذهب معه أحيانا إلى الجامعة لحضور بعض المحاضرات. كما زارنى فى روما واُعجب جدا بالحياة فيها وبالفن الذى نراه فى شوارعها وحواريها.
وقد وطد الصداقة على مر السنين أننا كنا نتلاقى فكريا فى العديد من الموضوعات، ففى بداية حياتنا شاركنا معا فى تكوين جمعية أطلقنا عليها اسم جمعية الجيل الجديد كنا نبحث ما نتصوره فى هذه السنين المبكرة من إصلاحات. ولكننا توقفنا عندما علم أهلنا بالأمر لأن جمعية بنفس الاسم، قبض على أعضائها! ثم شاركت مع جلال فى تأسيس مجلة طلابية أطلقنا عليها اسم «عصفور النيل» وصدر منها ثلاثة أعداد قبل أن تتوقف لأسباب مالية ولجرأة بعض المقالات.
ومازلت أذكر بكل فخر افتتاحية مقالة كتبها جلال تطالب الإنجليز بالخروج من البلاد بعنوان «اخرجوا من بلادنا أيها الأنذال»، وأعتقد أن جرأة هذا المقال جعلت المدرسة توقف المجلة.
***
كان جلال ــ رحمه الله ــ متقد الذكاء، عميق التفكير، لا يهتم بالصغائر ويترفع عنها، يبحث بعمق وروية الموضوعات وكان ترتيبه الأول فى شهادة التوجيهية قسم أدبى عام 1951. فى مرحلة ما انجذب إلى فلسفة حزب البعث وشاركت معه فى بعض المناقشات ولكن كلانا ــ على حسب علمى ــ لم ينخرط فى أى نشاط حزبى.
فى صباح 23 يوليو 1952 كنا فى الإسكندرية نسكن منطقة سيدى بشر، واتصلت به وتقابلنا ووقفنا لساعات فى شارع الكورنيش مع أعداد كبيرة من الشباب نصفق لسيارات الجيش التى تمر أمامنا متجهة إلى قصر المنتزه. كنا فى السنة الأولى فى كلية الحقوق وكنا نتصور أن ما ألم بمصر من «فساد» سوف ينحصر وينتهى وأننا سوف ندخل عصرا جديدا يسود فيه القانون وتتحقق العدالة للجميع، ولكن بعد عامين كنا من أنصار محمد نجيب الذى كان يطالب ــ حسب مفهومنا ــ بعودة الجيش إلى الثكنات وبعودة الحياة النيابية لمصر. فى هذا الوقت تم الاعتداء على السنهورى باشا رئيس مجلس الدولة، ووجدت أنا وجلال ضرورة زيارته فى منزله لتأييد موقفه نيابة عن والدينا، فقد كان الدكتور أحمد أمين والد جلال مريضا وتوفى بعد فترة قصيرة وكان والدى الدكتور محمد عبدالله العربى فى ذلك الوقت فى بغداد عميدا لكلية الحقوق وكانا كلاهما من أصدقاء السنهورى باشا المقربين.
***
كان جلال أستاذا فريدا ومتميزا لعلم الاقتصاد وكان له رؤية فريدة ونظرة فاحصة إلى الاقتصاد كعلم اجتماعى يؤثر ويتأثر بأحوال الناس. لا شك أن كتابه الأشهر «ماذا حدث للمصريين» لخير دليل على رؤيته الواسعة وعمق تفكيره. لقد أثرى جلال علم الاقتصاد بجانب إنسانى اجتماعى وبأفكار ليبرالية تتفق مع متطلبات الحياة وما يواجه الإنسان أمامه فى رحلة الحياة، فقد كان ــ رحمه الله ــ أستاذا للاقتصاد بمعناه الواسع الذى يشمل المؤثرات التى تحيط بنشاط الإنسان.
كان يحظى بحب وتقدير الطلبة والأساتذة. أدين له بالكثير فقد كان أستاذا مثاليا ومحبوبا لأولادى الثلاثة مى ومروان وهشام، وأعتقد أنه لعب دورا رئيسيا فى توجيه هشام وتحسين أدائه فى الحياة حتى يحقق النجاح.
الذكريات كثيرة وعزيزة تتدفق كشريط أمامى وتجعلنى لا أستطيع التغلب على الألم العميق لفراقه.
رحم الله الفقيد العزيز وأسكنه فسيح جناته.

قاض بمحكمة العدل الدولية سابقا.. وأمين عام جامعة الدول العربية السابق

نبيل العربي  قاض بمحكمة العدل الدولية سابقا .. وأمين عام جامعة الدول العربية السابق
التعليقات