اللعب على رقعة الشطرنج السورية - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:16 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اللعب على رقعة الشطرنج السورية

نشر فى : الإثنين 4 ديسمبر 2017 - 10:15 م | آخر تحديث : الإثنين 4 ديسمبر 2017 - 10:15 م
شهدت الأيام القليلة الماضية العديد من التحركات والاجتماعات التى تشى ببدء مرحلة الإعداد للتسوية السياسية فى سوريا. ولعل أبرز مظاهر هذه الاستعدادات كان استئناف المباحثات بين المعارضة والنظام فى سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة فى جنيف الأسبوع الماضى والتى أطلق عليها جنيف ٨. وقد سبق عقد هذه الجولة من المباحثات تحركات واتصالات تهدف إلى قيام كل طرف بتعزيز وتثبيت مواقعه على الساحة السورية، وحتى تأتى نتيجة المفاوضات تعبيرا وانعكاسا لموازين القوى على الأرض. وكان أهم هذه التحركات قيام الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى ٢٢ من الشهر الماضى باستضافة كل من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان والرئيس الإيرانى حسن روحانى فى قمة ثلاثية بمنتجع سوتشى على البحر الأسود. وسبق هذه القمة الثلاثية بيومين اجتماع الرئيس الروسى بالرئيس السورى بشار الأسد فى سوتشى أيضا. تواكب مع هذه الاجتماعات قيام الرئيس بوتين باتصال تليفونى مطول مع نظيره الأمريكى دونالد ترمب ولمدة ساعة ونصف، واتصالين آخرين مع كل من الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى والعاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز. فى ذات الوقت تقريبا، استضافت الرياض مؤتمرا للمعارضة السورية للخروج بوفد موحد يفاوض الحكومة السورية فى اجتماعات جنيف المذكورة. فهل ستسفر هذه المفاوضات والتحركات عن تسوية سياسية تستقر معها الأوضاع فى سوريا ويسود الأمن والسلام؟ أم أن تمسك العديد من الأطراف بمواقفها ورؤاها سيؤدى إلى انفجار الأوضاع من جديد ولكن بمسميات ودعاوى جديدة؟ 

ولكى نجيب على هذين السؤالين فيجب علينا فهم أهداف ورؤى كل طرف وما إذا كان ذلك يساعد على التوصل إلى تسوية سياسية وعودة الاستقرار، ولنبدأ بروسيا، صاحبة القوة الرئيسية فى تحويل مجرى الحرب لصالح النظام السورى وصاحبة الدعوة لقمة سوتشى سالفة الذكر. وقد حرص الرئيس بوتين على التأكيد قبل القمة على أنه ما كان يمكن لقوات النظام السورى أو حلفائه من إيران وحزب الله من تحقيق انتصارات على الأرض لولا هذا الدعم العسكرى الروسى. وهى الرسالة التى أراد بوتين إبرازها عندما نقلت وسائل الإعلام الروسية لقاء الرئيس السورى بشار الأسد مع القادة العسكريين الروس. وكانت الرسالة واضحة من أن القوة العسكرية الروسية وحدها هى التى ستفرض شروط التسوية القادمة، وعلى الجميع أن يعى ذلك. وهو موقف ينم عن ثقة المنتصر بنفسه وعدم الحاجة إلى تقديم تنازلات أو القبول بحلول وسط.

نأتى بعد ذلك إلى إيران، صاحبة ثانى أكبر وأقوى قوة داعمة للنظام السورى بعد روسيا. وتشير الأنباء المتواترة إلى بناء قاعدة عسكرية إيرانية فى منطقة الكسوة جنوب دمشق، فضلا عن إنشاء قاعدة بحرية لها أيضا فى ميناء اللاذقية، وهو ما يؤكد أن إيران تخطط للبقاء وإنها لن تتخلى عن مكاسبها أو قواعدها فى سورية قريبا. ولا شك إن هذا الأمر يشكل قلقا ملحوظا لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلا عن المملكة العربية السعودية، والذين كانوا يعولون على قيام روسيا بصفة عامة وإيران بصفة خاصة بتقليص وجودهما العسكرى فى سوريا مع قرب التوصل إلى تسوية نهائية وبما تنتفى معه الحاجة إلى بقاء هذه القوات.

يزيد المشهد تعقيدا نوايا تركيا فى سوريا التى دخلت قواتها محافظة إدلب فى الشمال وبحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش ). ورغم أن تركيا ما زالت عضوا فى حلف الناتو وكانت إلى عهد قريب تعارض سياسات كل من روسيا وإيران فى سوريا، إلا أن تركيا وبعد أن رأت إنحسار نفوذ المعارضة السنية التى كانت تعول عليها، وفى ذات الوقت تعاظم نفوذ أكراد سوريا بدعم من واشنطن ــ وهو ما يمثل خطا أحمر لها لارتباط ذلك بملف الأكراد داخل تركيا ذاتها ــ فقد انقلبت تركيا على مواقفها السابقة وشاركت فى كل من اجتماعات الأستانة وفى قمة سوتشى بهدف تأمين مصالحها وهدفها فى منع قيام كيان كردى فى شمال سوريا. 

أما بالنسبة إلى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، فإن إنهاء الوجود العسكرى الإيرانى فى سوريا يمثل الأولوية الأولى لهم جميعا. ويمكن تفسير القرار الأمريكى الأخير بوقف إمداد المقاتلين الأكراد فى سوريا بالسلاح، بأنها محاولة أمريكية لاستمالة تركيا بعيدا عن المحور السورى الروسى الإيرانى فى سوريا، عن طريق الاستجابة لطلب أردوغان بوقف الدعم الأمريكى لأكراد سوريا. ويأتى أيضا فى هذا الإطار القرار الأمريكى الأخير بزيادة عدد القوات الأمريكية المتواجدة فى مناطق الأكراد بشرق سوريا من خمسمائة إلى الفى جندى، وهو القرار الذى يمكن تفسيره بأنه يهدف إلى التصدى للمخططات الإيرانية لخلق منطقة نفوذ تتواصل على الأرض من طهران شرقا إلى بيروت غربا، وهو ما يرشح المنطقة لصدام عسكرى بين هذه القوات الأمريكية وبين قوات الحرس الثورى الإيرانية أو أى من الميليشيات الشيعية الأخرى المتحالفة معها، وهو الأمر الذى حدث بالفعل حين تصدت القوات الأمريكية لبعض المليشيات المتحالفة مع إيران فى منطقة التنف على الحدود السورية العراقية.

هذا، ورغم الجهود التى تبذل من أجل العمل على إنجاح المفاوضات الحالية فى جنيف، والتى بالقطع لن تكون الأخيرة، ورغم الاتفاق فى الأستانة بين كل من روسيا وتركيا وإيران على خفض التوتر بعض المناطق فى سوريا، إلا أن العداء والتناقضات بين إيران من ناحية، وبين كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة ممن ناحية أخرى، قد يحول دون تحقيق التسوية السياسية التى يأمل الشعب السورى فى إنجازها، لتصبح سوريا مرة أخرى ساحة للقتال ولكن بين إيران وإسرائيل هذه المرة.
التعليقات