نجيب محفوظ.. والعسكر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نجيب محفوظ.. والعسكر

نشر فى : الأربعاء 5 يناير 2011 - 9:56 ص | آخر تحديث : الأربعاء 5 يناير 2011 - 9:56 ص

 ملاحظات وتأملات عميقة، متوهجة بالذكاء، متمتعة باتساع الأفق، من الممكن أن ترصدها، فى الكتابات الهادئة، الرصينة، للأستاذ الناقد المتأمل، شكرى عياد، الذى منحنا درسا ووسيلة، فى قراءة نجيب محفوظ.. الدرس هو: فى بعض الأحيان، يتمتع المبدع بحرية لا تتوافر للناقد، فالروائى، من الممكن أن يعبر عن رؤيته على نحو إيحائى، يتجنب به بطش السلطة.

أما الناقد، خاصة إن كان صادقا، فإنه قد لا يستطيع الإعلان عن تفسيره للعمل الأدبى، خوفا على الأديب قبل الخوف على نفسه. الدليل على هذا، يقدمه شكرى عياد، حين يتعرض لرواية «السمان والخريف»، ذلك أنه كتب تحليلا عقب صدورها «1962»، مؤداه أن «السمان» فى رحلته الطويلة، الشاقة، المترعة بقوة الإرادة ونور الأمل، نحو المناطق الدافئة، يصطدم بشباك الصياد.. تماما مثل الشعب المصرى، الذى قطع مشوارا مضنيا، محفوفا بالعناء، نحو مناطق الحرية والعدالة. لكنه، على الأقل، تعثر فى شباك العسكر.

طبعا، لم يكن لشكرى عياد أن ينشر هذا التحليل آنذاك، وإلا بدا الأمر كبلاغ ضد نجيب محفوظ، وبالتالى، احتفظ بالمقال فى درج مكتبه، مدركا أن حرية الناقد، فى الكثير من الأحيان، أقل من حرية المبدع.. هذا عن الدرس، فضلا عن أن ثمة ما هو أهم، يتعلق بقراءة ما وراء قصص نجيب محفوظ، خاصة القصيرة، ومنها قصة «الخوف» الثرية، الواردة فى مجموعة «بيت سيئ السمعة» 1965، والتى نشرها الأستاذ من قبل، فى جريدة «الأهرام» ــ التى كانت أهراما ــ وجاء نشرها عقب المناقشات السقيمة حول تعريف العامل والفلاح، حيث درج السادات على السماح لكل مفكر أن يتحدث لمدة ثلاث دقائق فقط، يدق بعدها ناقوسا يمسكه بيده، قائلا بحسم «انتهى الوقت.. يا أستاذ».

«الخوف» تدور فى الأجواء المحفوظية: حارات متنازعة، فتوات، معارك، مقهى ترتفع فيه قرقرة النرجيلة، أناس تعساء يطلبون الأمان بأى ثمن. شذرات من أحاديث عابرة.. من الممكن قراءة القصة، بأحداثها، وشخصياتها، قراءة ممتعة، مباشرة، لا تخلو من طرافة.

«نعيمة» حلت مكان والدها العجوز فى بيع الكبدة على عربة يد. مخطوبة لشاب طيب «الأعور» فتوة حارة دعبس، يلتقى الأب، يجبره على قراءة الفاتحة تمهيدا لزواجه من نعيمة، ثم يلتقى الأب بـ«جعران» فتوة حارة الحلوجى الذى يجبره على قراءة الفاتحة لذات الهدف. وبينما الناس فى حيرة، يتوقعون شرا، تفتتح نقطة شرطة فى حارة «الفرغانة»، ضابطها شاب قوى، يجيد فنون القتال الحديثة، يهزم الفتوَّين، يعجب بنعيمة، وبدلا من أن يتزوجها، يقيم معها علاقة، تنتشر أخبارها بين سكان الحارة، يسكتون عنها ويبتلعونها بفعل الخوف.. لكن القصة، بلغة نجيب محفوظ، المكثفة، الموجزة، الأقرب لروح الشعر، تعطى رؤية أعمق وأوسع من معناها المباشر، فثمة إشارة إلى أن الأحداث تدور فى بداية القرن، وبقول المقرئ فى لحظة حيرة «يا كريم الألطاف نجنا مما نخاف»، وهو الدعاء الذى تصاعد إزاء مدافع الفرنسيس. وإشارة أخرى للصراعات بين الحوارى التى يدفع ثمنها أهالى «الفرغانة»، فضلا عن انتعاشة الأمل بذلك الضابط الشاب، ثم ها هو، فى النهاية، تربع على الكرسى «يمد ساقيه حتى منتصف الطريق وقد امتلأ جسمه وانتفخ كرشه وتجلت فى عينيه نظرة متعالية».. إنها بذات المغزى الذى تلمَّسه شكرى عياد فى «السمان والخريف».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات