هل كان المستشار مصطفى سليمان المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة، يخاطب هيئة المحكمة التى تنظر قضية «مبارك وشركاه» أم يخاطب الرأى العام؟
هل كان الرجل الذى يمثل الإدعاء يتحدث فى قاعة محكمة أم فى قلب ميدان التحرير؟
هل يحاكم مبارك وفق أوراق القضية الرسمية، لأنه سعى لتوريث السلطة لابنه، أو خضع لرغبات زوجته، أو خذل الشعب وأصر على الاحتفاظ بالحكم أو عصف بمصالح الجماهير وترك بطانته تحكم أو أهان نفسه وماضيه؟
هل يحاكم العادلى وفق الأوراق الرسمية للقضية لأنه كرس جهود وزارة الداخلية لإنجاح مشروع التوريث، أو حول الشرطة من حامية للشعب إلى خادمة للنظام؟
قطعا كنت أتمنى مثلك أن يحاكم مبارك والعادلى على كل هذه الاتهامات وأكثر، وأن تكون هناك محاكمة سياسية حقيقية لكل جرائم الإفساد السياسى التى حدثت فى عهد الرئيس المخلوع، لكنك كما تعرف أن الرجل الذى يأتى للقفص عبر طائرته ويدخله ممدا على سريره، يحاكم بسبب 3 اتهامات رئيسية الأولى هى قتل المتظاهرين، والثانية هى التربح، والثالثة هى الفساد فى تصدير الغاز، لكن النيابة فى محاكمة القرن قالت كثيرا من الكلام السياسى وقليلا من الكلام القانونى، أفرطت فى الشعارات والجمل الساخنة التى تدغدغ مشاعر الجماهير والبسطاء، ولم تقترب إلا نادرا من المحاور الأساسية للقضية الموجودة فى الأوراق أمام رئيس المحكمة.
أستطيع أن أقول لك وأنت سعيد بهذه المرافعة ويقشعر بدنك من كل كلمة حماسية فيها، إن كل هذا الحديث لا يعنى للمستشار أحمد رفعت قاضى المحكمة أى شىء، والمؤكد أنه لا يجب أن يعنيه، وأنه إذا كانت النيابة خاطبت الرأى العام بالشعارات التى لا علاقة مباشرة لها بالقضية وفنياتها ووقائعها، فى الوقت الذى كان يجب فيه أن تخاطب هيئة المحكمة بالقرائن والأدلة وتأكيد الاتهام، منحت محامو مبارك وشركاه فرصة لأخذ نفس عميق، والأرجح أنها جعلت المخلوع ومن معه فى القفص يتنفسون الصعداء، وربما يجهزون من الآن للاحتفال بالبراءة.
هذه السطور لا تهدف إلى إحباطك بعد تفاؤل مزيف حصلت عليه من مرافعة حماسية تصفها الصحف بالتاريخية، والحقيقة أن تاريخيتها ليست فى روعة خطابها، ولكن فى خواء ما استندت عليه ويخص تفصيلات القضية بالمقارنة بأهمية القضية وتاريخيتها الحقيقية.
وهذه السطور كذلك ليست تدخلا فى عمل النيابة لأن المؤكد أنها لم تقم بعملها حتى يمكن التدخل فيه، من فضلك عد واقرأ نص المرافعة وفتش بين السطور والكلمات وحاول أن تضبط عدد الكلمات التى تخص القضية لتكتشف الحقيقة المذهلة، أنه إما أن النيابة لم تقم بعملها، أو لا توجد قضية من الأساس.
عندما تغيب الكفاءة يغيب العدل أيضا لو تعلمون.