مؤتمر جروزنى.. كيف سترد الرياض؟‎ - نادر بكار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مؤتمر جروزنى.. كيف سترد الرياض؟‎

نشر فى : الإثنين 5 سبتمبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الإثنين 5 سبتمبر 2016 - 9:25 م

(١)

خطأ كبير أن يُنظر إلى (مؤتمر جروزنى) بمعزل عن أخبار التقدم النوعى الذى تحرزه الثورة السورية فى معارك فك الحصار عن حلب وفى غيرها....وصعب أيضا أن نغفل التقارب (التركى ــ الروسى) الأخير ومن ثم (التركى ــ الإيرانى) إذا أردنا أن نفهم مغزى عقد مؤتمر جروزنى فى هذا التوقيت تحديدا...المؤتمر كان سياسيا بامتياز، أما مسألة تحديد أهل السنة من أهل البدع والضلالات فشىء يدعو إلى السخرية بأكثر مما يفتح الباب أمام نقاش علمى يجمع الأمة ولا يفرقها.
روسيا التى بدأت حربها الخاصة قبل نحو عام من الآن فى عمق الأرض العربية بمباركة علنية من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وصفت فيها احتلال سوريا بالحرب المقدسة، ليست اليوم فى حاجة إلى غطاء دينى (إسلامى) كما علق بعض المحللين يدعوها لعقد مؤتمر كهذا...لأن صناع القرار فى موسكو يعلمون جيدا أن شرعية دينية كهذه صعب اكتسابها بمجرد مشاركة بضع عشرات من مشايخ رسميين هم على أقصى تقدير يمثلون أنظمة حكم بلادهم...كان المراد تضييقا للخناق على المملكة العربية السعودية تحديدا بوصفها الحالى كقائد للمحور السنى المناوئ لمحور (موسكو ــ طهران)...تضييق من نوع جديد يأمل من ورائه الروس إجبار الرياض على التقهقر مجددا إلى مربع (رد الفعل).

•••

(٢)
برأيى أن بعض الدعاة والعلماء ممن حضروا المؤتمر الروسى لم يتفطنوا إلى الغرض السياسى الاستراتيجى الذى أراده منظمو المؤتمر...وهذا ما يؤيده بيان الأزهر التوضيحى مثلا عقب عودة وفده رفيع المستوى من هناك...البيان تحدث عن (تحريف) أو دعنى أقل ( تطويع) لخطاب فضيلة شيخ الأزهر على غير ما أراده هو وعلى نحو يخدم الغرض الرئيسى للمؤتمر من إقصاء السلفيين من مسمى (أهل السنة والجماعة)...والحق أنى قد سمعت قبل ذلك شيخ الأزهر فى أكثر من مناسبة يذيل عبارات علمية عقدية بقوله عن أهل السنة: (هم الأشاعرة والماتيريدية وأهل الحديث) وهو نفس ما استدركه بيان الأزهر عقب عاصفة هجوم جماهير أهل السنة على مواقع التواصل الاجتماعى وعبر عشرات المقالات الصحفية.
(الأزهر) كبير جدا...وشيخه فى هذا التوقيت الحرج من تاريخ الأمة رجل عاقل جدا...متزن إلى أقصى حد...يحسن قراءة مآلات الأمور ويحسب قراراته بدقة...ويسعى بحسب طاقته إلى قيادة السفينة عبر أمواج متلاطمة من سفاهة وتطاول (الإعلام) تارة ومن معاكسة السلطة تارة ومن ضغط خارجى تارة أخرى...وهذا ما يدركه من أشرف على هذا المؤتمر فكرة وإعدادا وتمويلا واحتضانا... فلتكن (الرياض) إذن أصبر من هؤلاء كلهم وأبعد نظرا ولتبرهن بالرد العملى على أن (الأزهر) ما كان أبدا ولن يكون رأس حربة بل ولا حتى طرفا فى أى عمل يستهدف العدوان لا على المملكة السعودية ولا على أهل السنة على اختلاف مشاربهم وتعدد أطيافهم...نعم العبارة صحيحة، (الرياض) هى من ستبرهن بالرد العملى وليس ( الأزهر).

•••

 

(٣)

المسألة بالنسبة للرياض تتجاوز بكثير الانتصار العلمى لمدرسة فقهية أو حتى عقدية ينتسب إليها أغلب المواطنين السعوديين فضلا عن عموم المسلمين فى المشرق والمغرب...تتجاوز ذلك لتصنف ضمن مسائل (الوجود) نفسه وهو ما لن يختلف عليه اثنان فى المعسكر السعودى الكبير السلفى منهم والليبرالى.
وهذا تحديدا ما لم يفهمه حتى الآن من تصور أنه قادر على (تخليق) مشروع جديد تتوافر له البنية الثقافية والاقتصادية والعسكرية...الرهان على مشروع كهذا خطير جدا لا مجال للتجربة فيه أو المزاح أو حتى جس النبض...لا مجال فيه لمن لا يستطيع مواجهة أزماته الداخلية فضلا عن قيادة أو حتى المشاركة فى تحول ٍإقليمى ودولى كبير ضد (الرياض).
السؤال الآن ليس عن رد (الرياض) وإنما عن كيفيته وتوقيته...الرد من جنس الفعل نفسه قد يكون بعقد مؤتمر مشابه أو سلسلة مؤتمرات سيكون فرصة مواتية لاستعراض عضلات القيادة الفكرية السعودية بجذب علماء أهل السنة من شتى بقاع الأرض عربا وعجما سلفيين وغير سلفيين بل وقد يضم من المراقبين من لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ليحمل الحدث طابع العالمية الحقيقية.
ولو كنت ناصحا لصانع القرار لاقترحت عليه مؤتمرا ثانيا يستضيف علماء المذهب الزيدى والمعتدلين من حملة المذهب الجعفرى الاثنا عشرى ليكشف للأمة حقيقة الأطماع الفارسية التى لا يمثل التشيع لها إلا ستارا.
ومؤتمرا ثالثا يستضيف أهل السنة وغيرهم من مسلمى القوقاز وروسيا ودول أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى يعرف بالمعاناة التى لاقاها المسلمون على أيدى الروس قديما وحديثا.


•••

 

(٤)
روسيا تعلم أنها أقدمت على خطوة استراتيجية ضخمة ونقلت الصراع برمته إلى درجة أرفع من مجرد كونه صراعا عسكريا حول تقاسم مناطق النفوذ فى الشرق الأوسط...(مؤتمر جروزنى) كان تدشينا روسيا رسميا لصراع حضارى لن ينحسم أبدا بالوصول إلى تسويات سياسية فى سوريا أو فى غيرها...صراع حضارى ستحرك فيه كل الأطراف أدواتها وستشهر خلاله كل أسلحتها بلا هوادة.