نصر أكتوبر.. هل تبقى ما نحكيه لأبنائنا؟ - نادر بكار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:15 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نصر أكتوبر.. هل تبقى ما نحكيه لأبنائنا؟

نشر فى : الخميس 6 أكتوبر 2016 - 9:25 م | آخر تحديث : الخميس 6 أكتوبر 2016 - 9:25 م
ثلاثةٌ وأربعون عاما ًبالتمام والكمال مرت على أعظم انجازاتنا فى العصر الحديث ؛ وبدلا من أن يتحول الإنجاز إلى ( بصمة وراثية) تنتقل فى أجيال المصريين بتلقائية؛ يحدث العكس تماما فيتناقص شعورنا بالنصر ويختزل إنجازنا الضخم فى صورة احتفالية لن تلبث بدورها أن تخفت بمرور الأيام؛ لنفاجأ بعد برهة من الزمن أن ما كنا نتندر به من صفاقة الإسرائيلين فى تزييف هُوية المنتصر صار هو المعتمد ليس فقط عالميا؛ بل ومحليا ًأيضا!

قبل ثلاثة وأربعين عاما من الآن لم يكن أوسع الناس خيالا فى مشرق أو مغرب؛ عدوا كان أم صديقا، ليصدق ولو للحظة أننا قادرون بمفردنا على إعادة ترتيب صفوفنا وانتشال جنودنا من أوحال هزيمة نفسية موجعة قبل أن تكون حسية مفجعة؛ لنتمكن من تخطى أصعب الموانع العسكرية فى التاريخ متجاوزين كل فوارق تقدم العدو التقنى والمادى علينا؛ ومتغلبين على كل حلفائه من الدول الكبرى.. كل هذا باقتصاد على شفا الانهيار؛ وجبهة داخلية غير مستقرة بل تموج بمشاعر الغضب من قيادتها تارة والإحباط واليأس تارة أخرى.

******************

(٢)

بضعة أفلام لا تتجاوز أصابع اليدين تناولت الحرب إما بسطحية لا تناسب جلالة الحدث أو من منظور اجتماعى أو عاطفى لا يبرز حجم العبقرية التى تجسدت فى التخطيط والتحضير والتنفيذ؛ وليس من بينها عمل واحد يصلح أن يقدم للعالم من حولنا صورة ولو مختصرة عن أعظم ما أنجزه المصريون فى تاريخهم الحديث.

ثم دوامة لا نهاية لها من الأخذ والرد بين كل أطراف الصنعة الفنية نعيشها سنويا كلما تحسر أحدهم على مشروع انتاج ضخم لفيلم عالمى يؤرخ لحظات إعداد وتنفيذ الملحمة.. والأدهى أن من العالمين ببواطن الأمور من يحدثك أن وراء الأكمة ما وراءها فيما يتعلق بصراع خفى بين أهل الصناعة من «الناصريين» ممن لا يحب لعمل كهذا أن يرى النور بما يستلزمه حتميا من إبراز لدور السادات؛ وفى مقابلهم من لا يرى هذه الرؤية بالطبع!

قارن ذلك بركام هائل من أجود أعمال (هوليوود) وأشدها إتقانا كيف جسدت بطولات (مُدعاة) للحلفاء فى الحرب العالمية الثانية؛ فلم تبلغ حد التأريخ للانتصار الساحق وحسب وإنما استطاعت التغطية على جرائم حرب ارتكبتها الولايات المتحدة وحلفاؤها وعلى رأسها استخدام أسلحة دمار شامل ضد المدنيين فى هيروشيما ونجازاكى.. وقل نفس الشىء على (فيتنام) ثم الصومال وأخيرا (أفغانستان) و(العراق).

******************

(٣)

وأجيال كاملة بالكاد تعرف أن مناسبة (ما) يرتبط ذكراها بالسادس من أكتوبر سنويا؛ ولو أجرينا استطلاع رأى بسيطا على عينة عشوائية من شباب المدارس والجامعات نسألهم عن طبيعة انتصار أكتوبر لهالتنا نتائج تفضح السطحية وضحالة المعلومات فضلاعن اللامبالاة وضعف الانتماء.

لا يتخيل طلبة هذه الأجيال من المبهورين بأساطير (بات مان) وبطولات (سبايدر مان)؛ أن القاهرة تحدت يوما من الأيام العالم بأسره حقيقة لا مجازا واستطاعت كسر الحالة المفروضة عليها بدون مساعدة تذُكر من شرق أو غرب.. وهم معذرون فى ذلك فإن بضعة أسطر فى مناهج التاريخ المقررة على مجموع السنوات الدراسية الأساسية لا تصلح بأى حال من الأحوال لجذب انتباه أجيال مواقع التواصل الاجتماعى والحاسبات الكفّية (التابلت).

ورغم أنه لا ينقصنا عشرات الكتاب والمفكرين والأدباء لكنك لا تكاد تجد عملا أدبيا تأريخيا واحدا يصلح أن يدرسه طلبة المرحلة الإعدادية أو الثانوية عن تفاصيل الإنجاز العبقرى؛ فماالذى تدرسه الدولة لأبنائها عن حرب أكتوبر إلا تفاصيل سطحية تترك عظمة الحدث نفسه لتذهب إلى قشور لن تضمن أبدا تشبع النفوس الغضة الطرية بروح الإنجاز وثقافة الانتصار والتصميم على تحدى الظروف الصعبة وقهرها.

متى يُدرس ثبات الأعصاب عند اتخاذ أخطر القرارات وأصعبها؛ متى يُدرس الاعتماد على أضعف الإمكانيات وأقلها؛ بل متى تُدرس تفاصيل (إدارة الأزمة) فيما بعد هزيمة ١٩٦٧؟

******************

(٤)

لماذا لم نفكر حتى الآن فى تدريس حرب أكتوبر على صورة كتيب صغير منفصل يحوى أسماء الأبطال كل الأبطال وتفاصيل بطولاتهم وما سبق الحرب من تدريب شاق متواصل متوازيا مع الإصرار على استنزاف قدرات العدو طيلة ست سنوات كاملة مرورا بإدارة الخداع والتمويه وانتهاء بالتنفيذ الدقيق الذى فاق التخطيط براعة واتقانا.

متى يتحول نصر أكتوبر إلى ثقافة شائعة بين المصريين تحويها مناهجهم التعليمية ويلقنها أبناؤهم منذ نعومة الأظافر؟

******************

(٥)

(ثقافة انتصارنا) فى أكتوبر تحتاج أن يسلط عليها الضوء بالدراسة أكثر من اهتمامنا بتمجيد الصنيع نفسه فعجلة الدنيا وحركة التاريخ من حولنا تهدر إلى الأمام بغير توقف؛ وما أشبه واقعنا الليلة فى التعقيد والتأزم بالبارحة.. فلا يمكن تصور حدوث طفرات فى التاريخ وتطور أمم وانتقالها إلى مصاف القوى الكبرى بالهوى المجرد عن العمل الدئوب الشاق والتخطيط المحكم والصبر على الثمرة.