قضية عشوائيات العمران - سامح عبدالله العلايلى - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 7:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قضية عشوائيات العمران

نشر فى : الأحد 7 يناير 2018 - 10:50 م | آخر تحديث : الأحد 7 يناير 2018 - 10:50 م
هذه القضية الكبرى مازال تناولها الرسمى للأسف حتى اليوم متوقفا عند حد المشكلة العارضة الموجودة هنا أو هناك، وأن علاجها الوحيد هو العمل على تطوير العَرض وليس علاج المرض، شعار التطوير الذى يتبناه المسئولون مؤداه عمل بعض الإصلاحات الثانوية فى المنشآت أو توفير قدر من المرافق والخدمات العامة، خلافا لمشروعات إسكان جديدة لعدد محدود من سكان المناطق العشوائية، لقد تم على مدى سنوات الترويج لفكرة تطوير العشوائيات على أنها الحل المثالى للقضاء عليها.. وأُنشئ لهذا الغرض صندوق خاص لتطوير العشوائيات للصرف على مشروعات التطوير المشار إليها.

إلا أن هذا التناول لا يخرج عن كونه مُسكنا لمرض عضال لا يصلح لعلاجه إلا نوعيات العلاج المتناسبة مع حجمه ومدى انتشاره وخطورته باتباع سياسات طويلة المدى تهدف إلى استئصال مُسببات المرض العميقة التى أثرت إلى ظهوره بهذا الشكل المخيف.

إن عشوائيات العمران مرض سرطانى تفشى بوحشية فى غفلة من الجميع، بسبب غياب العدالة فى توزيع استحقاقات التنمية بشمولها للغالبية العظمى من سكان البلاد على مدى عقود، مما أدى إلى تدفق سيول الهجرة الجماعية العشوائية لعشرات الملايين من الجماهير الغفيرة، من مواطن الحياة الذليلة والإهمال، إلى حيث ربما تتوافر فرص أفضل للحياة فى أحواز الحضر والريف وعلى رأسها قاهرة المعز وإسكندرية المقدونى.. واحتلت هذه الجماهير آلاف المواقع فى جميع أنحاء البلاد حيث استوطن بها عشرات الملايين من البشر الذين لا يعرف عددهم بدقة، من بينها على سبيل المثال أكثر من ثمانين موقعا رئيسيا بالقاهرة خلاف عدد كبير من الجيوب العشوائية الصغيرة، من بين المواقع الرئيسية بالقاهرة هناك ثلاثة مواقع يقترب عدد سكانها من المليون نسمة وهى مناطق عزبة الهجانة وعزبة خير الله ومنشية ناصر، ما أدى ذلك فى النهاية إلى حدوث خلل هائل فى التوزيع الجغرافى للسكان فى عموم البلاد وفى التوازن البيئى 
والاجتماعى والثقافى للمجتمع بأسره..

لقد تفاقم الأمر فى الحقبة الأخيرة بدرجة تفوق قدرات أُولى الأمر لهول حجم المشكلة. ولافتقارهم إلى رؤية بعيدة المدى تعالج القضية فى عمقها، عوضا عن اللجوء إلى المسكنات المؤقتة لبعض مظاهر العَرض هنا أو هناك تتناول الشكل دون المضمون، وهو أمر يؤدى إلى تجذر المرض، هذه المسكنات لا تخرج عن كونها كالحرث فى المياه لا تجُدى ولا تنفع.

***

إن استمرار التناول الرسمى للقضية على نفس النهج تحت شعار التطوير.. ( هل يجوز تطوير المرض؟..) فإننا لن نجنى سوى مزيد من العشوائية ومزيد من تدهور مستوى الحياة للجميع، وإذا لم نتطرق إلى مسببات المرض لمعالجته فى العمق، فإنه لا أمل فى أن نضمن للمجتمع المصرى استقرارا مزدهرا وحياة آمنة. إن الخطيئة الكبرى هنا هى فى إهدار الجهد والمال دون طائل ملموس أو جدوى حقيقية إضافة إلى العبث بأحلام البسطاء. وحتى تتحول الخطيئة إلى فضيلة فإنه لا مفر من العمل على التوجيه التدريجى للطاقة البشرية الهائلة من سكان العشوائيات إلى مستقرات جديدة فى الفضاء المصرى الفسيح خارج الوادى والدلتا، ذلك بالتفريغ الطوعى للعشوائيات من بواطنها الشابة.. من خلال سياسات ومخططات تنموية أفقية تعمل على أساس ابتكار محفزات هجرة عكسية جاذبة لهذه الثروة البشرية التى تطمح فى تحسين مستوى حياتها والتى يتحتم إعادة تأهيلها أدبيا ومهنيا قبل انتقالهم إلى عالم جديد قوامه أنوية عمرانية إنتاجية، تقام وتنمو عنقوديا بمرور الزمن من خلال منظومة متوازنة للحياة.. وبقدر ما سنبذله فى هذا الشأن من فكر وجهد، بقدر ما سيتحقق حلم اختفاء العشوائيات التدريجى من حياتنا على مدى زمنى ليس ببعيد.
لكل ذلك فإن المطلوب الآن هو إعادة النظر فى الأسلوب الرسمى المتبع لمواجهة هذه القضية شديدة الخطورة على المجتمع المصرى بأثره، والتوجه نحو معالجات حقيقية فى العمق لهذه القضية، ولا مفر من تناول الموضوع على مستويين: الأول استراتيجى بعيد المدى مُحِدد للسياسات والإجراءات الواجب اتباعها، أما المستوى الثانى فهو بمثابة إنعاش مؤقت قصير المدى لحالات تدهور شديد فى نوعية حياة بعض حالات المناطق العشوائية.

المستوى الأول: الاستراتيجى

السياسات والبرامج الواجب اتباعها لمواجهة قضية عشوائيات العمران 
إن الهدف الاستراتيجى بعيد المدى لمواجهة قضية عشوائيات العمران هو إيجاد الوسائل التى يمكن من خلالها فى مرحلة أولى التحكم فى تضخم هذه المناطق مع توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة الإنسانية لقاطنيها دون تبذير أو تقتير، بالإضافة إلى العمل على تجفيف منابع تضخمها، وفى مراحل موازية يتم تنفيذ ثلاثة برامج عمل رئيسية تدعمها السلطة المسئولة على نطاق جغرافى يتعدى حدود التقسيمات المحلية الإدارية إلى نطاق أكثر شمولا يضم عموم الأراضى المصرية، تهدف هذه البرامج إلى إحداث نقله نوعية فى حياة الطبقات المحرومة من المجتمع المصرى، وبعث الأمل فى نفوس الأجيال الجديدة من شباب العشوائيات وغيرهم ومنحهم فرصا بديلة واعدة للاستقرار والنمو الازدهار.

البرامج المطلوب تنفيذها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية

البرنامج الأول:
تأهيل وتدريب قاعدة العمل البشرية الكامنة والمعطلة فى هذه المناطق، تمهيدا لاندماجها واستقرارها الطوعى والتدريجى فى مواقع جديدة منتقاة، تُشكل أنوية عمرانية إنتاجية قابلة للنمو بمرور الوقت، وتنتشر تدريجيا خارج الوادى والدلتا.

البرنامج الثانى:
ترويج للهجرة العكسية الطوعية للأجيال الجديدة السابق تأهيلهم، من مواقع العشوائية والتكدس والبطالة، فى اتجاه الأنوية العمرانية الإنتاجية الجديدة، تحت شعار المشاركة فى التنمية وأن مباشرة العمل سابقة للاستقرار والسكن.

البرنامج الثالث:
دعم إقامة أنشطة إنتاجية حرفية ومتناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة فى مجالات تحتاجها الأسواق المحلية والخارجية فى الحاضر والمستقبل، يتولى إقامتها مجموعات من رواد الأجيال الشابة فى مواقع الأنوية العمرانية الجديدة، كل ذلك تحت إشراف خبرات متخصصة فى تحسين جودة المنتج.

تأكيدا لما تقدم، ما صرح به رئيس مجلس الوزراء د. كمال الجنزورى فى بيان الحكومة أمام مجلس الشعب يوم الأحد الموافق 26/2/2012 حيث أفاد سيادته بأنه.. «لا مخرج لمصر إلا بالخروج من الوادى الضيق أو الخروج من الضيق إلى السعة... لقد كان نصيب الفرد فى مصر فى عهد محمد على 3 فدادين واليوم نصيب الفرد هو قيراط ونصف القيراط أى نحو 250 مترا، فهل هذا يليق بدولة مساحتها نحو مليون كيلو متر مربع، فالصعيد يعيش فيه 20 مليون مواطن والدلتا فيها 25 مليون مواطن فهل هذا معقول؟

كما أفاد بأن قضية العشوائيات العامل الأساسى فيها هو «الضيق» الذى نعيش فيه من بين مساحة مصر ولا مخرج لمصر إلا بالخروج من الوادى القديم.. وأضاف بأن أزمة المرور سببها التكدس الكبير على المحاور ذاتها بسبب انحصارنا فى الوادى الضيق.. أطالب الشباب والشيوخ بأن نسعى جميعا للخروج من الوادى القديم».
إن البرامج السابق الإشارة إليها تحتاج إلى تمعن تفصيلى تتولاه خبرات متخصصة، حتى يمكن تحويلها إلى برامج تنفيذية تضم أهدافا واضحة وإجراءات مطلوبة لتحقيق الأهداف وتحديد للأطراف المشاركة ومسئولياتها وتوقيتات زمنية للتنفيذ وتقديرات التكلفة والعوائد المتوقعة.

***

معايير التدخل قصيرة المدى لمعالجة حالات تدهور شديد فى نوعية حياة بعض حالات المناطق العشوائية
حالات إزالة المبانى ونقل السكان إلى مناطق أخرى مؤقتة للإقامة فى منشآت خفيفة سابقة التجهيز أو مخيمات 
نموذجية بسبب ما يلى:

انعدام معايير السلامة فى المبانى والمنشآت.
حالات المخالفات الصارخة المعادية للمجتمع المحلى.
زيادة عدد الأفراد القاطنين عن 4 أفراد فى الغرفة الواحدة مساحتها حوالى 10م2.
زيادة الكثافة السكانية عن 400 فرد فى الفدان.
زيادة مساحة البناء على الأرض بما لا يترك حدا أدنى من الفراغات للحياة والحركة والطوارئ، مع ملاحظة ما يلى:
فى المناطق المخططة تحتل شرايين الحركة نسبة من مساحة الأراضى فى حدود 20% من الإجمالى، ويتم البناء على حوالى 60% من الـ 80% المتبقية من المساحة، ما يعنى أن اجمالى مساحة البناء على الأرض = حوالى 48%، ومساحة الفراغات = حوالى 52%.
لذلك فإن المطلوب ألا تقل مساحة الفراغات فى المناطق العشوائية عن حوالى 20% من اجمالى مساحة المنطقة الواحدة، وأن تتوافر شرايين حركة رئيسية بها لا يقل عرضها عن 8م لاستخدام الطوارئ وتيسير الحركة، مع منع إعاقة الحركة فى هذه الشرايين نهائيا بأى شكل من الأشكال.
حالات الإمداد الأدنى بالمرافق العامة والخدمات استرشادا بدليل معدلات المعايير التخطيطية للخدمات الذى أعدته الهيئة العامة للتخطيط العمرانى:
فى حالة عدم وجود شبكات لمياه الشرب تقام حنفيات مياه عمومية لكل 1000م2 من الأرض.
فى حالة عدم وجود شبكات صرف صحى تقام خزانات تحليل مجمعة لكل 1000م2 من الأراضى.
فى حالة عدم وجود توصيلات كهربائية تقام شبكة لتزويد الوحدات السكنية بعدادات كهرباء 3 أمبير لكل واحدة.
مدارس تعليم أساسى ومحو أمية لكل 5000 نسمة.
مراكز صحة الأسرة وإسعاف لكل 5000 نسمة.
مركز شرطة لكل 10000 نسمة.
مركز شباب لكل 20000 نسمة.

 

سامح عبدالله العلايلى عميد سابق وأستاذ بكلية التخطيط العمرانى جامعة القاهرة
التعليقات