إنجاز - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إنجاز

نشر فى : الخميس 7 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 7 مارس 2013 - 8:00 ص

ما إن نطقت الأفلام المصرية حتى غنت، ومنذ ذلك الحين، فى العام 1933، لم يتوقف الغناء، تهادى بأصوات مطربينا، جيلا بعد جيل، ولأن جمهور السينما، أصلا، من السميعة، جاءت الأغنيات كجزء ضرورى من بنية الأفلام. صحيح، لم يكترث مخرجونا بتقديم الأغنيات على نحو سينمائى، يراعى الصورة البصرية، ولكن، فيما يبدو أن الجمهور المتسامح، تنازل عن الصور فى مقابل الأصوات، فها هو محمد عبدالوهاب، فى «الوردة البيضاء» لمحمد كريم 1933، يؤدى «النيل نجاشى»، داخل حجرة مغلقة، بمصاحبة ستة عازفين، يجلسون حول منضدة، يضعون الطرابيش فوق رءوسهم، بينما يقف الموسيقار ممسكا بالعود، واضعا قدمه على كرسى، صادحا بوصف صور بالغة الجمال والحيوية، يسردها عبدالوهاب بألحان تشبه مياه النهر المنسابة بنعومة، ولم يفكر محمد كريم أن ينتقل إلى النيل ليعزز المسامع بالصور.. استمر هذا الأسلوب السمعى، فى مئات الأفلام التالية، مما دفع أكثر من ناقد أجنبى إلى القول «المصريون، والعرب عموما، يشاهدون الأفلام بآذانهم».

 

«النيل نجاشى»، شأن الكثير من الأغنيات، تحررت من الفيلم لتكتسب حضورا مستقلا، فالناس ترددها من دون ذكر «الوردة البيضاء».. وربما لا تلتفت لاسم كاتبها، أمير الشعراء، أحمد شوقى، الذى لم يثبتها فى معظم أعماله الكاملة، التى صدرت فى عدة طبعات، ففيما يبدو أنه تحرج من لغتها العامية، وهو أحد ملوك الفصحى.. النص الكامل، أورده الباحث، الناقد، محمود قاسم، الذى فاجأنا مفاجأة سارة، على عدة مستويات، بأحدث إنتاجاته: موسوعة الأغنيات فى السينما المصرية.

 

محمود قاسم، المتبتل فى عالم السينما المصرية، الخبير بمناجمها، الذى يقضى حياته متعقبا عروق الذهب بداخلها، من نجوم ومخرجين وأفلام، ليقدم خارطة لها، يستكملها المرة تلو المرة، بدأب وجلد، من الإنصاف الإشادة بها، أيا كانت النواقص هنا وهناك. ولعل أحدث إنجازه ــ هذه الموسوعة ــ تؤكد ذلك الجهد الهائل الذى بذله فيها، حيث يقع جزءها الأول فى «870» صفحة، ترصد أغنيات أفلامنا من العام 1933 حتى العام 1945.. بينما يستغرق الجزء الثانى «908» صفحات، يتابع فيها الأغنيات من 1946 حتى 1949، مما يعنى أن ثمة أجزاء أخرى ستتوالى، وأحسب أن «الهيئة العامة لقصور الثقافة»، التى أصدرت المجلدين، تستحق تحية حارة، وتثبت أن فى مصر، برغم انتشار خفافيش العتمة، ثمة من يضىء المصابيح.

 

فى بعد من أبعادها، تؤرخ الموسوعة لتطور الوجدان المصرى، عاطفيا ووطنيا، وتنقذ العشرات من أسماء كتاب الأغانى، من دوائر النسيان، وتذكرنا بكبار الشعراء الذين ترددت قصائدهم فى أفلامنا، مثل الرومانسى الرقيق، على محمود طه، الذى غنت له النجمة السورية الأصل، نادرة «يا حبيبى أقبل الليل» فى «بنت ذوات» ليوسف وهبى 1942.. وشاعر المهجر، إيليا أبوماضى، الذى غنى له محمد عبدالوهاب، قصيدته الشهيرة «الطلاسم» فى «رصاصة فى القلب» لمحمد كريم 1944.. وبشارة الخورى، أو الأخطل الصغير، الأوفر حظا على شاشة السينما المصرية، حيث غنى له محمد عبدالوهاب «جفنه علم الغزل» فى «الوردة البيضاء»، و«الصبا والجمال» و«يا ورد مين يشتريك» فى «يوم سعيد» لمحمد كريم 1940.

 

فى موسوعة ضخمة من هذا النوع، احتمالات نقص المعلومات أو الخطأ واردة، منها، على سبيل المثال، يبدأ محمود قاسم موسوعته بفيلم «الوردة البيضاء» بينما «أنشودة الفؤاد» لماريو مولبى، يسبقه بعدة شهور، وهو، من تمثيل جورج أبيض ونادرة وعبدالرحمن رشدى وزكريا أحمد، وتغنى فيه البطلة أغنيتين من تأليف شاعر القطرين، خليل مطران.. المفارقة هنا أن هذه المعلومات متوافرة فى «موسوعة الأفلام العربية» التى وضعها قاسم نفسه. ومع هذا لم يرد أى ذكر للفيلم الغنائى الرائد «أنشودة الفؤاد».. كذلك لا تشير الموسوعة إلى «السوق السوداء» لكامل التلمسانى 1945، علما أن ثمة معلومات مهمة، تتوافر فى «موسوعة الأفلام العربية»، تقول إن أغانى الفيلم من أتليف بيرم التونسى.

 

هذه الملاحظات، وغيرها، لا تقلل من الإنجاز الكبير الذى حققه محمود قاسم، بهذه الموسوعة التى تفتح آفاق البحث والدراسة أمام الجادين من عشاق السينما المصرية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات