قانون الجمعيات الأخير وإجهاض الحق فى التنظيم - طارق عبد العال - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:23 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قانون الجمعيات الأخير وإجهاض الحق فى التنظيم

نشر فى : الأربعاء 7 يونيو 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 7 يونيو 2017 - 8:45 م

على حسب تعبير موقع جريدة الوطن الإلكترونى فقد قال المفوض السامى لحقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة عن قانون الجمعيات المصرى رقم 70 لسنة 2017 إن هذا القانون الجديد ينتهك التزامات مصر فى مجال حقوق الإنسان، بما فى ذلك العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وسبق والتزمت حكومة مصر بعدد من التوصيات فى إطار الاستعراض الدورى الشامل الثانى الذى أجرته أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة فى مايو 2015 لتعزيز وحماية الحق فى التعبير وفى حرية تكوين الجمعيات ومنها اعتماد قانون للمنظمات غير الحكومية امتثالا للقانون الإنسانى الدولى.

 

وينص هذا القانون على عقوبات تصل إلى الحبس 5 سنوات وغرامات قد تصل إلى مليون جنيه مصرى (59 ألف يورو) لكل من يخالفه، كما أنه يحظر على أى جمعية أو مؤسسة إجراء أى دراسة أو استطلاع من دون تصريح من الدولة، ولا يمكن نشر نتائج هذه الدراسات والاستطلاعات إلا بإذن من الدولة كذلك، وبموجب القانون، يتعين على المنظمات غير الحكومية الأجنبية الراغبة بالعمل فى مصر أن تدفع رسوما قدرها 300 ألف جنيه. كما يقضى القانون بإنشاء «هيئة وطنية» تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية والجيش وجهات حكومية أخرى تتولى بحث طلبات الحصول على تمويل أجنبى ومنح موافقتها عليه مسبقا.
من الناحية النظرية فقد بدأت مناقشات هذا القانون داخل مجلس النواب المصرى فى شهر نوفمبر من العام الماضى، وقد مر بمراحله الدستورية المختلفة منذ بداية العرض والنقاش والإحالة إلى مجلس الدولة، ثم إقراره بشكل نهائى، وتم إرساله إلى رئيس الدولة لممارسة صلاحياته الدستورية بالإصدار أو الاعتراض وذلك وفقا لنص المادة 123 من الدستور بقولها «لرئيس الجمهورية حق إصدار القوانين أو الاعتراض عليها» وقد حددت هذه المادة مدة ثلاثين يوما لرئيس الجمهورية للاعتراض على القوانين وردها إلى
مجلس النواب، ولكن هذا لم يحدث بشأن قانون الجمعيات الأخير، فلماذا إذن تأخر إصدار هذا القانون لمدة قاربت الستة أشهر؟ ولماذا لم يباشر مجلس النواب صلاحياته الدستورية بعد مرور مدة الثلاثين يوما المخولة لرئيس الدولة، وقام بإصدار هذا القانون؟
وما العمل إذن مع ما جاء فى نص المادة 225 من الدستور المصرى والتى قالت بأن «تنشر القوانين فى الجريدة الرسمية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إصدارها، ويعمل بها بعد ثلاثين يوما من اليوم التالى لتاريخ نشرها، إلا إذا حددت لذلك ميعادا آخر». فهل لهذا النص قيمة مع تأخر نشر قانون الجمعيات لمدة ستة أشهر. وبمعنى آخر أكثر وضوحا فإن هذا القانون قد ولد مشوها من الناحية الشكلية لتأخر إصداره كل هذه المدة، وهو فى مجمله يشكل مخالفة صريحة لنص المادتين سالفتى الذكر، واللتان قد عنيتا بكيفية إصدار القوانين أو الاعتراض عليها ونشرها، وهى من الشروط الواجبة الاحترام.

•••

من الزاوية الموضوعية تمثل حرية التجمع والحق فى تكوين الجمعيات ركنا مهما لإنشاء مجتمعات تعددية ومتسامحة، لأنها تؤدى غرض السماح بالتعبير عن الآراء والمعتقدات والممارسات السياسية الثقافية والدينية، بما فى ذلك الدور المهم المتمثل فى التعبير عن آراء الأقليات أو وجهات النظر المختلفة. ولما كانت الجمعية ما هى إلا تجمع طوعى لمجموعة من الأفراد من أجل متابعة أهداف أو مصالح مشتركة أغلبها طويلة الأمد، فمن ثم يعتبر حق تأسيس الجمعيات من صميم حق التجمع، أو الحق فى التنظيم والذى يمكن تفسيره على أساس أنه: ــ حق الفرد فى تكوين، والانضمام مع غيره من الأفراد إلى كيان ما يجمعهم، للتعبير والدفاع عن مصالح وأفكار مشتركة. وهو حق فردى وجماعى فى نفس الوقت. أى حق الفرد فى الانضمام والعمل فى إطار كيان ما للتعبير عن مصالحه، وحق الكيان نفسه فى الوجود وممارسة أنشطته. وتلتزم الدولة بحماية هذا الحق؛ حيث إنه مرتبط ارتباطا وثيقا بالحق فى حرية الفكر والوجدان والعقيدة، كما يساهم الحق فى التنظيم فى خلق البيئة المواتية للأفراد للتعبير عن الآراء السياسية، والمشاركة فى المساعى الأدبية والفنية والثقافية والاقتصادية، والأنشطة الاجتماعية، والاحتفالات الدينية أو العقائدية الأخرى، والانضمام إلى المنظمات ونقابات العمال والتعاونيات، وانتخاب القادة لتمثيل مصالحهم ومحاسبتهم. هذا الترابط والتشابك مع الحقوق الأخرى، جعل حماية الحق فى التنظيم مؤشرا مهما لحماية الدولة لحقوق الإنسان الأخرى.

•••

أفردت الاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان العديد من النصوص المرتبطة بكفالة وضمان الحق فى التنظيم وحرية تكوين الجمعيات، واعتبرتها من الحقوق والحريات التى لا يجوز مصادرتها أو التضييق عليها، ومعظم هذه الاتفاقيات قد انضمت إليها مصر، ولكن جاء قانون الجمعيات الأخير مخيبا لآمال جميع القطاعات العاملة فى المجال العام، ومضيقا لأفق الحقوق والحريات، وقد كان المعظم يراهن على أن رئيس الدولة لن يصدر هذا القانون، وستتم مراجعته من جديد فى مجلس النواب المصرى، ولكنه باغت الجميع وأصدره بعد مرور ستة أشهر على مناقشته وإقراره من قبل مجلس النواب.

وبشكل عام ومجمل أو بنظرة كلية على البنية القانونية المصرية فيما يتعلق بالحقوق والحريات فإنها قد خطت خطوات كبيرة فى مسيرة التضييق الذى ربما يصل إلى مستوى الإغلاق والمصادرة الكلية، فالمتابع لما صدر من قوانين على مدى السنوات الخمس الأخيرة يعلم جيدا أن هناك مسيرة نحو تضييق المجال العام فى مصر، وأن ما يصدر من قوانين فى أغلبها لا يتوافق مع نصوص الدستور المصرى ذاته، وخصوصا ما جاء فى الباب الثالث المعنون «الحقوق والحريات والواجبات العامة»، ويكفى أن نشير لما جاء بنص المادة 75 المتعلقة بحق تكوين الجمعيات بقولها «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار»، كما أضافت بعدم جواز تدخل الجهة الإدارية فى شئونها.
وأخيرا لابد من لفت الانتباه إلى أن أهمية المجتمع المدنى تعود إلى قدرته على إحداث آثار ملموسة فى تقدم المجتمع، نظرا لتخصصه فى مجالات معينة، سواء كانت تنموية، أو خيرية، أو توعوية، مما يجعل لمنظمات المجتمع المدنى الأفضلية، حيث إنها الأكثر ديناميكية فى الدفاع عن القضايا التى تمس المواطنين، كما أنها الأكثر تركيزا، نظرا للتخصص، والأكثر فاعلية فى تنظيم الحملات وهو ما يؤكد على قدرة المجتمع المدنى على تحويل المواطن إلى فاعل، وليس فقط مفعولا به، هى شرط أساسى من شروط التنمية.

طارق عبد العال باحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية
التعليقات