فى ذكرى عبدالناصر: تحولات الأيديولوجية والتنظيم السياسى - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 8:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فى ذكرى عبدالناصر: تحولات الأيديولوجية والتنظيم السياسى

نشر فى : الجمعة 7 أكتوبر 2022 - 8:30 م | آخر تحديث : الجمعة 7 أكتوبر 2022 - 8:30 م
فى 28 سبتمبر من كل عام، تمر ذكرى غياب الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر عن عالمنا، وهذه ذكرى تستدعى دائما إلى الذاكرة الدور المهم الذى لعبته تلك الشخصية فى تاريخ مصر والعرب والعالم على مدار ما يقترب من عقدين من الزمان، وكذلك التأثير الذى بقى معنا بعد رحيله عن عالمنا حتى اليوم، بل وسيبقى لفترة ممتدة زمنية قادمة، أيا ما كان التقييم لذلك الدور والرأى فيه.
وقد تناول آلاف الكتَّاب، من داخل مصر وخارجها، سواء داخل الوطن العربى أو العالم الثالث أو على الصعيد العالمى، على مدار العقود الماضية، أهمية دور وطبيعة تأثير الرئيس المصرى الراحل جمال عبدالناصر من جوانب كثيرة وأبعاد متعددة وزوايا متنوعة. وبالرغم من ذلك فإن المجال يبقى دائما مفتوحا للمزيد من الإسهامات والاجتهادات التى تمثل إثراء للبحث والدراسة فى تلك الشخصية المحورية من جهة منظور العمل العام.
ومن هذا المنطلق يأتى هذا المقال، ليس ليتناول موضوعا أو قضية بعينها ومواقف الرئيس الراحل إزاءها، ولكن ليناقش طرحا محددا مهما تناوله بعض المفكرين والمحللين والباحثين، على الأصعدة المصرية والعربية والدولية، وهو طبيعة علاقة المرحلة الناصرية بكل من البناء الأيديولوجى المحكم من جهة والهيكل التنظيمى للحياة السياسية فى مصر من جهة أخرى، مع الارتباط بين الجانبين بشكل وثيق عبر المراحل الفرعية للحقبة الناصرية.
ذلك أنه من الثابت تاريخيا أن وصول تنظيم الضباط الأحرار إلى السلطة فى مصر فى 23 يوليو 1952 بدأ قبل سنوات من أول محاولة للبحث عن أى إطار أيديولوجى سواء لصبغ المشروعية على تولى السلطة من قبل تنظيم الضباط الأحرار، أو لإيجاد معنى حقيقى وملموس لدى المواطنين المصريين للتغيير الجذرى فيمن هو جالس على مقاعد السلطة فى عام 1952 وربط ذلك بآلام ومعاناة من جهة وآمال وأحلام وطموحات من جهة أخرى لدى هؤلاء المواطنين، أو لحشد المؤيدين والداعمين للتجربة ولمن هم فى مقاعد السلطة ليس من منطلق مصالح شخصية لهم لدى السلطة ولكن على أرضية وجود قناعات لدى هؤلاء بأطروحات يتبناها من هم فى مقاعد السلطة وتكون قائمة على أسس فكرية ومن خلال لغة وخطاب مفهومين لدى المواطنين العاديين، ويكون لها أهداف عامة تحقق مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية وتلائم مرجعياتهم الثقافية.
كما أن الصيغ الأيديولوجية المتتالية التى تم اللجوء إليها لتحقيق هذه الغاية من قبل الضباط الأحرار ثم من قبل القيادة الناصرية تدرجت فى مستوى نضوجها الفكرى بدءًا بشعار «النظام والعمل والاتحاد» خلال فترة حكم الرئيس الأول الراحل اللواء محمد نجيب، وهو شعار تزامن مع إنشاء تنظيم «هيئة التحرير» باعتباره التنظيم الشعبى والسياسى المسموح بوجوده قانونيا، بعد صدور قرار مجلس قيادة الثورة فى يناير 1953 بإلغاء الأحزاب السياسية وحظر نشأة أى أحزاب جديدة، واتصفت تلك المرحلة بمسعى حشد جموع الشعب المصرى فى معركة الحصول على الاستقلال الوطنى وإنهاء الاحتلال البريطانى لمصر، وذلك بعد النجاح فى إلغاء النظام الملكى وإعلان قيام الجمهورية، وهى المعركة التى تراوحت بين العمل الفدائى ضد القوات البريطانية الموجودة فى منطقة قناة السويس، وهو ما يطلق عليه تاريخيا «حرب التحرير الوطنية»، وبين اللجوء المتقطع إلى مائدة المفاوضات مع دولة الاحتلال بريطانيا، وتوظيف ثوار يوليو لنتائج حرب الفدائيين فى منطقة القناة كوسيلة للضغط على بريطانيا لتقديم تنازلات فى العملية التفاوضية. وعلى الصعيد الأيديولوجى، كانت الوثيقة الأهم لتلك المرحلة هى «فلسفة الثورة» للرئيس الراحل عبدالناصر والتى تضمنت أفكارا وتصورات عامة حول الواقع المصرى ومستقبل المجتمع والدولة المصريين فى العهد الجديد.
أما المرحلة الثانية للبحث عن إطار أيديولوجى جامع يخدم كمظلة للحكم الجديد، فقد جاءت فى أعقاب النجاح فى دحر العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، وتمثلت فى رفع شعار: «ديمقراطية اشتراكية تعاونية»، وهو ما حمل فى طياته أسس السعى لتوافق وطنى ما حول أسس بناء نهضة وطنية جديدة، عقب حملات التأميم والتمصير للمصالح الاقتصادية الأجنبية فى مصر، تزامنا مع تأميم قناة السويس ومواجهة العدوان الثلاثى، وفى ضوء الحاجة للتركيز على التنمية الاقتصادية، مع استمرار صيغة التنظيم السياسى والشعبى الوحيد، ولكن هذه المرة ممثلا فى «الاتحاد القومى»، بعد أن اعتبر أن «هيئة التحرير» قد استنفدت أغراضها بجلاء قوات الاحتلال البريطانى فى يونيو 1956، كما أن هذا الشعار الجديد وما يعكسه من طرح أيديولوجى اتصف بقدر من المرونة وكونه فضفاضا، حيث كان الهدف آنذاك هو الوقوف بجانب القطاع الخاص الوطنى على الصعيد الاقتصادى وتمكينه، ولكن مع وجود دور ما للدولة فى مجال تحديد أهداف عملية التنمية، من خلال إنشاء مجلس اقتصادى واجتماعى تابع للدولة، وكذلك من جهة إنشاء قطاع عام مصرى، قام فى جزء كبير منه على ما تم تأميمه أو تمصيره من ممتلكات مواطنى الدول المشاركة فى العدوان الثلاثى على مصر. كما كانت هذه التوجهات ملائمة للتحرك نحو الوحدة الاندماجية بين مصر وسوريا عام 1958، حيث كان قد تم الاتفاق مسبقا على حظر الأحزاب فى سوريا وامتداد الاتحاد القومى إلى سوريا، أو الإقليم الشمالى آنذاك.
وكانت المحطة الثالثة والأخيرة فى مسيرة البحث عن إطار أيديولوجى مناسب للحكم الناصرى، وبحسب تطور مراحل ذلك النظام، وربما الأكثر نضوجا مقارنة بالمرحلتين السابقتين، هى تلك التى كان عنوانها شعار «حرية، اشتراكية، وحدة»، وبدأت فى يوليو 1961 من خلال ما أطلق عليه الموجة الأولى من «القوانين الاشتراكية» التى شهدت أول موجة تأميمات لممتلكات صناعية وتجارية للشرائح العليا من البرجوازية المصرية، وكذلك تخفيض سقف الملكية الزراعية للأفراد والأُسر فى سياق قوانين جديدة للإصلاح الزراعى، وأعقب ذلك بأقل من عام واحد صدور ميثاق العمل الوطنى، والذى كان المستهدف منه هو تحويل هذا الشعار إلى طرح أيديولوجى يفترض أن يكون متكامل الأبعاد، من خلال تبنى «الاشتراكية العربية» أو «الاشتراكية ذات التطبيق العربى»، وارتبطت تلك المرحلة بإقامة تنظيم سياسى شعبى وحيد جديد هو «الاتحاد الاشتراكى العربى»، والذى ظل قائما حتى وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وإن كان قد شهد محاولات عديدة لتطويره، بداية بإقامة تنظيم طليعى بداخله متزامنا مع الموجة الثانية للتأميمات والقوانين الاشتراكية فى يوليو 1964، ومرورا بإجراء مراجعة شاملة فيه بعد هزيمة 5 يونيو 1967، خاصة عقب تبنى بيان 30 مارس عام 1968، ووصولا إلى ما كشفت عنه محاضر اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكى بعد سنوات من وفاة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أولا بواسطة السيد/ عبدالمجيد فريد أمين عام رئاسة الجمهورية فى السنوات الأخيرة للرئيس الراحل ووصولا إلى ما أصدرته الدكتورة/ هدى عبدالناصر من نصوص كاملة لمحاضر تلك الجلسات، من إرهاصات تجاه لدى الرئيس الراحل بالانتقال إلى شكل محدود من التعددية الحزبية، وإن كان قد رهن تحقيق ذلك بإزالة آثار حرب 1967.
وهكذا نرى أنه كان هناك درجة من التطور فى البناء الأيديولوجى المرتبط بالمرحلة الناصرية، وهو تطور تحرك من حالة فضفافة وتتصف بدرجة عالية من المرونة ويمكن وصفها بأنها جامعة على المستوى الوطنى لتشمل الكل فى الجبهة الداخلية إلى صيغ أكثر إحكاما وقائمة على انحيازات اجتماعية واضحة، وبالتالى المفترض أنها أخذت جانبا قويا اجتماعية دنيا ومتوسطة فى مواجهة الشرائح الاجتماعية الأعلى فى المجتمع المصرى آنذاك. وبالمقابل، وبالرغم من تغير صيغ التنظيم السياسى أيضا بالتوازى مع تلك التحولات الأيديولوجية، فإنها جميعها اتسمت بوحدانية التنظيم بشكل حاسم وقاطع، باستثناء ما ذكر عن إرهاصات لدى الرئيس الراحل عبدالناصر بإمكانية التوجه لتعددية حزبية محدودة بعد تحرير الأراضى المصرية التى احتلت فى حرب 1967.
وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات