«فى قلب الأحداث»: تأريخ من نوع جديد للدبلوماسية المصرية - وليد محمود عبد الناصر - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:12 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«فى قلب الأحداث»: تأريخ من نوع جديد للدبلوماسية المصرية

نشر فى : الخميس 22 ديسمبر 2022 - 10:10 ص | آخر تحديث : الخميس 22 ديسمبر 2022 - 10:10 ص

هناك الكثير من الكتب التى كتبت وطبعت ونشرت على مدى العقود الأخيرة داخل مصر وخارجها التى تناولت حقبة أو أخرى من تاريخ الدبلوماسية المصرية منذ نشأتها الرسمية منذ قرن من الزمان، من زاوية أو أخرى، وتراوحت ما بين مذكرات صدرت لوزراء خارجية أو وزراء دولة للشئون الخارجية أو مستشارين للأمن القومى سابقين أو راحلين، إلى مذكرات سفراء كبار ودبلوماسيين بارزين سابقين أو راحلين، إلى كتب ذات طابع تحليلى نقدى ألفها كتاب ومحللون وباحثون ومفكرون ومراقبون كبار عن تلك الدبلوماسية، سواء كان هؤلاء من المصريين أو العرب او الأجانب.


ولا شك أن من أهم الكتب التى صدرت فى هذا المقام مؤخرا، وفى سياق الاحتفالات بمئوية إنشاء وزارة الخارجية المصرية، كان كتاب وزير الخارجية السابق السفير نبيل فهمى «فى قلب الأحداث»، والذى له أكثر من وجه تميز من وجهة نظر كاتب هذه السطور.


أما الوجه الأول فهو أن هذا الكتاب تضمن نهجا يختلط فيه بانسياب وتناغم العام بالخاص والذاتى بالموضوعى فى عملية التأريخ التى تمت من خلاله، وذلك نتيجة خصوصية يتصف بها المؤلف السفير نبيل فهمى دون غيره، وهى أنه يمثل الحالة الوحيدة فى تاريخ مصر المعاصر التى يأتى فيها وزير للخارجية شغل والده نفس المنصب قبل توليه المنصب بأربعة عقود كاملة، كما أن كلا منهما تولى مسئولية المؤسسة فى فترة شديدة الحساسية وفى مرحلة تحول، ليس فقط فى تاريخ المؤسسة بل فى تاريخ مصر. وقد نجح المؤلف فى توظيف تلك الخصوصية لخدمة غرض الربط وإحداث التواصل بين سياسات خارجية مصرية فى فترات تاريخية مختلفة وتفسير استمرار بعض تلك السياسات أو تحول بعضها الآخر وتغيره. فقد جاء الفصل الأول من الكتاب بشكل خاص ليعرض لمسيرة المؤلف الأولى وظروف انضمامه لصفوف الدبلوماسية المصرية ومراحله الأولى بها، بالإضافة إلى إلقاء الضوء على دور والده وزير الخارجية الأسبق الراحل السفير إسماعيل فهمى، فى مسيرته الدبلوماسية الثرية بصفة عامة وخلال فترة توليه حقيبة الدبلوماسية المصرية ما بين عامى 1974 و1977 على وجه الخصوص. ولا أعتبر هذا الفصل خروجا عن المنهج الموضوعى العام المتبع خلال الكتاب، بل أراه مقدمة لابد منها رأى المؤلف ضرورة إبراز أهميتها لتذكير القراء بمسيرة والده الدبلوماسية من جهة وتعريفهم ببدايات مسيرته هو نفسه فى العمل الدبلوماسى المصرى من جهة أخرى.


ووجه التميز الثانى يتمثل فى أن منهج التناول والمعالجة طوال فصول الكتاب ربط بشكل موضوعى ما بين توجهات وتحركات السياسة الخارجية المصرية، خاصة منذ ثورة 23 يوليو 1952، وبين ما شهدته مصر من أوضاع وتطورات داخلية متعاقبة، وهذه مسألة تحسب للكتاب وللمؤلف السفير نبيل فهمى، نظرا لأنها قليلة تلك الكتب والدراسات التى ربطت فى سياق تحليلى بشكل ممنهج بين تطورات الأوضاع الداخلية وتوجهات وتحركات السياسة الخارجية فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، ومن أبرز من وظف هذا المنهج فى التحليل على الصعيد العالمى ووضع إطاره وضوابطه النظرية وزير الخارجية الأمريكى الأسبق وأستاذ العلوم السياسية البارز هنرى كيسنجر فى كتابه الشهير «البنية المحلية والسياسة الخارجية»، الصادر عام 1966.


وهناك وجه تميز ثالث للكتاب، وهو ما يتعلق بالمنهج الكلى للكتاب واختيار مؤلفه للشكل والمضمون الذى خرج به، فهو لم يخرج فى شكل مذكرات تقليدية تتمحور فقط حول شخص المؤلف ودوره فى السياسة الخارجية المصرية على مدى عقود، وإن كان هذا البعد موجودا ومطلوبا أيضا لأهمية الأدوار التى لعبها المؤلف على مدى تلك العقود فى التأثير، وإن كان بدرجات متفاوتة بحسب تدرج المناصب التى تولاها، على صناعة قرارات هامة وصياغة توجهات أساسية فى السياسة الخارجية المصرية، بل إنه عمد إلى أن يركز على قضايا محورية ليس فقط على قائمة أولويات السياسة الخارجية المصرية، بل على جدول أعمال مجمل العلاقات الدولية والتفاعلات الإقليمية طوال العقود الخمسة المنصرمة. وقد ترتب على ذلك أنه جرى استبعاد بعض القضايا وتخصيص فصول محدودة الحجم لنوع ثالث من القضايا.


ويقودنا وجه التميز الثالث المذكور فى الفقرة السابقة إلى وجه تميز رابع للكتاب، وهو أن الكاتب السفير نبيل فهمى اختار عددا من الموضوعات ليكون التركيز الأكبر للكتاب عليها. وقد جمعت تلك الموضوعات بين كونها شديدة الأهمية طوال التاريخ المعاصر للدبلوماسية المصرية، بل وللأمن القومى المصرى، وكونها فى الوقت ذاته موضوعات معروفا عن المؤلف أنه كان من أبرز من تخصص وبرع فيها طوال مسيرة عمله الدبلوماسى. وقد شملت هذه الموضوعات الصراع العربى الإسرائيلى، وفى القلب منه القضية الفلسطينية، وعملية السلام التى نشأت وحاولت تسوية هذا الصراع وتلك القضية، وكذلك العلاقات المصرية الأمريكية، حيث شغل المؤلف منصب سفير مصر فى واشنطن لفترة تسع سنوات فى عهد الرئيس الراحل مبارك، بالإضافة إلى موضوعات نزع السلاح النووى على وجه الخصوص وأسلحة الدمار الشامل فى الإجمالى وارتباط ذلك بالأمن الجماعى، سواء الدولى أو الإقليمى فى منطقة الشرق الأوسط. لذا جاءت الفصول التى عالجت تلك الموضوعات لتمثل ما يمكن وصفه بوجبة دسمة للقارئ، سواء العام أو المتخصص، المصرى أو العربى أو الأجنبى، حيث إن الكتاب صدر باللغتين الإنجليزية والعربية.


وأنتقل لتناول وجه التميز الخامس، من وجهة نظرى، فى كتاب «فى قلب الأحداث» لوزير الخارجية المصرى السابق السفير نبيل فهمى، وهو إشارات ضمنها المؤلف كتابه استعان فيها بما ورد فى مذكرات كتبها وزراء خارجية وسفراء مصريون كبار سابقون وراحلون، فى أكثر من موضع، سواء لتعزيز وجهة نظر طرحها المؤلف، أو لسد فجوة خاصة بالمعلومات فى مرحلة تاريخية سابقة أو من موقع مغاير للموقع الذى كان يشغله المؤلف فى ذلك التوقيت وتلك المرحلة، أو لإضفاء المزيد من الإثراء على ما ورد من جانب المؤلف بكتابه من تحليل ورؤية نقدية يعكسان وجهة نظره وزاوية رؤيته للأحداث وتفسيره لها. والمؤكد أن هذه نقطة إيجابية أخرى تحسب للمؤلف وللكتاب، كما أنها تبرز ما فى تاريخ مؤسسة الدبلوماسية المصرية ومن عملوا فيها من تواصل بين الأجيال المتتالية، ليس فقط فى نقل المعارف ولكن أيضا فى تقاسم الرؤى ومناهج الاقتراب من القضايا وتناولها ومعالجتها من منظور المصالح الوطنية المصرية، حتى ولو اختلفت التفسيرات وتعددت الاجتهادات.


وبعد ذكر أوجه التميز السابقة للكتاب السابق الإشارة إليها، أرى أن هناك فصولا أخرى كانت تستحق أن يضيفها المؤلف السفير نبيل فهمى إلى كتابه، وكان بالتأكيد قادرا على تقديم وجبات دسمة للقارئ بشأنها حول موضوعات هامة أخرى للمؤلف باع طويل فيها وخبرات وتجارب متراكمة بها، ولكننى أخص بالذكر هنا تطلعى لأن يتناول المؤلف فى فصل منفصل رؤيته لأهمية القارة الآسيوية فى النظام الدولى مع صعود متسارع لدور آسيا فى مختلف مجالات العلاقات الدولية خلال العقود الأخيرة، وتقييمه لمسار العلاقات المصرية الآسيوية على مدار العقود المنصرمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وأعلم تماما أن السفير نبيل فهمى يملك جميع الأدوات اللازمة لتناول هذا الموضوع، خاصة فى ضوء عمله سفيرا لمصر لدى اليابان ولتشعب علاقاته الآسيوية على مستوى كبار المسئولين والمحللين والخبراء على مدى عقود، وربما يضيف المؤلف مثل هذا الفصل فى طبعة تالية من الكتاب أو يضمنه كفصل فى كتاب قادم له.


ويبقى كتاب «فى قلب الأحداث» لوزير الخارجية المصرى السابق السفير نبيل فهمى مرجعا هاما ضمن مراجع المكتبة العالمية والعربية حول تاريخ الدبلوماسية المصرية على مدى سبعة عقود وتضمن طرح مذكرات ورؤى هامة وجادة من جانب واحد من أهم أبناء مؤسسة الدبلوماسية المصرية فى العقود الخمسة الماضية تجاه العديد من القضايا المركزية التى واجهت وتواجه السياسة الخارجية المصرية.

وليد محمود عبد الناصر مفكر وكاتب مصرى
التعليقات