مشاهد ليست عابرة - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 5:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشاهد ليست عابرة

نشر فى : السبت 9 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 9 مارس 2013 - 8:00 ص

قبل ثورة يناير 2011، بعد سنوات، توالت عدة انتفاضات فى مدينة المحلة الكبرى، ذات التاريخ النضالى الساطع، وعادة، منذ أيام العهد الملكى، مرورا بسنوات ثورة يوليو، وفترة السادات، دأبت السلطة، معتمدة على مخالبها، من شرطة وجيش، على قمع المظاهرات بالعنف، وصل لحد تنفيذ أحكام إعدام، وإطلاق الرصاص على الغاضبين.. لكن، فى هذه المرة، فى العام 2008، جاءت موجة الثورة قوية وعالية، طالت صور الرئيس، حينذاك، وألقت بها أرضا، وداستها بالأقدام. حينها، أدرك من يعرف قراءة اللقطات القصيرة، السريعة، العابرة، أن النظام القائم، فقد مقومات بقائه، فهو لم يعد محبوبا، ولا محترما، وأن ما يجرى، فى بعد من أبعاده المستقبلية، يعتبر بروفة لما سيحدث، حتما، ولو بعد ثلاثة أعوام، فى ميدان التحرير. هكذا، تمزيق الصورة، مقدمة لتمزيق النظام.

 

اللقطات المضطربة لضابط شرطة، يعدو هاربا، فى ميدان التحرير، وخلفه مجموعة من الثوار والغوغاء.

 

بعضهم يحمل العصى الطويلة. يمسكون بالضابط الذى فقد غطاء الرأس فبدت صلعته من الخلف. الثوار يحمونه، أصواتهم المتقطعة تطلب من الغوغاء الابتعاد عن الرجل. عدسة المحمول المهزوز لم ترصد وجه الضابط. فقط تابعت الدائرة البشرية المحيطة به، فى طريقها نحو بناية بنك أمام المجمع العلمى. الضابط يدخل من الباب. المحيطون به يقفون سدا منيعا كى لا تطوله أيادٍ تنذر بالشر.. اللقطات مؤلمة، مثيرة للأسى، فبهدلة ضابط شرطة، فى جوهره، بهدلة مؤسسة أمن، لكن السؤال: كيف وصلت الأمور لهذا الحد، وما ردود الأفعال تجاهها.. الإجابة تأتيك من قلب الواقع، فاستخدام النظام لرجال الشرطة فى ضرب المواطنين، وسحلهم، أدى بالضرورة إلى تحين فرصة تصفية الحساب، الأمر الذى لا يحمد عقباه، كما شاهدنا فى المواقف المذكورة.. وللخروج من المأزق، اتجهت قيادات الشرطة المتذمرة فى طريقين. أحدهما ضيق الأفق، يطالب بتسليح رجال الشرطة، بأدوات أشد بطشا من الهراوات وقنابل الغاز وبنادق الخرطوش، وهو مطلب خائب وتعيس، يصب زيتا فوق النار، فلو أن الضابط المطارد، فى ميدان التحرير، استخدم الأسلحة المقترحة، لكان الآن، فى عداد الموتى.. أما الطريق الثانى، المنطقى، العاقل، فيتمثل فى المطالبة بعدم وضع الشرطة، فى مواجهات دامية مع جماهير لها متاعبها وطموحاتها. مشاكل تحتاج لحلول سياسية واجتماعية، وليس لوسائل قمع تسند إلى شرطة، مما يزيد من اتساع الهوة بينهم.. والأهالى.

 

الصورة المزدوجة للشهيد محمد الجندى تعيد ذكرى زميله الوديع، خالد سعيد. الجندى، بوجهه المصرى الملامح، يقف فى ميدان التحرير، واضعا نظارة بيضاء الزجاج على عينيه، يبتسم بأمل.. صورته الثانية، مطروحا على الفراش، مغمض العينين، كدمات على خده الأيسر. فمه المفتوح يخرج منه عدة خراطيم، تبقيه، لعدة أيام بين الحياة والموت.. وكما حدث مع خالد سعيد، بشأن الحدوتة السمجة التى أرجعت سبب وفاته إلى ابتلاعه لفافة بانجو، اختلقت فرية مبتذلة استبدلت اللفافة القاتلة بعربة شريرة طائشة، صدمت محمد الجندى.. وكما لم يصدق الشعب المصرى الأكذوبة الأولى، وكانت من أسباب الثورة، لم يصدق الأهالى تقارير الطب الشرعى المشبوهة.. ولا تزال تداعيات الجريمة تتوالى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات