مشاهدة جديدة - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشاهدة جديدة

نشر فى : السبت 9 يونيو 2012 - 8:55 ص | آخر تحديث : السبت 9 يونيو 2012 - 8:55 ص

قلت لنفسى: لو أنى قرأت هذا الكتاب فى بداية حياتى المهنية، كنت سأغدو متذوقا لفن السينما، أفضل كثيرا مما أنا عليه، ولتمكنت، على نحو أعمق، من كشف الأسرار الخلابة لسحر عالم الأطياف.

 

لكن، بعد أن قرأت، مستمتعا، فصول الكتاب، اقتنعت أن الحظ حليفى، ذلك أنى عايشت، بعيون المؤلف، عشرات الأفلام التى انبهرت بها من قبل، وكأنى أشاهدها للمرة الأولى.. فعلى سبيل المثال، حين يتعرض الباحث لفيلم «إم» للمخرج الألمانى فريتز لانج، الذى يدور حول قاتل مجنون للأطفال، أصاب المدينة بالهلع، وبينما تكاد الشرطة تفشل فى العثور عليه، يحاول المجرمون القبض عليه. المنظمتان، الشرطة ورجال العصابات، يقدمهما المخرج كـ«منظمتين متماثلتين متوازيتين، تهتمان بتخليد الذات، والقبض على المجرم هو الذى سوف يسمح لكل من المنظمتين بالاستمرار فى عملهما كالمعتاد». ولتأكيد هذا المعنى، يتابع الفيلم اللقاء المنفصل الذى يدور بين رجال الشرطة من ناحية، ورجال العصابات من ناحية أخرى، وقائد كل مجموعة يناقش فشل العثور على المجرم.. هنا، يرصد الباحث أحد ابتكارات لانج الإبداعية، حين يربط بين المؤسستين عن طريق الحوار، حيث يبدأ بجملة فى اجتماع الشرطة، ينهيها بجملة فى اجتماع المجرمين، فالحوار واحد، وطريقة التفكير واحدة، وعن ذات الفيلم، يتأمل المحلل طريقة أخرى، مبتكرة، صاغها فريتز لانج مبكرا «1931»، فى استخدامه للصوت، فالأم التى اختفت ابنتها «إيلزى» تنادى عليها، وفى كل مرة، نرى صورة مختلفة: من نافذة المنزل، إلى السلالم، ثم إلى الفناء حيث يجف الغسيل المنشور، إلى طاولة العشاء الخالية حيث من المفترض أن تجلس «إيلزى»، وأخيرا إلى البعيد، حيث تدور كرة أطفال فى منطقة مليئة بالأشجار، وإلى بالونة مشبوكة فى أسلاك التليفون، ومع كل لقطة يصبح النداء على الطفلة أبعد، وفى اللقطتين الأخيرتين يتحول إلى مجرد صدى واهن.. مما يعنى ضياع البنت من أمها.

 

على هذا النحو من التذوق المرهف، تتواصل رحلة المؤلف، طوال أكثر من ستمائة صفحة، متنقلا عبر مئات الأفلام، متلمسا مناطق الجمال فى اللغة السينمائية، وبلاغتها، وارتباطها ببعضها بعضا، ويتعرض، برحابة أفق للسينما التسجيلية، وتأثير الإذاعة، والمسرح، والتليفزيون، على فن الفيلم الذى يتطور مع كل اختراع بشرى، والكتاب فى هذا يبدو أرق من عنوانه المتجهم «تقنيات مونتاج السينما والفيديو.. التاريخ والنظرية والممارسة»، وفيما يبدو أن العنوان له علاقة بمهنة كاتبه كين دانسايجر، الأستاذ، المحاضر، فى الجامعة الأمريكية، ولكن الرجل، فى طريقة نظره للأفلام، وتحليلها، يتحرر تماما من الآراء «الأكاديمية» المسبقة، ويستقبل العمل السينمائى بوجدانه، وعقله، لذا جاء الكتاب مفعما بالأحاسيس، والآراء، وربما لهذا السبب أعيد طبعه أربع مرات، منذ صدوره عام 1993.. طبعا مع إضافات تُلاحق التغيرات والتطورات فى كل طبعة جديدة.. ولا أظن أن أحدا كان من الممكن أن يترجم الكتاب، بهذه السلاسة والدقة والعذوبة، سوى الناقد المتميز، أحمد يوسف، الذى يتسم أسلوبه، أصلا، بنوع فريد من الجمال، فضلا على ما يتمتع به من ثقافة واسعة، وخبرة بالأفلام التى يتعرض لها كين دانسايجر.. وهنا، من باب الأمانة، لابد من الإشارة إلى أن الكتاب يحمل رقم «1689» من إصدارات المركز القومى للترجمة، الذى قام على كتفى د.جابر عصفور، وواصل مشواره من أتى بعده، الأمر الذى يؤكد أن مصابيح الإنارة فى مصر، لن تطفأ أبدا.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات