القيود اﻷمنية على سفر اﻷكاديميين - محمد عبدالسلام - بوابة الشروق
الأربعاء 1 مايو 2024 2:50 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القيود اﻷمنية على سفر اﻷكاديميين

نشر فى : الأربعاء 9 نوفمبر 2016 - 9:30 م | آخر تحديث : الأربعاء 9 نوفمبر 2016 - 9:30 م
خصصت أولى الجلسات فى مؤتمر الشباب الذى انعقد برعاية رئاسة الجمهورية، للحديث عن التعليم وقضاياه، وكان لافتا تركيز الرئيس عبدالفتاح السيسى على تجارب الدول الأخرى فى مجال التعليم. فقد أشار الرئيس إلى متابعته لتجارب التعليم فى الدول التى يقوم بزيارتها، وإلى أهمية مشروع بنك المعرفة الذى يتيح نقل المعرفة من مختلف دول العالم إلى مصر، وفى اﻹشارتين إبراز ﻷهمية الانفتاح والتواصل مع دول العالم، لتحقيق الاستفادة العلمية والأكاديمية. هذا التناول الرسمى لقضايا التعليم، يكاد يكون منقطع الصلة تماما بالواقع، الذى يواجهه الأكاديميون فى مصر من أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة والباحثين ببرامج الماجستير والدكتوراه. إذ يتوجب على اﻷكاديميين فى حال سفرهم إلى الخارج فى مهام علمية مثل البحث والدراسة والتدريب، أن يحصلوا مسبقا على موافقة أمنية من عدة جهات أمنية غير معروفة على التحديد، يعتقد البعض أن بينها أجهزة كاﻷمن الوطنى والمخابرات. وهذه قضية شديدة الأهمية فى النقاش المرتبط بمستقبل وحرية البحث العلمى فى بلادنا، ولا يمكن لمؤسسة الرئاسة أو الحكومة تجاهل التطرق إلى هذه العوائق الخطيرة، التى تكبل العمل الأكاديمى، وتعيق تطور الأساتذة والباحثين.

***

تشير وقائع مختلفة إلى طلب موظفى الجامعة من المتقدم للسفر إلى الخارج فى مهمة علمية، أن يقوم بملء أربع نسخ مما يطلق عليه «الاستمارة الأمنية»، أثناء إنهاء إجراءات موافقة الجامعة على سفره. تشمل الاستمارة معلومات شخصية وأخرى عن السفريات السابقة، وفى نهاية الاستمارة توجد فقرة خاصة بالجهة التى ترسل إليها، وهى «اﻹدارة العامة للاستطلاع والمعلومات» بوزارة التعليم العالى. وقد تم التأكيد على استخدام هذه الاستمارات من قبل إدارات الجامعات فى العامين السابقين. واختلفت الطريقة التى تعامل بها الأكاديميون مع هذا اﻹجراء، فعلى سبيل المثال، رفض الدكتور نبيل يوسف، وهو أستاذ متفرغ بكلية العلوم- جامعة القاهرة، تقديم هذه الاستمارات فى مايو 2015، أثناء سفره للإشراف على رسالة دكتوراه لطالب مصرى فى المجر، وأقام دعوى قضائية رقم ٦٤٦٠٨ لسنة ٦٩، أمام محكمة القضاء الإدارى بالقاهرة، طعنا على القرار السلبى بالامتناع عن السماح له بالسفر للمجر للإشراف على رسالة دكتوراه. موقف الدكتور نبيل يوسف كان شديد الوضوح فى التمسك بتطبيق القانون ورفض هذه اﻹجراءات غير القانونية. على الجانب اﻵخر، وافق عدد من الأكاديميين اضطرارا على ملء هذه الاستمارات، ومن ثم انتظار الحصول على الموافقة الأمنية ــ رغم إدراكهم لمخالفتها للقانون، وآخرهم حالة الدكتور محمد حسن سليمان، وهو مدرس بكلية الهندسة فى جامعة عين شمس، والذى رفضت الجامعة سفره فى منحة إلى جامعة دنفر اﻷمريكية، فى يوليو الماضى، لعدم تلقى رد بموافقة «الأجهزة اﻷمنية»، بحسب الأوراق الرسمية للجامعة. ورغم أن الدكتور سليمان حصل على موافقة مجلس القسم ومجلس كلية الهندسة، ورتب أوراقه حتى حصل على تأشيرة الدخول للولايات المتحدة، إلا أنه لم يتمكن من السفر.
هذه اﻹجراءات تخالف نصوص القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، فالشروط واﻹجراءات اللازمة لسفر اﻷكاديميين إلى الخارج، تتوزع مسئوليتها على اﻷقسام العلمية ومجالس الكليات وإدارات الجامعات، ولا يوجد أى نص قانونى يتيح لجهات أخرى التدخل فى سفر اﻷكاديميين للخارج. ومن هذه النصوص، المادة (87) من قانون تنظيم الجامعات، التى تنص على «يجوز إيفاد أعضاء هيئة التدريس فى مهمات علمية مؤقتة خارج الجامعة، وذلك بقرار من رئيس الجامعة بعد موافقة مجلس الدراسات العليا والبحوث بناء على اقتراح مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص…»، والمادة (146) من نفس القانون، وتنص على «يجوز إيفاد المعيدين والمدرسين المساعدين فى بعثات إلى الخارج أو على منح أجنبية أو الترخيص لهم فى إجازات دراسية بمرتب أو بدون مرتب، ويكون ذلك بقرار من رئيس الجامعة بناء على اقتراح مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأى مجلس القسم المختص، وموافقة مجلس الدراسات العليا، والبحوث فى الجامعة…»، وهكذا فقد أكد قانون تنظيم الجامعات على استقلال الجامعة بمختلف مستوياتها الإدارية فى اتخاذ القرارات المتعلقة بسفر الأكاديميين إلى الخارج. بل أن الدستور المصرى فى مادته (21) يؤكد على أن تكفل الدولة استقلال الجامعات، فمؤسسات التعليم العالى مسئولة عن إدارة شئونها العلمية والإدارية، ما يجعل من تدخل وزارة التعليم العالى أو اﻷجهزة اﻷمنية مخالفة واضحة للدستور، واعتداء واضحا على استقلال الجامعة.

***

إن الضرر المترتب على هذه اﻹجراءات لا يتوقف فقط عند أعضاء هيئة التدريس والباحثين، الذين يفقدون فرصا جيدة للبحث والتعلم وتبادل الخبرات فى الخارج، فالدكتور محمد حسن سليمان فقد فرصة عظيمة لحضور أكبر مؤتمر فى مجال القوى الكهربية بأمريكا الشمالية (IEEE General meeting) وزيارة أكبر معامل الطاقة المتجددة فى الولايات المتحدة (مدينة دنفر)، وهى فرصة لا يمكنه تعويضها بإمكانياته الشخصية. ولكن الضرر يمتد أيضا إلى الجامعات التى تخسر استقلالية قرارها، وتنعزل شيئا فشيئا عن محيطها الإقليمى والدولى، بل إن الدولة ذاتها تفقد فرصة كبيرة للاستفادة من هؤلاء اﻷكاديميين فى مشروعاتها البحثية وفى خططها للتنمية. إضافة إلى الصورة السيئة التى تظهر بها مصر أمام الجامعات والمراكز البحثية كدولة تتصدى فيها أجهزة اﻷمن للقرارات العلمية والأكاديمية، وهذا عبء آخر يضاف للتحذيرات اﻷمنية الصادرة من مؤسسات علمية وبحثية لطلابها وباحثيها من العمل البحثى فى مصر، على خلفية حادثة مقتل طالب الدكتوراه جوليو ريجينى.

***

لعل من المفيد أن يطرح الرئيس السيسى تجربته فى التعرف على تجارب التعليم فى دول أخرى، ولكن اﻷكثر أهمية أن يتم وقف هذه القيود اﻷمنية المفروضة على سفر الأكاديميين. وطالما بقى اﻷكاديميون تحت ضغوط القرارات والموافقات الأمنية، فإن مثل هذه الإشارات الصادرة عن السلطة التنفيذية، لا تزيد عن كونها شعارات عامة، منفصلة عن الواقع السيئ للبحث العلمى فى الجامعات المصرية.
محمد عبدالسلام مسئول ملف الحرية الأكاديمية، بمؤسسة حرية الفكر والتعبير بالقاهرة.
التعليقات