مشروع الدستور وتعديلاته المثيرة للقلق - محيا زيتون - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 10:08 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشروع الدستور وتعديلاته المثيرة للقلق

نشر فى : الجمعة 10 يناير 2014 - 8:25 ص | آخر تحديث : الجمعة 10 يناير 2014 - 8:25 ص

ما قبل 3 يوليو كانت مطالب المعارضين المتمردين على حكم مرسى تنصب على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وعندما حسم وزير الدفاع عزل الرئيس المنتخب من منصبه، وُضعت خارطة طريق جاء فى مقدمة بنودها تعطيل العمل بالدستور القائم وإجراء تعديلات عليه. من المنطقى إذن، ونحن بصدد تقييم المشروع المعدل، أن نناقش لماذا عُطّل الدستور، وليس المواد المختلف عليها فقط، وما طبيعة تلك التعديلات؟

تتكشف الأسباب بداية بالنظر إلى طبيعة الإجراءات التى اتخذتها سلطة الانقلاب منذ الثالث من يوليو: من التحفظ على الرئيس المنتخب، إلى اعتقال الآلاف بتهم بدت تعسفية للكثيرين، ودعم وتشجيع إعلام أبعد ما يكون عن الحيادية والنزاهة، يلهث ويتسابق فى مشهد هستيرى لإثارة الفتن والكراهية بين المصريين. فضلا على فرض حالة الطوارئ، وعودة ممارسات أمن الدولة لسابق عهدها، والنقل القسرى لمعلمين وموظفين دون تحقيق جدّى، وفصل أساتذة جامعات، ومصادرة أموال وممتلكات ومدارس وجمعيات، وإصدار قانون يحد من حرية التظاهر. وفى القلب من هذه الإجراءات الاستثنائية، مقتل المئات من المصريين فى سلسلة مجازر متتالية. يتنافى كل هذا وغيره، مع مبادئ دستور 2012 الذى قرروا ضرورة تعطيله، بل يتنافى مع مبادئ أى دستور آخر، بما فى ذلك مشروع دستور 2013.

هذا هو المناخ الذى تم فيه تعيين لجنة الخمسين وإعداد مشروع دستور 2013، فهل يوحى هذا المناخ بأن الحريات والحقوق التى وردت فى المشروع يمكن تطبيقها على الأرض؟ وهل يمكن أن نثق فى ذلك ونحن نعلم أن نظام مبارك (الغائب الحاضر) أطاح من قبل بكثير من الحريات التى تضمنها دستور 1971؟ وأن سلطة الانقلاب عطّلت دستورا كاملا وافقت عليه نسبة معتبرة من الشعب المصرى مصدر السلطات؟!

•••

لجنة الخمسين ذاتها وما أدخلته من تعديلات سنتناول أهمها، تكشف عن مزيد من الأبعاد الكفيلة بزعزعة الثقة بالمشروع. فالاجتماعات المغلقة، وتشكيل لجنة العشرة، والارتباك فى توصيف ما أعدته اللجنة دستورا جديدا أم تعديلات على دستور 2012، وانتهت بالجمع بين كونه جديدا ومعدّلا فى نفس الوقت، ليفهم كل ما يناسبه! لجأت اللجنة أيضا إلى مغازلة عدة فئات من الشعب المصرى بوضع نصوص إنشائية وبنود يصعب ترجمتها إلى واقع، حتى بعد سنوات عدة. ولم يتحدد فى مشروع الدستور بطبيعة الحال ماذا يترتب على عجز الدولة عن تحقيق هذه الالتزامات: هل سيتم اعتقال الدولة لأنها لم تلتزم بالدستور؟ أم تتم محاكمة لجنة الخمسين بتهمة المراوغة والتحايل؟

ومن غير الواضح لمن يقرأ مشروع الدستور إدراك ما هى الحكمة من التعديلات التالية: ففيما يتعلق بحرية الاعتقاد مثلا تنص المادة (43) فى دستور 2012، أن «حرية العقيدة مصونة»، بينما المادة (64) فى 2013 تنص «حرية العقيدة مطلقة». والمادة (44) فى 2012 «تحظر الإساءة أو التعريض بالرسل والأنبياء كافة»، بينما ألغى مشروع 2013 هذه المادة. ووفقا للمادة (6) فى 2012 «لا يجوز قيام حزب سياسى على أساس التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الدين»، وضعت فى 2013 مادة (74) «لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى أو قيام أحزاب سياسية على أساس دينى»، (دون تحديد معايير).

أدخل مشروع دستور 2013، علاوة على ذلك، تعديلات غاية فى الخطورة، تتعلق بالقوات المسلحة، والقضاء، ربما تعد من أهم أسباب تعطيل دستور 2012. ورغم أن هذا الدستور أخذ فى الاعتبار مصالح القوات المسلحة فى مواقع عدة، فإن التعديلات المضافة أنشأت استقلالية أكبر لكيان وقرارات القوات المسلحة داخل الدولة المصرية. فيضفى مشروع الدستور مكانة خاصة واستقلالية لمنصب وزير الدفاع، فتعيينه لا يكون إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، لدورتين رئاسيتين. وتوسعت سلطات القضاء العسكرى لتشمل ليس فقط اختصاصه بجميع جرائم ضباط القوات المسلحة وأفرادها (مادة 198 فى 2012)، ولكن لتضم «من فى حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة»، (مادة 204 فى 2013). كما أضيف إلى نفس المادة الأخيرة، تفصيل لبعض الجرائم التى تجيز المحاكمة العسكرية، لتشمل «الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها وأفرادها بسبب أداء الخدمة». ولأن القوات المسلحة تزاول أنشطة اقتصادية (غير عسكرية) على نطاق واسع، ولأن كلمة «الخدمة» لم تقترن بكلمة عسكرية، يُفهم من هذه العبارة أن ما يعد جرائم للمدنيين فى إطار ممارسة الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة، يجيز محاكمتهم أمام القضاء العسكرى.

وفى سياق تعزيز استقلالية القوات المسلحة عن الدولة المصرية، تمّ إلغاء نص مهم ورد فى ديباجة دستور 2012، وهو «... قواتنا المسلحة مؤسسة وطنية محترفة محايدة لا تتدخل فى الشأن السياسى»، وهو نص يعدّ بمثابة ضمانة لحماية الدولة المدنية. والسؤال الذى يدعو للتفكير إذن: ألم يكن احترام هذا النص الدستورى وحده كافيا للحيلولة دون تدخل القوات المسلحة فى أحداث 30 يونيو ــ 3 يوليو؟ وهل إلغاء النص يفسر تطلّع القوات المسلحة للتدخل فى الشأن السياسى المصرى؟

•••

للقضاء عموما، وللمحكمة الدستورية العليا خصوصا، سلطات واسعة النطاق. ففى مجال الحقوق والحريات يمكن بحكم قضائى حل الأحزاب، ومجالس إدارة الجمعيات والاتحادات، وتقييد الحريات الشخصية بمختلف أشكالها. للقضاء أيضا دور رئيس فى الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وسلطة التحقيق ومحاكمة رئيس الجمهورية. ومنح مشروع دستور 2013 للقضاء، بالإضافة إلى ما سبق: سلطة اختيار النائب العام، وسلطة تفسير أحكام الشريعة! كما أضيف نص يبدو غامضا، وهو أن قرارات المحكمة الدستورية العليا، وليس أحكامها فقط، تعدّ «ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة، وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم». هذه العبارة قد تبدو متناقضة مع ما نصّت عليه المادة (5) من مشروع الدستور «الفصل بين السلطات». أما ما يدعو للقلق حقا، فإن هذه السلطات جميعا لا تقابلها ضمانات وضوابط لعدم إساءة استخدامها.

يرتبط بسلطات القضاء بنود فى مشروع الدستور لحماية القضاة، مثل كونهم غير قابلين للعزل، وهم دون غيرهم يفصلون فى منازعاتهم، بمعنى يحاسبون أنفسهم. وأضاف مشروع الدستور عبارة تقضى بإدراج ميزانية الهيئات القضائية والمحكمة الدستورية العليا كرقم واحد فى الميزانية. ويعنى ذلك عدم إمكانية اطلاع الشعب المصرى، صاحب السيادة ودافع الضرائب، على تفاصيل هذه الميزانية، وصعوبة مراجعتها من جهاز المحاسبات. وهذا الامتياز مكفول أيضا لميزانية القوات المسلحة. وحقيقة الأمر، لا يوجد ما يبرر هذا الإجراء فى أى نظام ديمقراطى، سواء فيما يخص النشاط غير العسكرى للجيش، أو فيما يخص القضاء، باعتباره هيئة مدنية.

وبينما يتمتع القضاة فى الأنظمة الديمقراطية عموما بسلطات متعددة، لكن من المسلم به أيضا، أن وجود درجات للتقاضى أو رقابة ذاتية، لا يضمن وحده عدم إساءة استخدام هذه السلطات. لذلك قلّصت الولايات المتحدة مثلا السلطة المطلقة للقاضى فى إصدار الأحكام، بوجود هيئة محلفين تشارك القاضى فى الحكم. وفى مصر يتردد كثيرا وجود تجاوزات فى تعيين الخريجين فى السلك القضائى، كذلك شبهة تسييس بعض الأحكام مثل الحكم الأوّلى على فتيات «7الصبح» وعلى طلاب جامعة الأزهر. وإذا علمنا أن القضاة ليسوا آلهة بل بشرا مثلنا، وأن المادة (5) من نفس مشروع الدستور تقر بأهمية «تلازم المسئولية مع السلطة»، وأن مسئولية القضاء تعنى نزاهة الأحكام وعدالتها، فكيف يغيب عن مشروع الدستور إذن ضمانات لتحقيقها؟ وطالما غابت هذه الضمانات، قد يظل كثير من الحقوق والحريات الواردة فى مشروع دستور 2013 مهددا بالضياع، خصوصا فى ظل المناخ الانتقالى الحالى. (يراجع المقال القيم المنشور بصحيفة الشروق للباحث كريم الشاذلى لمعرفة تفاصيل مهمة بشأن هذه الضمانات، الشروق بتاريخ: 2 ديسمبر 2013 ).

•••

وأخيرا يعز علىّ إنهاء هذا المقال دون كلمة بخصوص ثورة 25 يناير. ففى جميع الاستحقاقات الانتخابية التى تلت ثورة يناير، كانت الساحة السياسية على درجة عالية من الحيوية، ووسائل الإعلام تموج بجميع الآراء والاتجاهات السياسية، وكان من الصعوبة بمكان توقع نتيجة معينة لأى إجراء انتخابى. أما الآن فالصوت الواحد هو المسيطر، والإعلاميون صاروا قوة الردع والتشويه لمن يتجرأ ويحيد عن الطريق المرسوم، وأصبحت نتيجة الاستفتاء متوقعة لكل ذى عينين. أما شهداء ثورة يناير فى دستور 2012، فقد تحولوا فى 2013 إلى شهداء الوطن عموما، بينما تركزت الرعاية والاهتمام على مصابى العمليات الأمنية. وذكر ثورة يناير فى مشروع دستور 2013، جاء هامشيا مقترنا بما يطلقون عليه ثورة 30 يونيو (25 يناير ــ 30 يونيو). ولمن يتعظ من دروس التاريخ فليعلم أن هذا التهميش ذاته حدث لثورة يوليو فى دستور 1971، حيث ذُكرت ثورة يوليو مقترنة بثورة التصحيح، لكن ماذا بقى فى ذاكرة المصريين من ثورة التصحيح؟ وهكذا، ستظل ثورة 25 يناير،دون غيرها، هى الثورة الشعبية العظيمة التى يمكن أن تغير مستقبل مصر بتضامن أبنائها المخلصين.

محيا زيتون  استاذ الاقتصاد بجامعة الازهر
التعليقات