تنمية اجتماعية بديلة.. أم أقنعة جديدة للنيوليبرالية؟ - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 4:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تنمية اجتماعية بديلة.. أم أقنعة جديدة للنيوليبرالية؟

نشر فى : الثلاثاء 10 يوليه 2012 - 8:55 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 10 يوليه 2012 - 8:55 ص

هل يتبنى الإخوان التوجه النيوليبرالى الذى طرحته مجموعة لجنة السياسات ورعاه مبارك ونجله فى السنوات الأخيرة، وهل سيسعى حزب الجماعة لاستكمال ما بدأه الحزب الوطنى ويتبنى نمط إدارته للأزمة الاجتماعية فى مصر واستجابته الطيعة للضغط الرأسمالى العالمى، أم ستنحو الجماعة فى اتجاه آخر وتطرح توجها ذا صبغة اجتماعية؟

 

هل نحن إزاء نموذج تنموى جديد يستجيب للطموح الجماهيرى؟ وهل المطروح من قبل الأغلبية الإخوانية، يفى حقا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية أم أنه أداة لتعضيد الهيمنة السياسية الصاعدة للجماعة؟

 

●●●

 

تلك عينة مما يتصاعد هذه الأيام من هواجس اقتصادية مكتومة على أثر الصعود السياسى لجماعة الإخوان المسلمين وهيمنة حزبها على الانتخابات البرلمانية الأخيرة بأكثرية كبيرة، وتصعيد الجماعة لمرشحها لسدة الرئاسة بأغلبية طفيفة بعد معركة رئاسية شهدت تحولات درامية.

 

ولهذه الهواجس ما يبررها، على الرغم من كونها تبدو استباقا تشاؤميا، فى ضوء حقيقة تعطل انتقال الحكومة إلى الأغلبية الإخوانية حتى الآن، وعدم اليقين من استمرار مجلس الشعب، بعد قرار حله، وشائعات عودته الجزئية. لكن التوقع أن تلك الأغلبية سيكون لها دورها المؤثر فى الأغلب الأعم فى تشكيل أى حكومة مقبلة. وثمة احتمال لا بأس به أن تنتهى الجمعية الدستورية لوضع دستور يعيد النظام المختلط البرلمانى الرئاسى، الذى تسند فيه مهام تشكيل الحكومة وإدارتها إلى الأغلبية البرلمانية، على نحو يتوازن وسلطات الرئيس. ومن ثم فإن الاهتمام الشديد بما تطرحه أغلبية صاعدة، والتعرف على أثره الاقتصادى فى ضوء ثورة كان الاحتقان الاجتماعى والاقتصادى هو أبرز ما دفع باتجاهها. وشكلت مطلبيتها الاقتصادية والاجتماعية أبرز طموحاتها.

 

لقد كانت ثورة الشعب المصرى فى يناير وفبراير 2011 التى انتهت بالإطاحة بمبارك وأركان نظامه صورة مكبرة ومكثفة لالتقاء نمطى الاحتجاج الاقتصادى/ الاجتماعى مع الاحتجاج السياسى. فلا يمكن لمراقب منصف فصل هذه الثورة عن مقدماتها الطبيعية التى أخذت صورة إضرابات عمالية بسبب تردى أحوال العمال، واحتجاجات شعبية على سوء الخدمات العامة وشح الوقود والسلع الأساسية المدعمة. وكانت أحداث المحلة الكبرى التى وقعت فى السادس من أبريل 2008 برهانا حقيقيا عن إمكانية تلاقى النمطين الاحتجاجيين الاقتصادى والسياسى، فيقع اعتصام مدنى واسع تنوء السلطة الحاكمة به وتعجز عن تلافى آثاره. والسؤال بات ملحا، هل تستوعب كل سلطة تتلو مبارك هذا الدرس الذى أطاح بحكم المخلوع، وقوض أركان حكمه؟

 

ومن ثم فإن هذا الواقع السياسى الجديد الذى أفرزته الثورة يقتضى أن تأخذ الأغلبية الإخوانية الصاعدة بعين الاعتبار مضمون السياسات الاقتصادية والاجتماعية التى تتبناها، وأثرها على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم المصريين. وما هى فرص التمكين السياسى للمهمشين والفقراء الذين تتحدث البرامج باسمهم؟ وما إذا كان فى ظل ما يطرح الآن ثمة إمكانية لإحداث نقلة تنموية للحقوق التى تضطلع الدولة بمسئولية كفالتها ومنها الحق فى الصحة والتعليم والعمل والحماية الاجتماعية. وكذلك الحال مع الحريات الأوسع ذات الصلة بهذه الحقوق كالحريات النقابية وحرية التنظيم والتعبير.

 

●●●

 

الانطباع المباشر الذى يتكون لدى المطالع لبرامج الاخوان الاقتصادية يكاد يقول إن الأغلبية الإخوانية الصاعدة قد اتخذت موقفا اقتصاديا «محافظا» فى مجمله، لا يتبنى إجراء تعديلات هيكلية على نمط العلاقات الحاكمة لتداول القيم الاقتصادية فى مصر. وثمة شاهد فى هذا الأمر: وهو عدم بناء الإخوان خطابهم لقواعدهم الجماهيرية استنادا لخطط أو نوايا بإحداث تغييرات فى الإطار الاقتصادى الموروث من عهد مبارك. وعند الحديث عن هذه «المحافظة» الاقتصادية التى يبديها الإخوان يبرز فى نصوصهم ملمحان رئيسيان:

 

لا تعديلات جذرية فى علاقات الملكية:الحد من الملكية الخاصة ليس مما يطرحه الإخوان، فالإنتاج متروك بكلياته للقطاع الخاص. وفى هذا السياق جاء تأييد حزب الحرية والعدالة لقرار حكومة الجنزورى رفض رد أصول الشركات التى حكم ببطلان خصخصتها للدولة باعتبار أن تنفيذ مثل هذا القرار يعنى توجيه رسالة مثيرة للقلق للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب. كذلك انصب خطاب الأغلبية الإخوانية منذ انعقاد البرلمان وحتى توقف أعماله على ضرورة عودة الاستقرار حتى يعود القطاع الخاص للعمل، وباسم عودة الاستقرار قبلت الأغلبية للمرسوم بقانون رقم 4، والذى أصدره العسكرى فى 3 يناير 2012 قبيل أيام من انعقاد البرلمان. وهو مرسوم يجيز التصالح مع المستثمرين المتهمين أو المدانين بارتكاب جرائم تتعلق بالمال العام. كانت الموافقة الإخوانية واضحة، ولم يصدر تحفظ عن الأغلبية البرلمانية إلا فيما يتعلق بتفاصيل شروط التصالح، إذ طلبت لجنة الخطة والموازنة تعديل الشروط بما يكفل حصول الدولة على تعويضات عادلة من المستثمرين على نحو يزيد من إيراداتها ويساعدها على سد العجز فى الموازنة العامة.

 

لا تعديلات جذرية فى علاقة مصر بالاقتصاد العالمى: تتبنى الأغلبية استمرار وتيرة واتجاه حركة التجارة العالمية من وإلى مصر، وتدفق رءوس الأموال الأجنبية بذات الشروط القديمة، وبقاء العلاقات مع المؤسسات المالية العالمية على حالها. هذا ما يوضحه الخطاب السائد لقيادات الجماعة وحزب الحرية والعدالة وأقطاب الهيئة البرلمانية ومفاده أن الآمال معقودة على جذب الاستثمارات الأجنبية لتوليد النمو وخلق فرص العمل. وقد ظهر فى برنامج الرئيس المنتخب محمد مرسى اهتمام كبير بجذب الاستثمارات الأجنبية لتوليد فرص نمو وخلق فرص عمل بالحديث عن اجتذاب مائتى مليار دولار للاقتصاد المصرى. وبغض النظر عن واقعية هذا الرقم فإن ذكره لهذه المسألة فى خضم حملته الانتخابية يوضح قدر التعويل على دور الاستثمار الأجنبى فى تحقيق النمو الاقتصادى. ولا تستند تصورات الإخوان الاقتصادية على إجراء تعديلات جوهرية للعلاقات الرابطة بين مصر والمؤسسات المالية العالمية كصندوق النقد والبنك الدوليين. وهو ما يدل من ناحية على عدم اعتماد الإخوان كوسيلة لإبراز موقفهم من القضايا الاجتماعية على خطاب يراجع أسس العلاقة مع هذه الجهات التى أسهمت فى تشكيل سياسات البلاد المالية والاقتصادية المأزومة فى عقدى مبارك الأخيرين. ويعنى من ناحية أخرى أن الإخوان يقدرون قدر التبعية التى تربط مصر بمثل هذه المؤسسات سواء من حيث الحاجة للاقتراض أو تأكيد ثقة العالم فى الاقتصاد المصرى من خلال التعاون مع مثل هذه المؤسسات. وللمتابع فإن موقف الإخوان من قرض صندوق النقد الأخير محكوم باعتبارات تكتيكية بحتة ولا يتصل بأى موقف مبدئى من الصندوق أو من طبيعة المشروطية المصاحبة للقرض وأثرها على السياسات النقدية والمالية والاقتصادية.

 

●●●

 

ولعله من المناسب التساؤل عن هذه اللاءات، هل ستصنع بالفعل نموذجا تنمويا بديلا، يحقق الطموحات الاقتصادية للجماهير التى خرجت فى يناير 2011 تصدع بمطلب العدالة الاجتماعية والعيش؟

التعليقات