حمدى أحمد - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حمدى أحمد

نشر فى : الإثنين 11 يناير 2016 - 11:10 م | آخر تحديث : الإثنين 11 يناير 2016 - 11:10 م
معظم الأدوار التى قدمها، جاءت تنويعات على شخصية محجوب عبدالدايم، بطل «القاهرة ٣٠» أصلا، هو مولود فى مركز المنشأة بمحافظة سوهاج، فلاح من أسرة مزارعين، نال تعليما فى الكتاب، مما جعله يعرف قواعد اللغة العربية تماما، لكنه ظل طوال عمره، محافظا على قبس من لهجته الريفية، تظهر جلية فى أحاديثه العادية، ويستخدمها بمهارة وبألوانها المتباينة، فى أفلامه، مع نمو واتساع القاهرة خلال الأربعينيات، وانتقل صبيا فى كنف أسرته إلى العاصمة، ليغدو من سكان دائرة بولاق، التى انتخبته نائبا لها فى مجلس الشعب ١٩٧٩.

عقب تخرجه فى معهد الفنون المسرحية ١٩٦١، كان من العسير أن يظهر على الشاشة المنحازة، العامرة بالنجوم اللامعة، ذوى الوجوه البيضاء الوسيمة: رشدى أباظة، أحمد رمزى، يوسف شعبان، والسكندرى عمر الشريف. حمدى أحمد، بلونه الأسمر الداكن، وملامح وجهه المتسمة بصدغين بارزين، وأنف كبير، ويعون فيها من العناء أكثر مما بها من ارتياح، كلها أمور تؤكد أن صاحبها لا يصلح لأداء أدوار روميو، أو الدون جوان، أو الجنتل مان، بالتالى كان عليه الانتظار عدة سنوات، حتى يلتقى صاحب العين الثاقبة، صلاح أبوسيف، الباحث عمن يجسد ذلك النموذج البشرى، الذى يجمع بين الضحية والجلاد، المظلوم والظالم، نتاج روحه الفاسدة من ناحية، ومجتمع وحشى لا يرحم، من ناحية ثانية.
حمدى أحمد، فى تقديرى، وبحكم وعيه السياسى والفنى، كان يبحث عن محجوب عبدالدايم، الفلاح أصلا، الوافد للعاصمة، للدراسة فى الجامعة، عسى أن ينتقل مع أسرته التى تراهن عليه، كى تنتقل معه من حال لحال، مهما كلفها الهدف.
فى المشهد الافتتاحى، يخرج محجوب مع زميليه من باب جامعة القاهرة: على طه «عبدالعزيز مكيوى الثورى، المنتبه، الواثق النظرات.. أحمد بدير، بأداء «عبدالمنعم إبراهيم»، الذى ينفخ فى كفه المضموم، طريقه للدفء، بتوجيهات صلاح أبوسيف الصائبة، واللمسات الإبداعية للممثل الجديد، يسير حمدى أحمد منكس الرأس، كأنه فى جنازة، ينظر إلى الأرض، مهموما، منكسرا، يلف كوفية حول رقبته، تخضى قميصه القديم، وعندما يخرج أصابعه من جيب جاكتته، نرى، كم فانلة بيضاء، مجعدة، مهترأة. هنا، وطوال الفيلم الذى يحفظه الجميع، تتجانس الملابس، مع حركة الممثل، ولفتاته، لتتواءم مع وضعه الاجتماعى، وحالته النفسية. ما من مرة، تعيد فيها مشاهدة الفيلم، إلا ونكتشف إبداعا جديدا، كان خافيا فى المشاهدات السابقة.
بغد أربعة أعوام من «القاهرة ٣٠»، وأربعة أفلام يشارك فيها حمدى أحمد، يلتقطه المخرج العتيد، يوسف شاهين، ليمنحه دورا قويا، فى «الأرض» ١٩٧٠، له علاقة ما بمحجوب عبدالدائم، وهو دور المدرس، محمد أفندى، الفلاح أصلا، الذى نال قسطا من التعليم، المحترم من المظهر، بجلبابه الناصع البياض، ونظارته الطبية، الفاسد فى الداخل، المخادع والمخدوع، يتنازل عن المطلب الجماعى المتعلق بإبعاد طريق القطار عن أرض القرية، بعد أن وعده الباشا الإقطاعى بعدم المساس بأرضه. طبعا، الباشا، لا ينفذ وعده. محجوب عبدالدايم، تخلى عن والده المريض، بكل خسة. ومحمد أفندى، المذعور كالفأر أمام الباشا، يتخلى عن القضية، بلا تردد طويل. إنهما وجهان لعملة واحدة.
فى العام ١٩٨٦، يلتقى حمدى أحمد مع كل من يوسف شاهين، فى «اليوم السادس»، وصلاح أبوسيف، فى «البداية». أحداث «اليوم السادس» تدور فى العام ١٩٤٧، حين انتشر مرض الكوليرا مع الفقر والجهل. حمدى أحمد، طريح الفراش على الأرض، لا يقوى على الحركة أو الكلام، يعبر بوجهه عن عناء الألم واليأس وقلة الحيلة. عيونه، المفرورقة بدموع لا تتساقط، تلخص ببلاعة مأساة الفلاح المصرى.
فناننا، يسترد قواه فى شخصية الفلاح سليم، صاحب الخبرة فى كيفية البقاء على قيد الحياة، برغم عوامل الفناء. فى الواحدة المهجورة، وجد نفسه وحيدا مع مجموعة مسافرين سقطت بهم الطائرة. هو الذى يصعد النخلة ويأتى بالبلح ويقترح إقامة مكان النوم عاليا منع لوصول الحشرات، لكن مشكلته فى الجمل الذى يجعله منساقا لألاعيب الداهية، نبيه بيه «جميل راتب»، فيغدو أحد مخالفه. أداء حمدى أحمد هنا، فى الحركة، واللفتة، واللهجة، والانتقالات الناعمة من الدهشة، إلى المراوغة، إلى التشكك، إلى الاقتناع، إلى الاندفاع، كلها، تثبت أنه من أهم الفلاحين وأصدقهم على الشاشة.
فى آخر أفلامه «صرخة نملة» لسامح عبدالعزيز ٢٠١٢، يودعنا سينمائيا، بدور يكاد يجيب على من قد يسأل: ماذا حدث للوصولى، الانتهازى، بعد عدة عقود من «القاهرة ٣٠» و«الأرض». حمدى أحمد، هنا، والآن، يطالعنا بزيه الريفى، الحريرى، يسكن فيللا بالغة الأناقة، يتحدث بحماس، يتظاهر بالورع والشرف، بينما هو فاسد حتى النخاع، مخاتل، واسع النفوذ، لا يقيم وزنا لمصائر الآخرين. إنه لون متفرد من الفلاحين، ضد الفلاحين، وضد الجميع. رحم الله فناننا المتمكن، البارع.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات