الإسلام السياسى.. الصعود البطىء والهبوط السريع - نبيل عمرو - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام السياسى.. الصعود البطىء والهبوط السريع

نشر فى : الثلاثاء 12 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 مارس 2013 - 8:00 ص

لو بدأنا التأريخ لمسيرة الإسلام السياسى ووصوله إلى سدة الحكم من اليوم الأول الذى فكر فيه المغفور له، حسن البنا، بتأسيس حركة الإخوان المسلمين فإننا نتحدث عن مساحة زمنية تقترب من القرن.

 

وعلى مدى هذه المساحة الزمنية الطويلة لم يكل البنا وأتباعه ولم يملون من الإعداد لمرحلة تاريخية قادمة لا محالة تنقلهم إلى سدة الحكم. كانوا، وهم يدركون سطوة الفكرة القومية على عالمنا العربى وقوة المعبرين عنها سواء فى بعثى العراق وسوريا أو الظاهرة الناصرية فى مصر، كانوا يتصرفون على طريقة النمل، يخزنون حبات الصيف من أجل الشتاء، ويجمعون الأصوات لانتخابات قادمة ويصلون إلى مناطق وشرائح اجتماعية لم يصلها الجنرالات ولا ساسة العواصم والمدن الكبرى، وعلى مدى كفاحهم الدؤوب للتغلغل فى جميع طبقات المجتمع كانوا فى غاية المرونة والاستعداد للتكيف، ولقد قبلوا طائعين أو كارهين اقتسام الحصص مع النظم ضمن قاعدة صارمة وضعتها أجهزة الأمن تحدد الأسقف وحتى الأعداد بل وحتى الدخول والخروج من السجن، كانت مصر فى عهد مبارك نموذجا يجسد هذا الاقتسام. وكانت الأردن فى عهد الحسين النموذج الثانى.

 

لقد قبل الإخوان فى مصر كوتا البرلمان مثلما قبل الإخوان فى الأردن لقب مليشيا النظام لعقود من الزمن.

 

•••

 

حلم الوصول الى سدة الحكم لم يفارق مخيلة ورثة البنا وكان لهم من أجل تحقيق هذا الحلم أكثر من حليف فعال ولكنه من نوع مختلف وأهم الحلفاء هو التذمر الشعبى المتنامى والمستفحل والمتناسب طرديا مع طول أمد النظام أو الرجل الحاكم، حيث تظهر وتستفحل التصدعات والتشققات التى تستدعى دائما من يستغلها ويعضد قوته الكامنة من خلال البراعة فى استخدامها. وثانى الحلفاء هو التوظيف المتقن والمدروس للإسلام فى عملية الحشد الجماهيرى وتكديس الأصوات. ففى مجتمعاتنا عاطفة عميقة للإسلام كدين وتراث وتاريخ، وبالنسبة للمواطن العادى هيهات أن يفرق بين العاطفة والحسابات بين دين الله وأجندات العباد المعلنة والمضمرة. فما أن يصل المواطن إلى صندوق الاقتراع فإنه يكون قد أعد للوقوف بين حدين حاسمين الإسلام أو الاخر.

 

وهنا أستذكر ما حدث عندنا فى فلسطين حين فازت حماس فى الانتخابات بصورة كاسحة إذ تجسد الحليفان المشار إليهما وتضافرا فسقطت فتح بفعل طول أمد الحكم ونجحت حماس بفعل إتقان جذب العواطف الدينية. سقطت فتح حين كان رمزها الانتخابى زهرة عباد الشمس، ونجحت حماس حين كان رمزها الانتخابى قبة الصخرة. لقد حصدت هذه المفارقات الرمزية أصواتا إضافية لحماس ربما كانت أحد عوامل الترجيح نحو الفوز.

 

تغير العالم، سقطت الشيوعية ونظامها المركزى الاستبدادى فى القلعة الأولى، الاتحاد السوفيتى، ذلك بعد سقوط القلاع الصغيرة والتى كانت تسمى دول المنظومة الاشتراكية.

 

وسقطت الفكرة القومية «وإن بصورة ابطأ» من خلال فشل الحاكمين باسمها ورموزها ومتسلقيها، وضباطها اصحاب بيانات الانقلابات العسكرية وملاحم الشعارات القومية غير القابلة للتحقق.

 

وانفتح المجال على طريقة عوامل التعرية الطبيعية فإذا بالإخوان المسلمين – كأبرز عنوان للإسلام السياسي- يكونوا أول المستفيدين من عوامل التعرية هذه وبلمح البصر انتقلوا من المواقع النائية والسجون المظلمة والزوايا المخفية فى المجتمعات المكتظة بالأصوات إلى سدة الحكم عبر آليات غاية فى العصرية الشكلية والتخلف الجوهرى!!

 

انتقل إسماعيل هنية وصحبه فى غزة، من السجن وغرف التحقيق الى رئاسة الوزراء وأجهزة الحكم.

 

وحدث الشىء ذاته مع الإخوان فى مصر فانتقل محمد مرسى كذلك الى القصر الجمهور. ولكن أين؟ فى مصر التى هى ليست مجرد دولة ونظام، وإنما هى بالضبط قدر تحديد المسارات والاتجاهات فى العالم العربى والإسلامى.

 

•••

 

لقد غالب الإخوان نوازعهم العميقة فى أمر السلطة حين أعلنوا من غزة ــ وهو أول مكان وصلوا إلى سدة الحكم فيه عبر آليات القرن الحادى والعشرين ــ بأنهم سيتشاركون مع كل الفعاليات الوطنية لبناء نظام على أنقاض نظام فتح «طويل الأمد والاحتكارى»، فانتهى الأمر بهم إلى تشكيل حكومة حمساوية بنسبة مائة بالمائة. وحين وصلت البلاد إلى حافة الحرب الأهلية وجه الملك السعودى دعوة الى فتح وحماس للقاء والمصالحة فى رحاب الكعبة. استجابت حماس واضطرت لمشاركة فتح فى حكومة سميت بحكومة الوحدة الوطنية، لم تعمر هذه الحكومة المشتركة سوى أشهر قليلة لينتهى أمرها بانقلاب اسمته حماس بالحسم المسلح أعادها إلى السلطة المطلقة فى غزة وموضوعيا حظيت فتح وحلفاءها بذات السلطة فى الضفة.

 

والأمر ذاته وفى المنحى العام يحدث بصورة أو بأخرى فى مصر وتونس، حيث أفضل الكلمات والصيغ النظرية للمشاركة واظهار مأثرة نكران الذات وحين تبدأ العجلة بالدوران تتغلب نوازع الحكم والتحكم على وعود اللغة فإذا بنا نشهد بعد «حمسنة» غزة محاولة «أخونة» مصر. وليس بعيدا عن المنحى ذاته ما يحدث فى تونس ولعلنا لم نكن بحاجة إلى أبو يعرب المرزوقى ليقول لنا كيف حكم الإسلاميون فى تونس وأبو اليعرب كان واحدا منهم إن لم يكن فيلسوفهم الأول لقد قال المرزوقى أجرأ ما يمكن أن يقال فى حكم الإسلاميين «عملية غزو يرد الفساد بمثله».

 

لو قرأنا سيرة الإخوان فى مصر وفلسطين وسيرة النهضة فى تونس لشعرنا بالانبهار أمام العبقرية التى تميز بها حسن البنا واحمد ياسين والغنوشى، فى التأسيس والبحث عن الفاعلية والنفوذ بدرجة عالية من البرغماتية،  فلقد ألغوا جميعا الحدود والسدود مع النقيض حين الحاجة واقاموا الصلات مع النظم القائمة فى معظم الظروف، وكان ذلك بعيدا عن المبدئية فى تحديد السياسات ومغرقا فى البراغماتية فى السلوك والأداء.

 

لم يكن الإخوان وحدهم من يفعل ذلك فى عالمنا العربى لقد فعلتها نظم تدثرت بالقومية والوطنية والتقدمية وكأن الله خلق للعرب نوعا من الفيروسات لا يصيب إلا هم. وهو ذلك المعتقد اليقينى بأن لأى نظام عربى رسالة مركزية، هى الحفاظ على بقاءه فى السلطة  ومن أجل ذلك كل شيء مباح ولا خطوط حمراء على أى سياسة تتبع لهذه الغاية.

 

 ألم يفسر نظام البعث فى سورية «حزيران/يونيو 67» ، بأن سقوط الجولان يهون أمام احتفاظ الحزب بالسلطة، وإن كل ما تم لم يكن إلا من أجل إسقاط البعث وإبعاده عن الحكم فى سورية.

 

كان من قبيل السذاجة تخيل أن الإخوان المسلمين وهم عرب أقحاح يمكن أن يكونوا محصنين من فيروس التشبث بالسلطة أو أنهم سيقبلون شراكة متوازنة ولا أقول متساوية مع الآخرين فهم من ذات الطينة التى أنجبت سابقيهم من النظم التى اضطهدتهم واضطهدت معهم باقى خلق الله، سوى أن آيات الذكر الحكيم لها وقع أقوى وأعمق من أغانى صلاح جاهين والشيخ إمام.

 

•••

 

على نحو مبكر بدأت عملية الهبوط التدريجى للطائرة المختطفة بالظهور كانت مليونية غزة واحدة من هذه الظواهر لم تكن مليونية حنين للسلطة السابقة هناك التى فتحت الأبواب على مصاريعها لحماس كى تحكم بأقل قدر من الجهد المباشر وبصورة تلقائية وحتمية.

 

هى ليست كذلك فهى بالضبط مجموع من يعترضون على حكم حماس وطريقتها فى معالجة الملفات السياسية والاقتصادية والوطنية والاجتماعية.

 

 كان يمكن لحماس أن لا تعترف بذلك لو أنها لم تخض حربا شرسة ضد المليونية قبل انطلاقها.

 

وحين استشهد بحماس كنموذج فإن ما يجرى فى مصر وتونس يجسد نماذج مماثلة. لقد حفر الإسلام السياسى صخر الواقع الصلب بالأظافر وعلى مدى يقل قليلا عن قرن وصل إلى سدة الحكم فى أهم دولة عربية بل واحدة من أهم الدول المفصلية فى العالم هى مصر، وبفعل الولع بالاستحواذ مع انعدام الخبرة تتضح معادلة النهاية وصول بطىء وهبوط سريع وفى أمر كهذا لا تحسب الأمور بالأيام والشهور وإنما بالخلاصات المنطقية والحتمية.

 

 

 

سفير فلسطين السابق فى مصر وقيادى فى حركة فتح

التعليقات