خليل مرسى - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:28 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

خليل مرسى

نشر فى : الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 أغسطس 2014 - 8:00 ص

عرفته منذ عدة عقود.. التقيت به لأول مرة فى إحدى صالات مركز شباب الجزيرة أيام كانت تلك المراكز تشغى بالحركة المسرحية هو مخرج الفرقة، لفت نظرى حديثه مع الأعضاء عن سعد الله ونوس ومحمد الماغوط وممدوح عدوان أخذ يقرأ مقاطع من «كاسك يا وطنى»، محللا مغزاها السياسى مبرزا عوامل القوة فى تلك المسرحية، التى تتمرد على القوالب التقليدية حينها كان انتهى من دراسته فى كلية الزراعة والتحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية كلامه الممتع المتفهم عن كيفية أداء «كاسك يا وطن» لم يشغلنى عن حضوره الشخصى الحاد بملامح وجهه الشديدة الوضوح المغرقة فى مصريتها ابتداء من لون بشرته السمراء كأنه قادم من الجنوب القاسى، جبهة عريضة تنم عن ذكاء واضح، أنف ضخم متماسك يذكرك بأنف الصقر تحته فم صغير شفته العليا حادة عى نحو صارم، والأهم عيون نافذة النظرات تعبر بجلاء عما يدور فى أغوار صاحبها، خاصة حين يكون منفعلا بالغضب أو التحدى.

شارك خليل مرسى بفاعلية فى عشرات الأعمال السينمائية والمسرحية والتليفزيونية لم يحظَ بالبطولة، وأحيانا تسند له أدوار هامشية، لكن فى كل الأحوال يمنح الأعمال التى يظهر فيها توهجا ومذاقا خاصا بفضل ما يتمتع به من قوة الحضور الطبيعى وعمقه، فضلا عن طريقة أدائه المتميزة القائمة على استيعاب للشخصيات التى يؤديها، متعايشا معها فى عموميتها وخصوصيتها.. خذ مثلا دوره فى «لن أعيش فى جلباب أبى»، حيث يتوافق تماما مع الملابس التى يرتديها طاقية ولاسة على الرأس، كوفية حول الرقبة، بالطو أصفر أقصر من الجلباب يتحرك كأنه عاش طوال عمره فى وكالة البلح بهذا الزى بالإضافة لشارب كث يملأ المساحة من أنفه وشفتيه، ولأنه لا يكاد يغادر محل الروبابكيا إلى المقهى القريب فإن حركته بطيئة قصيرة الخطوات مركز نشاطه الجسمانى يتجلى فى ذراعيه، يده تمتد لتمسك بهذه القطعة الحديد أو تلك، وعندما يرفع كفه بالتحية فإن أصابعه تتباعد عن بعضها البعض، اسمه فى المسلسل «الريس مرسى» يهيمن على محل «المعلم سردينة» عبدالرحمن أبوزهرة، ويدرك بحسه المدرك أن الوافد الجديد «عبدالغفور البرعى» نور الشريف الذكى الطموح المخلص يمثل خطورة، وبالضرورة يناصبه العداء عندئذ تنطلق من عينيه الواسعتين موجات كراهية لا تتوقف محملة بالشر يمارسه بلا تردد بالصدام المباشر تارة، والتآمر الدنىء تارات أخرى.. إنه من أجمل أدواره.

قدم خليل مرسى العديد من أدوار الشر، وهو فى هذه المنطقة يعتبر نسيجا وحده، وربما بسبب قوة شخصيته الطبيعية لم يطالعنا كأحد الأفراد فى عصابة فهو ليس توفيق الدقن أو رياض القصبجى أو حسن حامد وليس رئيس عصابة على طريقة النجم الشعبى فريد شوقى أو الارستقراطى استيفان روستى ثم جميل راتب إنه مفردة قائمة بذاتها يعطى للعمل معنى حتى لو جاء دوره قصيرا فى فيلم «أقوى الرجال» لأحمد السبعاوى 1993 المأخوذ عن مسرحية «وحش طوروسى» للكاتب التركى الكبير عزيز نيسين يظهر الظن الناس أنه المجرم العتيد، وبالتالى يقدمون له الإتاوات، ويكاد المجرم المزيف نور الشريف أن يصدق أوهام الناس إلى أن تأتى لحظة الحقيقة، حين يلتقى بالوحش الحقيقى خليل مرسى الراسخ الواثق فى قدراته الهادئ الجالس داخل مغارة كما لو أنه قنبلة من الممكن أن تنفجر فى أى لحظة، وها هو المزيف يكاد يهذى من فرط الذعر.

خليل مرسى تماما مثل الملح يمنح الأعمال التى يتراءى فيها مذاقا لا يتأتى إلا بحضوره بما فى ذلك المسلسلات التاريخية سواء أطلق اللحية أو ارتدى الجلباب، مثل «صدق وعده» و«هارون» أو التى وضع على رأسه طربوش مرتديا البذلات الكاملة، مجسدا قورة الإرادة ورحابة الحكمة، حين يجسد سعد زغلول فى «مشرفة.. رجل لهذا الزمان» أو رئيس الوزراء على ماهر فى «ملكة فى المنفى».. رحم الله خليل مرسى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات