تحت رمال بابل - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تحت رمال بابل

نشر فى : الثلاثاء 12 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 12 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

فى فيلمه السابق «ابن بابل» 2010، يصحبنا المخرج العراقى، المثير للجدل، محمد الدراجى، فى رحلة طويلة، قاسية، من أقصى البلاد لأقصاها، تقوم بها سيدة عجوز، تبحث عن ابنها المفقود منذ حرب الخليج 1991، ومعها حفيدها الصبى.. الفيلم، ينتمى إلى «سينما الطريق»، حيث اكتشاف الواقع، والحياة، والنماذج البشرية، أثناء الانتقال من مكان لمكان. تبدأ الأحداث عقب الغزو الأمريكى، البريطانى، عام 2003، بعدة أسابيع.. خلال المشوار المضنى، تتوالى مشاهد المقابر الجماعية المكتشفة وحولها نساء متشحات بالسواد، يلطمن ويولولن، وعبثا تحاول أن تجد أثرا للقوات البريطانية، أو الأمريكية، اللهم فى مشهد عابر، خجول، مسالم، حيث يتولى جنود العم سام تفتيش إحدى العربات.. وحتى حين وصلت القافلة التعيسة، الجدة والحفيد، إلى بابل، تحاشى الدراجى رصد آثارها المدمرة، ولم يلتفت إلى معسكرات الاحتلال الأمريكى، وبالضرورة، جاء السؤال التالى: هل تستر مخرجنا الشاطر على جرائم الغزاة، هاربا إلى هجاء نظام بائد، مراعيا إرضاء بريطانيا، المشاركة فى الإنتاج؟

الإجابة تأتينا من قبل فيلمه الجديد، المفتعل، السخيف «تحت رمال بغداد»، الذى، فيما يبدو، أبهر، بألاعيبه الشكلية، أعضاء لجنة تحكيم مهرجان أبوظبى السينمائى، فمنحوه جائزة أفضل فيلم عربى، وبذلك حاز ثلاثة أو أربعة أفلام محدودة القيمة.

جاء «تحت رمال بغداد» بعد عشر سنوات من الاحتلال، يتعمد ألا يشير لها، أو أن يتعرض لما جرى ويجرى فى الواقع، ذلك أنه يرقد للماضى، ليتابع، على نحو سقيم، رحلة البحث عن المفقود الذى بحثت عنه والدته وابنه فيما سبق، وسيلته فى هذا ثلاثة رجال من الذين أنقذوا من حكم إعدام، يقال انهم حقيقيون، يسردون شهاداتهم، بأصوات تتهدج بالبكاء.. وهى مشاهدات متكررة، تؤكد ما هو مؤكد فعلا: نظام صدام حسين كان دمويا، بشعا، ودفن أربعمائة ألف مواطن، فى مقابر جماعية، تحت رمال بابل.

تخفيفا لوطأة ما نراه على الشاشة، يتعمد المخرج تصوير آفاق الصحراء الممتدة بلا حدود، وقرص الشمس الذى يظهر مختنقا برمال متصاعدة، وهى جماليات شكلية أقرب للكليشيهات.. أما عن جسم الفيلم فإنه مجرد سلخانة، تتكرر فيها عمليات التعذيب البدائى بوتيرة واحدة، فوحدات الجيش الخاصة تعتقل الجنود المنسحبين من حرب الكويت، ومعهم من يشتبه فى انخراطه مع المنتفضين عام 1991.. وداخل ما يشبه الجراجات، يتزاحم مئات السجناء بلا محاكمة، وفجأة، تفتح عليهم الأبواب الحديدية ليتحول المكان إلى حمام دم.. جنود يندفعون كالوحش لينهالوا ضربا، بالهراوات، على أبرياء لم تثبت إدانتهم.. ويصل الفيلم إلى حد الابتذال، فى موقف شديد التدنى، مغرض، متورم بالتجنى، حين يقوم ضابط، من النظام، بفك أزرار بنطاله، كى يتهيأ لاغتصاب أحد المعتقلين، يقال انه يدرس الحقوق.

وسط هذه الأجواء الكئيبة، الخانقة، تطالعنا شذرة من خطاب بوش الأب، وهو يتحدث عن حق الشعب العراقى فى الحرية والعدالة.. ولأن العكروت، الدراجى، لم يتعرض إلى ما فعله بوش، لاحقا، بالعراق، فإن الرئيس الأمريكى، بدا فى الفيلم، وكأنه طوق النجاة الوحيد، المتاح.. وهذا أسوأ ما يمكن أن تقدمه السينما، للناس.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات