الندم - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 12:17 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الندم

نشر فى : الخميس 14 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 14 مارس 2013 - 8:00 ص

هو الإدراك المؤلم الذى يأتى بعد فوات الأوان. إنه لحظة التنوير الفاجعة، حين يكتشف المرء أنه ساهم فى تدمير نفسه، سواء بإرادته أو بسبب غفلته.. الندم، يتضمن إحساسا عنيفا بالذنب، يتطلب عقابا ذاتيا، قد يصل إلى حد فقء العينين، كما فعل «أوديب»، عند الكاتب اليونانى سوفكليس، ٤٩٦ ــ ٤٠٥ ق.م، بعدما عرف بما اقترفه من جرم هائل: قتل الأب والزواج من الأم.

 

توالت الشخصيات التراجيدية، ووجدت مجالها الواسع، بأشرارها وأخيارها، عند وليم شكسبير، فها هى الليدى ماكبث، عقب مشاركتها فى قتل الملك دنكان، تقع فى قبضة الندم، فتحس أن الدم المراق لا يغادر كفيها، وتغدو فريسة الهواجس وتكاد تقترب من دوائر الجنون.. كانت شريرة، بينما جاء الملك لير بمزيج من الطيبة والحماقة، قسم المملكة ووزعها على بناته، واكتشف أنه تنازل عن سلطته وقوته ونفوذه، وأصبح هائما خارج قصوره، يعيش نهبا للندم.

 

النادمون، انتقلوا من المسرح إلى الرواية، ومنهما إلى شاشات السينما، الأجنبية والمصرية، الروائية والتسجيلية، مع تنوع فى وسائل التعبير عن الندم، الدموع، العض على أطراف أو جوانب الأصبع، لطم الوجه، شد الشعر، ضرب الرأس فى الحائط.

 

طريقة إيذاء الذات، تتوقف على مدى الإحساس بالندم، وثقافة الشخص، وطباعه، والتقاليد التى تختلف من مجتمع لآخر، بالإضافة لدوافع الندم.. فى الفترة الأخيرة، واقعيا شهد بر مصر لأسباب سياسية موجة من الندم، فبعض المثقفين، ممن انتخبوا محمد مرسى، فى نوبة من الطيش، وعدم إدراك مغبة الأمور، وجدوا فى تقديم الاعتذار، المرة تلو المرة، للشعب المصرى، نوعا من التنفيس عن الإحساس الضمنى بسوء الاختيار ــ حمدى قنديل نموذجا ــ فالإعلامى المرموق، مثل كثير من النادمين، يخفف الوطأ على نفسه، بقوله إنه تعرض لخديعة يوم ساند الرئيس، وإنه لم يكن يتوقع كل هذا القدر من الخيبة والفشل.. وثمة من عصر ليمونا على نفسه يوم انحيازه لمرسى ضد الجنرال أحمد شفيق، وإلى جانب الندم، يرى حسب رؤية بلال فضل ــ أن عاصرى الليمون، الآن، يقفون بقوة، ضد استبداد محمد مرسى.

 

تباينت درجات الندم، واختلفت طريقة التعبير عنه، لكن لا أظن أنى شاهدت على خشبة المسرح، أو فى الأفلام الروائية والتسجيلية، ما يفوق ذلك المشهد الوثائقى، صدقا وتأثيرا: وسط إحدى جنازات شاب شهيد ــ وما أكثرها ــ ترصد كاميرا محمول سيدة مصرية، شعبية، خمسينية، ترتدى جلبابا أسود، تضع على رأسها طرحة تلتف حول وجهها، بدينة، جسمها قوى، راسخ، تذكرك بمتانة شجرة الكافور وثبات جذور شجرة الجزورينة.. لا علاقة بينها والشهيد، فهى ليست والدته أو خالته أو عمته، ولكنها، مثل ملايين الأمهات المصريات، يشعرن أنهن أمهات كل الشباب، الواضح أن كبدها تفتت لوعة على من أزهقت أرواحهم وسالت دماؤهم على أسفلت الميادين.. وبلا تردد ترفع حذاءها «البلاستيك»، قليل الثمن، من النوع الذى يباع على عربات اليد، لتضرب به رأسها ضربات قاسية، متوالية، وتردد بصوت مشروخ، مترع بالحزن والغضب، عبارات الندم لأنها انتخبت محمد مرسى، وكأنها بهذا الاختيار، شاركت دون أن تدرى، فى سلسلة الاغتيالات.. ومع الألم، تقطع وعدا بأنها، والأخريات لن تترك الأمور تسير على هذا النحو.. إنه الندم النبيل، على الطريقة المصرية.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات