السياسة كفيلم سينما - أحمد عبدربه - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة كفيلم سينما

نشر فى : الأحد 15 يونيو 2014 - 7:10 ص | آخر تحديث : الأحد 15 يونيو 2014 - 7:10 ص

نظرا لأنها ليست بالضرورة أيام جيدة بالنسبة لى ولكثيرين مثلى، جلست لمراجعة أحداث ثلاثة أعوام ونصف منذ يناير ٢٠١١، فوجدتها مثل فيلم سينما متعدد الكوادر لكنه يحوى أربعة مشاهد رئيسية تم تصويرها بالفعل ومشهدين لم يتم تصويرهما بعد لخلاف بين المخرج والمؤلف على التفاصيل!

المشهد الأول:

يقف البطل العجوز مغترا بحكمه مستهزئا بمعارضيه «خليهم يتسلوا»، لم يدرك أنه منعزل وأنه أصبح مجرد رقم ثقيل فى معادلة سياسية معقدة بين أجهزة سيادية وشبكات مصالح انتهازية وأسرة ملكية وشعب منهك. ينهار قائد الجيران فيعطى أملا لتحريك المياه الراكدة فى بحيرة الوطن، يتحرك الشباب من كل التيارات لحسم المعادلة، بعض الأجهزة أبدت ترحيبا بما يحدث لتقليم أظافر القائد الكهل، لكن فجأة تخرج الأمور عن السيطرة، بعد أن انضمت الجماعة ذات الخصومة التاريخية ضد الأجهزة للمعادلة، تنقلب الأمور رأسا على عقب ولا يجد القائد الكهل بدا عن التنحى.

المشهد الثانى:

القائد تنحى، صحيح أنها كانت رغبة الجميع، الشعب، الشباب، الأجهزة، والجماعة، لكن التوقيت كان مفاجئا للجميع أيضا، الفراغ كبير، والبيت يجب إعادة ترتيبه سريعا، تتحرك الأجهزة رغم إنهاكها فى كل اتجاه لإقناع الشعب أن مطالبه تحققت وأنه حانت ساعة العمل، ولإقناع الشباب أن مطالبهم تحققت وأنه حانت ساعة تنظيف الميادين، ولإقناع الجماعة أن لحظة التفاوض قد حانت، يستجيب الجميع فى سذاجة يحسدون عليها، وتبدأ المسارات المختلفة تسير كما كان مخططا، صحيح كان هناك موجات هبوط وصعود لأن الكهول يسيطرون على مراكز صنع القرار عند جميع الأطراف، لكن فى النهاية تم الاتفاق مع الجميع بنجاح منقطع النظير، غادر الشباب الميادين وتشرذموا بين مشاهير ونشطاء ومناضلين وسياسيين، انصرفت الجماعة للصفقة المنتظرة وحصلوا على قطع متناثرة من الكعك، حاول عواجيز الفرح من كل الاتجاهات الحصول على أكبر قدر من المكاسب المتوقعة، وراحت الأجهزة تعيد ترتيب البيت.

المشهد الثالث:

حانت لحظة انتخابات استبدال الكرسى الشاغر، تحمس الجميع، رجل واحد انسحب من المشهد بأسره لاعتراضه على قواعد اللعب المغلوطة لأنه أدرك مبكرا الصفقة المرتبة بين الجماعة والأجهزة، مرت الجولة الأولى بلا مفاجأت إلا للحالمين، رجل الأجهزة فى مواجهة رجل الجماعة، اقتسما الشارع تقريبا، أعلنت النتيجة بفارق ضئيل لمرشح الجماعة البائس بعد أن راهن عليه بعض الشباب والقوى الثورية والليبرالية اعتقادا منه أن جماعته تعلمت دروس المشاهد الفائتة، لكن هيهات فالجماعة واصلت بؤسا مختلطا بانتهازية وسذاجة هكذا فى خلطة سحرية، واصل الرجل الجديد تخبطه، أدرك الجميع أنه راحل قريبا إلا هو وجماعته حتى كانت لحظة السقوط مدوية ومؤلمة للجماعة التى عجزت أن ترى الواقع أو أن تقرأ التاريخ.

المشهد الرابع:

اقتربت الأجهزة من إعادة ترتيب البيت، تخلصت من البؤساء السذج، لكن تبقت مجموعة القوى الثورية والليبرالية التى تحمس معظمها للحظة التخلص من الجماعة، لكن هذا المشهد كان سهلا إخراجه، فهذه القوى جميعا وعلى عكس الجماعة بلا تنظيم ولا قدرات على الحشد، تم استدعاء قادة هذه القوى وحصلوا على المناصب المؤثرة (أو هكذا اعتقدوا واعتقد جمهورهم)، بالتوازى كان يتم إعداد الرجل القوى للمشهد، لم ينتبه الكثيرون، الرجل أكد أنه ليس طامحا فى السلطة وأنه قام بدوره الوطنى فحسب، وبدأ العد التنازلى، التخلص من نائب الرئيس المؤقت بسهولة وعنف (وهو نفسه الرجل الذى كان قد رفض المشاركة فى المشهد الثالث ويالسخرية القدر)، ثم تم التخلص من باقى الرجال تدريجيا وبهدوء وحسم، حانت اللحظة الحاسمة، عفوا لم تكن حاسمة بل كانت محسومة وبقت بعض الرتوش، تطوع البعض لتأدية الدور المرسوم، فاز الرجل الجديد غير الطامح للسلطة بالمنصب بتأييد شعبى واضح، وخرست ألسنة الجميع فقد أدركوا حجمهم فى الشارع!

المشهد الخامس:

يأتى الرجل القوى بأجندة واضحة لاستعادة الدولة وترتيب البيت من الداخل، يقسو على جميع المخالفين والمعارضين والممانعين، ولكنه يحنو على الشعب (أو هكذا يبدو)، يفوت القائد الجديد أن يقرأ التاريخ والواقع الحالى جيدا، فالأرض منقسمة عكس ما تبدو على الشاشات والنار تحت الرماد، والظروف التاريخية مختلفة ولا يمكن أن تسمح بتكرار قواعد لعب قديم، والأجهزة التى تعاونه فى إعادة ترتيب البيت مختلفة الرؤى والمصالح إلى حد التصارع أحيانا وعليه فى النهاية مهما حاول المقاومة أن ينحاز للبعض دون الآخر فتنتهى سريعا فترة الاستقرار الحالمة ونبدأ موجات جديدة من الصعود والهبوط.

المشهد السادس (لم يصور بعد):

تزداد موجات الصعود والهبوط على مدى الشهور والسنوات، ويقرر القائد الحسم بالقسوة والعنف أحيانا لفرض هيبة الدولة، لكن فى كل مرة يقرر الحسم لا يأتى الأخير بالنتائج المرجوة لأنه لم يقرر قراءة الواقع بعمق منذ البداية لإدراك التناقضات، تتدافع موجات الهبوط والصعود مع ضغوط إقليمية ودولية لتسديد الفواتير! ينادى البعض للمرة الأولى القائد بأن يغادر المشهد، فيرد بمزيد من القسوة وهنا يقف المخرج والمؤلف والمشاهد حائرين كيف نكتب مشهد النهاية؟ هل نجعل القائد يتنحى بشكل دراماتيكى عنيف؟ وإذا تم المشهد بهذا الشكل فمن يكون أبطال المشهد السابع؟ الجماعة التى ستعود أكثر عنف ورغبة فى الانتقام؟ أم الشباب المحبط غير الجاهز بأى مشروع حقيقى لتقديم بدائل؟ أم نستعين بكومبارس لتأدية دور القائد الجديد؟ أم نقدم رجلا أقوى من داخل الأجهزة؟ الخلاف يطول بين الجميع على نهاية هذا المشهد، وأمام الحيرة يختار الجميع الخيار الأمن..النهاية المفتوحة!

أحمد عبدربه مدير برنامج التعاون الدبلوماسي الأمريكي الياباني، وأستاذ مساعد العلاقات الدولية بجامعة دنفر.