الجانب الآخر - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 10:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الجانب الآخر

نشر فى : الأربعاء 17 يوليه 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 17 يوليه 2013 - 8:00 ص

بصرف النظر عن الموقف السياسى من المتظاهرين عند رابعة العدوية، وبعيدا عن المشاهد التى تضخم أو تقلل من أعدادهم، ثمة الجانب الآخر، المتعلق بالبشر، الذى تتجاهله وسائل الإعلام، سواء التى مع أو ضد، والتى تنتظر المخرج التسجيلى، الوطنى، الإنسانى، كى يوثقها، ويبرزها، ويبدى وجهة نظره فيها، أيا كانت وجهة النظر.

 

الشوارع الجانبية فى المنطقة الأولى بمدينة نصر، خلف جامع ومستشفى رابعة العدوية، أقرب إلى المتاهة، تشبه، فى تفريعاتها الغامضة، بعض أجزاء المعادى والزمالك، لابد أن يكون المرء خبيرا فى جغرافيتها، حتى يعرف مداخلها ومخارجها، لذلك فإن عددا كبيرا من المتظاهرين، خاصة القادمين من الأقاليم، يتحاشون مغامرة السير فيها، ويكتفون بالتحرك فى الشوارع الطولية، حيث يظل مكان التجمع فى مرمى النظر.. ويتسم الشارع الممتد خلف رابعة، الموصل إلى شارع عباس العقاد، بالهدوء صباحا والصخب ليلا. السكان، بلا ضوضاء، يذهبون إلى عملهم فى الساعات الأولى من النهار، وبسبب المطاعم الأنيقة التى أعيد فتحها عقب ثورة يناير ٢٠١١، ازدحم المكان بالرواد والسيارات ودخان النراجيل.. لكن، خلال أيام الاعتصام، اختلفت الأمور. أمسى الشارع هادئا ليلا، لان أحدا لا يأتى للمقاهى الفاخرة. أما فى الصباح فإن تفاصيل جديدة تبدو للعيان: طابور طويل من الرجال، آثار الانهاك بادية على وجوههم، بعضهم يمسك بفوط. آخرون يحملون زجاجات مياه بلاستيكية فارغة، يقفون أمام دورة مياه زاوية صلاة صغيرة، أسفل إحدى العمارات، بها ثلاث حنفيات ومرحاض واحد.. صحيح، منظمو الاعتصام، مشكورين، أقاموا عشرات التواليتات، لكن لا تكفى لعدة آلاف، وهذا ما يفسر رائحة النشادر المتخلفة من بول المحصورين، الذين يضطرون، معذورين، لفك حصرهم عند الجدران، بجانب الحوائط.

 

على ناصية رابعة، كشك جرائد تعود السكان على شراء الصحف منه.. عند المداخل المفضية له يقف شباب لجان شعبية، تطلب، بأدب وحسم، الاطلاع على بطاقة هوية العابرين، ثم، بأدب وخجل، يقوم أحدهم بالتفتيش، بالاطلاع على ما فى الحقيبة، وتمرير الكفين على الجسم. طبعا، هناك، من الأهالى، من يرفض التفتيش، ويستغنى عن الصحف، وإذا وافق وعبر، فإنه سيرى مشهدا مقبضا: خيام صغيرة، مهترئة، رمادية اللون بفعل الأتربة، أكوام من قشر التين الشوكى والذرة، رجال فى نوم عميق، بجوار بعضهم بعضا، على الرصيف المكتظ.. للحظة، تحس أنك فى بنجلاديش أو إزاء لاجئين، تعرضت قريتهم الهندية لكارثة طبيعية. بعد أيام، أغلق كشك الجرائد.

 

بعيدا عن الشائعات التى لا أحد يعرف مدى صحتها، والتى تزعم أن حمامات الجامع والمستشفى، مقصورة على أصحاب الشأن فقط، أو التى تدعى أنه جرى اقناع الوافدين فى الأقاليم ان الطائرات صورتهم، فردا فردا، وتعرفت على مكان اقامتهم، وسيتم القبض عليهم، حين عودتهم لديارهم.. فربما الأخطر، هو ما يقال عن ظهور حالات إصابة بالجرب، وسواء كان هذا القول صحيحا أم لا، فإن نقص المياه، والمبيت فى العراء، وعدم الاستحمام، كلها أمور تنذر بالسوء، وتضىء أمامنا، جميعا، إشارات حمراء، فالوباء إذا جاء لن يفرق بين من يحبون أو يكرهون مرسى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات