مراجعة سياسة أوروبا فى المتوسط: دور عربى مطلوب - محمد أنيس سالم - بوابة الشروق
السبت 11 مايو 2024 4:26 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مراجعة سياسة أوروبا فى المتوسط: دور عربى مطلوب

نشر فى : الإثنين 17 أغسطس 2015 - 5:30 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 أغسطس 2015 - 5:30 ص

تشهد الشهور القادمة بلورة سياسة أوروبية جديدة تجاه دول المتوسط. ورغم أهمية الموضوع إلا أنه لم يلق الاهتمام المطلوب عربيا سواء على المستوى الرسمى أو الإعلامى أو على مستوى المجتمع المدنى والمراكز الفكرية. ما هى خلفيات هذا الحدث؟ وما هى الأسباب التى دفعت لهذه المراجعة؟ وما هى أهم الأفكار المطروحة من الجانب الأوروبى؟ وما هى البدائل؟

الاتحاد الأوروبى والمتوسط

تنص المادة 8 (أ) من معاهدة الاتحاد الأوروبى على النية لإقامة «علاقات خاصة» مع الدول المجاورة بهدف إنشاء «منطقة ازدهار وحسن جوار» على أساس قيم الاتحاد (الأوروبى) على أن «تتميز بالعلاقات الجيدة والسلمية القائمة على التعاون». وهكذا أطلق الاتحاد الأوروبى عام 2003 سياسة الجوار European Neighborhood Policy بهدف توثيق العلاقات مع دول شرق أوروبا وجنوب وشرق المتوسط.
وقد تبلور رأى أوروبى قوى بأن هذه السياسة قد فشلت وجاء وقت استبدالها بإطار آخر. أربعة عوامل تدفع فى هذا الاتجاه:
1) التغيرات العميقة على المسرح المتوسطى: سقوط نظم حكم، ثورات، حروب أهلية، موجات هجرة غير رسمية، كلها تشير إلى أن المتوسط هو أقل استقرارا الآن مما كان عليه منذ عشر سنوات، وهو أبعد ما يكون عن «الازدهار وحسن الجوار».
2) عدم نجاح محاولة سياسة الجوار فى التعبير عن توجهات مشتركة تنظم علاقة الاتحاد الأوروبى فى آن واحد مع شرق أوروبا من جانب ومع جنوب المتوسط من جانب آخر (أزمة أوكرانيا وارتباطها بالعلاقة مع موسكو وطبيعة تطلعات شرق أوروبا تجاه الاتحاد الأوروبى التى تختلف جذريا عن وضع العلاقة مع الجنوب).
3) عدم تحقق التغيرات الهيكلية العميقة التى استهدفتها سياسة الجوار الأوروبى فى دول الجنوب (النمو الاقتصادى والاجتماعى، الإصلاح العميق، التحرك نحو الديمقراطية، تعزيز حقوق الإنسان..إلخ).
4) تولى فريق جديد إدارة الأمانة العامة للاتحاد الأوروبى (الرئيس «يونكر» والممثل الأعلى للشئون الخارجية وسياسة الأمن «موجرينى») حيث أدرجت مراجعة سياسة الجوار ضمن الأولويات العشرة للفريق الجديد.

النقد الأوروبى لسياسة الجوار

يمكن إجمال أهم المآخذ الأوروبية على سياسة الجوار فيما يتعلق بدول جنوب المتوسط فيما يلى:
1) عدم وضوح الأهداف بعيدة المدى لسياسة الجوار.
2) إن النطاق الجغرافى لسياسة الجوار يستبعد أطرافا مؤثرة فى المنطقة (مثل العراق وإيران والخليج مثلا).
3) الحوافز التى يقدمها الاتحاد الأوروبى غير كافية لتشجيع دول الجنوب على العمل لتحقيق الأهداف المطلوبة.
4) عدم تمكن الاتحاد الأوروبى من الإسهام فى علاج أى من المشكلات السياسية فى الجنوب (القضية الفلسطينية، الصحراء الغربية، إلخ).
اتجاهات التغيير
أهم الأطروحات الأوروبية الجديدة التى تستهدف إعادة صياغة سياسة الجوار هى:
1) إسقاط مفهوم «الجوار» لصالح صياغة أقل طموحا وأكثر مرونة.
2) توسيع نطاق العمل بحيث يشمل «جيران الجيران» (الخليج، العراق، القرن الأفريقى).
3) عدم التعويل على فكرة «القيم المشتركة» بل القبول بوجود خلاف حول هذه القيم.
4) وضع سياسات وتخصيص موارد لمواجهة التحديات الجديدة: الهجرة، الإرهاب، الجريمة المنظمة، مواجهة خطر انهيار الدولة.
5) التنازل عن فكرة «المزيد مقابل المزيد» التى وضعت بهدف تشجيع دول الجنوب على الإصلاح والانفتاح الديمقراطى بحيث يتم مكافأة الدول التى تتحرك بسرعة أكبر من غيرها.

الحوار من جانب واحد؟

أخذ الجانب الأوروبى زمام المبادرة وطرح عدة آليات للحوار حول تعديل سياسة الجوار. صدرت «ورقة خضراء» أوروبية تحتوى على مجموعات من الأسئلة (4/3/2015) وعُقد اجتماع مع الحكومات المعنية فى برشلونة (13/4/2015)، وآخر فى بيروت (24/6/2015)، كما دعى المجتمع الأهلى والمراكز الفكرية للمشاركة بالرأى فى عملية تشاورية امتدت لنهاية يونيو الماضى.

رغم الجهود المقدرة التى بذلت لبلورة موقف عربى مشترك (مثلا ورقة أعدها السفراء العرب فى بروكسل وعشاء عمل أقامه وزير خارجية مصر أثناء اجتماع برشلونة). ورغم أن الإنصاف يقتضى الإشادة بالكثير من المبادئ التى ركز عليها الجانب العربى الا أن الطابع العام للمشاركة العربية ظل متأخرا وتقليديا وخاليا من تحليل عميق لتجربة العمل المتوسطى. والأخطر هو الاستسلام لعلاقة تتشكل من منظور أوروبى، بمفاهيم أوروبية، وبإملاءات أوروبية دون طرح فكرة واحدة جديدة من الجانب العربى.

يمكن التفريق بين ثلاثة مواقف عربية فى هذا الحوار: أولها يتأفف من مضايقات الاتحاد الأوروبى التى تركز على الأوضاع الداخلية (الديمقراطية، حقوق الانسان، المجتمع المدنى) وبالتالى يريد تقليص بعض أساسيات العلاقة المتوسطية عن طريق نفى وجود تراث مشترك، وفك الارتباط بين الأداء السياسى الداخلى ونوعية العلاقات مع الاتحاد الأوروبى مع تحجيم الأدوات التى يستخدمها الاتحاد الأوروبى فى التفاعل مع المجتمع المدنى.

أما الموقف الثانى (وأغلبه من دول شمال أفريقيا) فهو يخاطب دول الاتحاد على أنه جاهز للتفاعل معها والتحرك نحو علاقات أكثر قربا على جميع المستويات ولا يرغب فى أن يتعطل بسبب مشاكل دول المشرق العربى التى لاتزال تتردد فى تحولها الديمقراطى وعلاقاتها الأوروبية، كما أنها تسيس وتعقد جدول الأعمال بين شمال وجنوب المتوسط بزج قضاياها ومشاكلها التى لا تنتهى. أما المجموعة الثالثة من الدول العربية فإنها تأخذ بالأحوط، فلا تعرب عن موقف محدد ولسان حالها أنها ستتأقلم مع أى قرار يتخذ أيا ما كان.

***

ومن الناحية الموضوعية يمكن طرح تصور بديل لإثراء الحوار بين ضفتى المتوسط عبر تأكيد معانى التراث المشترك وإيجابياته والتركيز على هدف تحقيق نقلة حضارية كبرى لدول جنوب المتوسط بحلول عام 2030 مثلا، مع التركيز على جودة التعليم بشكل كبير، ثم الاقتصاد والصحة، وتطبيق معايير الأداء الأوروبية بشكل تدريجى فى جنوب المتوسط (عبر إحياء فكرة العضوية الافتراضية فى الاتحاد الأوروبي). وعلى المستوى السياسى يمكن تصور إطار للتعاون فى تعزيز السلم والأمن عبر محاربة الإرهاب وإخلاء البحر المتوسط من أسلحة الدمار الشامل، وتطوير إجراءات لبناء الثقة وتحديد التسلح، وحل المشكلات بالطرق السلمية. هكذا تتشكل رؤية طموحة جديرة بدول المتوسط، قلب الحضارة العالمية.

كنت أتصور تشكيل لجنة حكماء عربية برئاسة شخصية تجمع بين العلم والخبرة والابتكار، تكلف بإعداد تقرير حول سياسة الجوار. كنت أتصور أن تقوم المراكز البحثية العربية بإجراء دراسات حول الموضوع. المجتمع المدنى يعقد اجتماعات ويطرح أفكارا. لكن يبدو أن الجميع استراح لوضعية المشاهدة بدلا من التفاعل والمبادرة وقيادة عملية التغيير.

التعليقات