ذئب وول ستريت - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 10:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ذئب وول ستريت

نشر فى : السبت 18 يناير 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : السبت 18 يناير 2014 - 9:00 ص

جاء مهلهلا من بيروت، فالموزع اللبنانى، وأصحاب دور العرض، والرقابة، تواطئوا جميعا فى سلخ قرابة الساعة من الذئب الذى يبلغ طوله، أصلا، إلى الثلاث ساعات.. وتوفيرا لنفقات الترجمة، وحقوق العرض الأول فى الشرق الأوسط، وحفاظا على عدد الحفلات فى دور السينما، فضلت شركة التوزيع المصرية، استقدام الفيلم بترجمته الركيكة، ومشاهده المحذوفة، الأمر الذى جعل العارفين بجلال قدر المخرج الأمريكى، مارتن سكورسيزى، ونجمه الأثير، يندهشون من المستوى المتذبذب لـ«ذئب وول ستريت»، المفكك الأوصال.

بعيدا عما أصاب الذئب فى بلادنا، تعرض أيضا لشىء من الاضطهاد، أو التحفظ على الأقل، فى موطنه الأصلى، أمريكا، وهى مسألة غير متوقعة إزاء سكورسيزى، الذى جرت العادلة ــ عن استحقاق ــ على الترحيب بكل فيلم جديد يحققه، واعتباره إنجازا فنيا، وحدثا ثقافيا.. وهذا لا يعنى أن «ذئب وول ستريت» لم يحقق نجاحا، بل على العكس، شباك التذاكر يشهد تدفقا ماليا كثيفا، والكثير من النقاد اعتبر أن المخرج الكبير يغلق القوس الذى فتحه، بحكايته عن «عصابات نيويورك» 2002، حيث حلل، بأسلوبه القوى، الفريد،، بنية المجتمع الأمريكى، القائم على العنف الذى استشرى مع النصف الثانى من القرن التاسع عشر.. وها هو ــ سكورسيزى ــ فى فيلمه الجديد، يتعرض، بنظرته النفاذة، إلى أحفاد تلك العصابات، فى نهاية القرن العشرين. وقد أصبحت عصرية، متأنقة، وأشد بطشا من مجرمى وبلطجية الشوارع، كما كان الحال فى «عصابات نيويورك».

فى المقابل، على النقيض، رأى البعض أن العمل «مثير للاشمئزاز»، ولم تكن ليلة عرضه الخاص موفقة بصناعه، فأحد كتاب السيناريو قال لهم «عليكم تقديم كل هذا القرف، بينما كتبت النجمة المخضرمة «هوب هوليداى»، على صفحتها فى الفيس بوك «ليلة الأمس كانت عقابا.. ثلاث ساعات من القمامة والجنس والمخدرات».. تصدى دى كابريو للدفاع عن الفيلم. نفى تماما أن يكون قد تضمن تبريرا أو تأييدا لسلوك البطل المتلاعب فى سوق الأوراق المالية، وأكد أن «ذئب وول ستريت» يحذر من مغبة الجرى وراء الأوهام، وذكر أنه لا هو، ولا سكورسيزى، من النوع الذى يعطى لنفسه الحق فى محاكمة الآخرين، من وجهة نظر أخلاقية ضيقة.. وبرغم ما قيل عن تخفيف بعض المشاهد الدامية، والجنسية، فإن الفيلم، فى التصنيفات الرقابية، الأمريكية، أخذ الحرف «R»، آر، مما يعنى عدم استحسان مشاهدته لمن هم أقل من «17» عاما.

الفيلم، كما هو معروض فى القاهرة، يتطلب من المشاهد أن يستكمل، بخياله، مقدمات ونهايات المواقف المبتسرة، التى لن تجد لها تفسيرا إلا بمعرفة طبيعة الشخصيات الشرهة من ناحية، وأسلوب سكورسيزى، الجرىء، الساخن من ناحية أخرى، فمثلا، نفاجأ بزوجة بطل الفيلم فى حالة غضب هستيرى، بلا أسباب قوية، فلماذا هذا الانفجار الانفعالى؟.. الإجابة تكمن فى أحد المواقف المحذوفة، التى تتضمن حفلا ماجنا للجنس الجماعى.. وثمة مشهد، بلا مقدمات، نرى فيه رفع أحد الأشخاص من فوق سور اليخت الفاخر، وبرغم معرفتنا بالدوافع، فإننا ندرك أن الجريمة، من الممارسات المألوفة لبطل الفيلم.

عن مذكرات «لعبة المال والجنون» للنصاب الشهير جوردن بيلفورت فى كتب تيرتس وينتر السيناريو، على الطريقة التى يفضلها سكورسيزى، فهنا، الراوى، جوردان، بأداء صوتى خلاب من دى كابريو، يجدثنا عن قراره أن يغدو ثريا، بأى طريق.. يلتقى أستاذه فى عالم السمسرة، إدوارد هانا، الذى يؤدى دوره ببراعة «ماتيو ماكنوهى»، والذى يعطيه درسا ثمينا يتلخص فى التالى: ضع فى اعتبارك أن النقود فى جيب عميلك لابد أن تنتقل لجيبك.. قم ببيع الأسهم له، وعندما يعود لك أقنعه بأن أسهمه فى صعود مستمر. اجعله يشترى المزيد منها، أو أسهم أخرى. سيعود إلى زوجته فرحا بوهم أنه أصبح ثريا.. خذ منه نقوده أولا بأول، ملوحا له بفرص جديدة، واحذر من أن يسترد ماله.

كم تذكرنا هذه الأفكار الجهنمية بشركات توظيف الأموال، عندنا!.. المهم، ينطلق جوردان بشركته «شتارتون أكومنت»، وتتراكم عنده الأموال، وينغمس فى الملذات وتنفلت غرائزه فيعيش حياة صاخبة، لا ترمى إلا للمتعة وممارسة الجنون، بما فى ذلك تعاطى الهيروين.. دى كابريو، بابتسامته الجميلة، وثقته فى نفسه، وأناقته، يبدو شديد الجاذبية، لكن، يقنعنا فى لحظة، أن تحت مظهره الباعث على الاطمئنان يكمن ذئب شره، لئيم، مناور، شرس ومفترس، مقاتل بلا هوادة، طويل النفس، لامع الذكاء.

الراوى هنا، ليس صوت سكورسيزى، فالمسافة بينهما تضيق وتتسع حسب الحاجة.. وأحيانا، تتخذ طابعا كوميديا. فمثلا، فى نوبة تعاطى عنيفة، يصاب جوردون بما يشبه الشلل الرباعى، ومع هذا يزحف، يتحامل على نفسه ليقود سيارته مسرعا إلى قصره.. يكاد يصطدم بعمدان النور والسيارات، لكن، كما يقول «حمدا لله، لقد نجوت بأعجوبة».. سريعا تأتى الشرطة. يظن، وتظن معه، أنها ستقبض عليه بتهمة النصب، لكن، نكتشف معه أنها جاءت لتصحبه إلى الشارع كى تطلعه على عربته المهشمة، وعمدان الطريق والسيارات التى دمرها.. لم تكن روايته إلا خيالات.

جوردون، يتعرض لحصار مباحث التهرب الضريبى، يحاول دفع رشاوى، يفشل. يهرب أموالا إلى بنوك أوروبا، واستمرارا لخسته يقدم على خيانة العاملين معه فى صفقة مع السلطة بمقتضاها، يبلغ عن رجال مؤسسته، على أن يكون الحكم عليه مخففا. وفعلا، يقضى «22» شهرا فى سجن مريح، يخرج بعدها ليعيش حياته.. أيا كان الأمر، يقول «ذئب وول ستريت» جملة مفيدة، حتى بعد سلخه: انهيار البورصات يعنى نجاح المحتالين فى سرقة أموال الآخرين».

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات