قيصر شكسبير.. وقياصرة العرب - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قيصر شكسبير.. وقياصرة العرب

نشر فى : الإثنين 18 يناير 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الإثنين 18 يناير 2016 - 10:25 م
لم يتخذ وليم شكسبير موقفا معاديا ضد يوليوس قيصر، ولم يبجله كما فعل الكثيرون من مؤرخى الرومان، لكن رصد رؤية أبطال المسرحية له، ما بين كاره يمقته، ومحب يضعه فى مرتبة سامية.. كلا الطرفين عنده أسبابه، الموضوعية والذاتية.. ولأن الدراما، بحيويتها، تنهض على تنازع الأفكار والأهواء، فإن الصراع فى هذه التراجيديا، يندلع، مستترا ومكشوفا، بين صديقى الأمس، عدوى اليوم: كاسيوس ويوليوس.. صراع متعدد الأبعاد، واسع الآفاق، يتجاوز الخاص للعام، ويتعدى العصر الرومانى، وحقبة شكسبير، ليعبر عما يدور فى الحاضر، وهنا، فى بلادنا العربية.

كاسيوس، فى تقديرى، هو الشخصية الأهم فى التراجيديا، المساحات التى يشغلها، جسدا وكلاما، قد تكون محدودة، ولكنها فعالة، مؤثرة كان صديقا ليوليوس فى الأيام الخوالى، تشاركا فى قيادة فيالق الجيش الرومانى فى معارك ضد الأعداء، فى الخارج والداخل، الشقاق بينهما بدأ قبل بداية الفصل الأول، وتصاعد مع المشاهد الأولى، خاصة حين استأثر يوليوس بمجد الانتصار، وأصبح قيصرا على روما، يزداد نفوذه وتتضاعف هيبته إلى الحد الذى يجعل كاسيوس يكاد يرثى نفسه، عندما يجد أن «عليه أن ينحنى بجسمه إذا أطرق له قيرص برأسه دون احتفال».. سريعا، يبدأ كاسيوس فى نسج مؤامرته ضد الحاكم المطلق السلطات.
كيف يرى يوليوس زميله القديم، كاسيوس؟.. الإجابة تأتيك من فم القيصر، الذى يعلن صراحة «إن ذلك الكاسيوس له هيئة نحيلة جائعة! إنه يفكر كثيرا ومثله من الرجال خطر!.. إنه كثير القراءة، وهو شديد الملاحظة، ينفذ ببصره إلى غور أعمال الناس».
الرجلان يكرهان بعضهما، كل منهما يعتقد أنه الأحق بالسلطة، وبينما يوطد يوليوس أركان حكمه، يسعى كاسيوس، بهمة، وعقل بارد، نحو القضاء على القيصر.. هكذا، كأن لكل «قيصر» كاسيوس، الصراع بينهما يؤدى، بالضرورة، إلى مزيد من الديكتاتورية، والدم، وأحكام الإعدام، والانتحارات.
تاريخنا، خاصة فى الخمسينيات من القرن الماضى، يشهد تنويعات على تراجيديا شكسبير.. فى سوريا، فتح حسن الزعيم باب الانقلابات عام ١٩٤٩، وأصبح قيصرا، لعدة شهور، أعدم بعدها، ذلك أن صديقه القديم، سامى الحناوى، الذى يذكرنا بكاسيوس، انقلب ضده، مدعيا أن الزعيم تعامل مع الناس، والبلد، كأنه ملك.. وتوالت الانقلابات بعضها نجح، وويل للفاشلين.
بعد أقل من عقد بعام واحد، يقوم عبدالكريم قاسم بالإطاحة بالنظام الملكى المستبد، العميل، يشاركه فى الثورة الدامية، عبدالسلام عارف، ليتكرر، جوهريا، ذات السيناريو الذى حدث فى سوريا، وكما هو وارد عن شكسبير: «عارف»، المعادل لـ«كاسيوس»، يطيح بعدالكريم قاسم، ويعدمه، بإطلاق وابل من الرصاص، تمزق جسده إربا، أمام كاميرات التلفاز، وبدوره، يلقى «عارف» حتفه، فى حادث سقوط طائرة، مريب، ثم تدخل العراق فى دائرة «قيصر» و«كاسيوس» الجهنمية.
هذه المتابعة لا تعنى حتمية المصير الفاجع للحكام، ولكن تؤكد النهاية المأساوية للقياصرة المستبدين، الذين تنتفخ عقولهم، وربما أجسادهم، بالغرور، فإذا كان قيصر السودان، جعفر النميرى، المتقلب المزاج والأهواء، انتصر على «كاسيوس»، هاشم العطا، وقتله مع زملائه، وأعلن أنه «لن يكون الرئيس السابق أبدا»، ويفضل أن يصبح «الرئيس الشهيد»، فإن القدر، والتاريخ، سخرا منه، جعلاه يعيش، لسنوات طويلة، منفيا، منسيا، باهتا، حتى بعد عودته للخرطوم.. الوحيد، فى حدود علمى، الذى خرج سالما من بوتقة الدم، يكتب اسمه بحروف من نور، هو «عبدالرحمن سوار الذهب»، النزيه، الذى تسلم السلطة إثر انتفاضة ١٩٨٥، وبدلا من أن يعض بأنيابه على كرسى الحكم، قام بإجراء انتخابات شريفة، جاءت بحكومة مدنية، وبات سوار الذهب نموذجا للترفع والزمانة.. لكن، عجلة التاريخ التى لا ترحمنا، التى تصر على تقديم قياصرة جدد، ظهر عمر البشير، الذى، بسبب ممارساته، أصبح مطلوبا، كمذنب، فى المحكمة الجنائية الدولية.
الفارق الواسع، العميق، بين قياصرة بلادنا، «ويوليوس» وليم شكسبير، أن الأخير، ومعه غريمه، كاسيوس، والآخرين، كانوا، قوادا عظاما، حققوا انتصارا هائلا على أعداء بلادهم، خاضوا، بشجاعة، ميادين الوغى.. كل منهم يرى أنه الأحق فى القيصرة.. أما عندنا، فإن قياصرنا، تعملقوا، إثر هزائم عسكرية مدوية.
جدير بالذكر، أن يتساءل المرء.. ماذا عن مصر؟ الإجابة ستأتيك فى حديث قادم.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات