ريجينى.. فى عالم الأطياف - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 12:40 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ريجينى.. فى عالم الأطياف

نشر فى : الإثنين 18 أبريل 2016 - 10:25 م | آخر تحديث : الإثنين 18 أبريل 2016 - 10:25 م
إذا أردت أن تعرف كيف يفكر العقل الإيطالى فى مقتل «ريجينى»، فعليك إنعاش ذاكرتك بأفلام إيطالية، تعرضت، بوعى وشجاعة، لقضية الاغتيالات، ذات الطابع السياسى، وحاولت، بدأب، الإمساك بتلابيب القتلة، ونزع الستائر التى يختبئ وراءها، الجناة، المحرضون.

فى بداية السبعينيات، فوجئ عشاق السينما فى القاهرة، بفيلم إيطالى عنوانه «انتهى التحقيق المبدئى، إنساه»، لمخرج اسمه دميانو دميانى.. قصته، ذات الطابع البوليسى، على قدر كبير من البساطة: مواطن مسالم، ميسور الحال، يتم التحفظ عليه، فى السجن، داخل زنزانة مع عامل شريف، مناضل، اسمه «بيزنتى»، يملك وثائق تدين إحدى الشركات الكبرى، قامت بعمليات غش فى بناء أحد السدود، مما أدى إلى انهياره ووفاة عدد من العمال.. برغم التهديد، والترغيب، يرفض العامل الشريف التخلى عن القضية.. زميله، فى الزنزانة، المواطن المسالم، الميسور الحال، يرى، رجال مافيا، يقتحمون الزنزانة، يقطعون شريان رسغ العامل، يلفظ أنفاسه الأخيرة.. عندئذ، يأتى دور المواطن المسالم، إدارة السجن تطلب منه الشهادة بأن القتيل مات منتحرا، يعزز شهادته الزور تقارير أطباء السجن التى تؤكد إصابته بعقدة الاضطهاد.. يدرك المواطن المسالم، العلاقات الخفية بين الشركات الكبرى والحكومة، وبين الحكومة والمافيا، التى تبدو، فى الفيلم، كأحد أذرع السلطة.. يصبح أمام المواطن، الميسور الحال، اختياران، إما البقاء فى السجن، بإدعاء استمرار التحقيق المبدئى، وإما الإفراج عنه فورا، إذا قال ما يُملى عليه.. بعد تردد، يُفضل إنكار دم الضحية. يطلق سراحه.. يقال له: انتهى التحقيق المبدئى، إنسى الموضوع.

ينتهى الفيلم الكاشف، الدافق الحيوية، المستوعب لأساليب الواقعية الإيطالية، بابنة العامل المغدور، تزور شريك والدها فى الزنزانة، المحتفل ببراءته، لتسأله عما حدث لوالدها.. يزعم أنه انتحر.. لكن الفتاة، بثقة ويقين، تؤكد له أنها تعرف والدها تماما، تؤكد أن مثله من المستحيل أن ينتحر.. وتبدو، بعزيمة، أنها بيتت أمرا.

مخرج الفيلم، دميانو دميانى «١٩٢٢ ــ ٢٠١٣»، عضو مجلس النواب الإيطالى، المنتمى أصلا للحزب الشيوعى الإيطالى، أصبح اسما متداولا فى الثقافة السينمائية المصرية، خاصة حين عرض له، لاحقا، فيلما آخر، عنوانه «اعترافات مفتش شرطة إلى المدعى العام»، الفائز بالجائزة الذهبية من مهرجان موسكو ١٩٧١.. جدير بالذكر أن «انتهى التحقيق...» أنتج عام ١٩٧٢، لكن عُرض فى القاهرة قبل «اعترافات...» على خلفية الفساد المستشرى فى مدينة «بالرمو»، تتدفق أحداث دامية، خطف وقتل، عمليات مشبوهة يتواطأ فيها رجالات السلطة الحكومية مع شركات المقاولات مع المافيا.. تتوالى تصفيات جسدية، لعامل نقابى، لآخرين.. حتى ضابط الشرطة يقول لوكيل النيابة، مشيرا إلى عمدان بناية: داخل هذه العمدان جثث.. وفعلا، فى أحد المشاهد المروعة، نرى، خليط الأسمنت يُسكب حول جثة قتيلة، فتصبح مكمورة فى عمود أساسى، تنطلق به عربة نقل، فى شوارع المدينة، إلى حيث بناية تحت الإنشاء.. إنه مشهد يعبر به دميانو دميانى، عن مدينة مبنية على الجثث.

العلاقة بين ضابط الشرطة ووكيل النيابة شديدة التعقيد. الشرطى، يستخف بخبرة وكيل النيابة بالحياة، يرى أنه لا يدرك الأواصر التى تربط بين المحافظ، مدير البنك، رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان، المافيوزى الكبير.. ومن ناحيته، يتشكك وكيل النيابة فى تصرفات مفتش الشرطة.. مع هذا، ثمة لحظات وئام تجمعهما، خاصة بعد الزج بمفتش الشرطة، داخل السجن، لاتهامه بإخفاء شقيقة العامل الذى قتل فى بداية الفيلم، والتى تريد «المافيوزى الكبير» إسكاتها للأبد.. يزور وكيل النيابة، غريمه وصديقه، ضابط الشرطة فى السجن، يعرف منه أن شقيقة العامل المقتول أبلغت النائب العام، بمكانها.. إنه الوحيد الذى يعرف مخبأها.. تقتل المرأة.. وفى السجن، يغتال ضابط الشرطة.. عندئذ، يدرك وكيل النيابة حجم العفن الضارب فى السلطة.. يتجه إلى مبنى البرلمان، وعلى السلالم، يلتقى النائب العام.. يتبادلان نظرات طويلة.. يرتبك النائب العام قليلا.. يسأل وكل النيابة، باستخفاف ورقة وتحد: هل هناك خطأ ما».

نهاية الفيلم، كما ترى، واضحة، فاضحة، تذكرنا، على نحو ما، بنهاية «انتهى التحقيق المبدئى، إنسى الموضوع».. أظن أن الإيطاليين، الذين عايشوا مثل هذه الأفلام، سيتراءى لهم، طيف ابنهم المعذب، المقتول، كواحد من ضحايا نظام كامل.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات