احتمالات تقارب مصرى ـــــ إيرانى - إيمان رجب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:33 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

احتمالات تقارب مصرى ـــــ إيرانى

نشر فى : الأربعاء 18 يونيو 2014 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 18 يونيو 2014 - 12:00 م

يدو أن اتخاذ النظام الجديد فى مصر قرارا بالتقارب مع إيران خلال هذه الفترة، لاسيما بعد تغير وضعها فى إقليم الشرق الأوسط، على ضوء مفاوضات البرنامج النووى، وعلى ضوء تطورات الوضع فى العراق، صار أكثر تعقيدا مما كان متوقعا، لأسباب داخلية وخارجية، فإذا كانت القيود الداخلية طوال الفترة السابقة على ثورة 25 يناير 2011، أثرت أكثر من غيرها على فرص التقارب بين إيران ومصر، فإن الفترة التالية على هذه الثورة، عززت أهمية نوع آخر من القيود السياسية تكاد ترقى إلى مستوى «الخط الأحمر» بالنسبة لمصر.

يفرض التنسيق بين مصر وكل من السعودية والإمارات منذ ثورة 30 يونيو 2013، أسقف معينة للسياسة الخارجية لمصر، أو لعله يقلص مساحات الحركة المتاحة لها تجاه قضايا إقليمية محددة، ويبدو أن العلاقات مع إيران تقع ضمن هذا النوع من القضايا، وتحكمها وفق تعبير وزير الخارجية نبيل فهمى، أثناء لقائه بالأكاديميين المصريين فى ديسمبر 2013،» مصالح أصدقاء مصر فى المرحلة الحالية»، والتى أصبحت وفق تعبيره أيضا جزءا من مصالح الدولة المصرية.

مثل هذه القيود تؤثر على «التصورات» السائدة فى داخل إيران حول توجهات النظام الجديد فى مصر فيما يتعلق بالعلاقات معها، حيث ترى دوائر محددة فى إيران، أن مصر تلتزم بعدم تخطى القيود الخارجية المفروضة عليها من جانب السعودية تحديدا فيما يتعلق بتنشيط العلاقات معها، وأن ما طرحه نبيل فهمى فى أكتوبر 2013 عن أن تلعب مصر دور الوسيط بين إيران ودول الخليج، قد يكون لصالح السعودية، وليس لصالح إيران. ومثل هذه التصورات تتناقض مع ما ساد من تصورات من قبل، حول أن مصر قد تصبح أكثر «اعتدالا» فى التعامل مع وضع إيران فى الإقليم.

•••

إن الحديث عن مسار جديد فى مصر تجاه إيران، يتطلب وضع أمرين موضع الاعتبار، أولهما أن بعض دول الخليج اتخذت قرارا بصورة منفردة، وبدون تنسيق، بعدم مقاطعة إيران ورفض عزلها خليجيا، واتباع سياسة مرافقة التحول فى وضع إيران فى الإقليم والذى تحمله عمليات المفاوضات حول برنامجها النووى. فالتفاعلات التى تلت اتفاق جنيف فى نوفمبر 2013 بين إيران ودول الخليج، كشفت عن عدد من الحقائق حول أبعاد العلاقات بين الجانبين.

تتعلق الحقيقة الأولى، بالقضايا الشائكة بين دول الخليج وإيران، باستثناء السعودية والبحرين، بدأ التعامل معها، وفتح حوار ثنائى بشأنها، دون وجود وسيط قوى ينحاز للطرف الخليجى، ففى حالة الإمارات على سبيل المثال، نشر موقع ديفنس نيوز تقريرا عن قيام عمان بدور الوساطة بينها وإيران من أجل الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، ووفقا للتقرير تم التوصل لاتفاق فى 24 ديسمبر 2013، أثناء زيارة ولى العهد الإماراتى وسلطان عمان لإيران، ولم يتم نفى هذه المعلومات من جانب الإمارات أو عمان، كما أشارت عدة تقارير إلى عدم رضا السعودية عن هذا التطور.

وتنصرف الحقيقة الثانية، إلى أن السياسات السعودية تجاه إيران تمر بتحولات، ناتجة عن التغييرات فى السلطة فيها، على نحو يمكن الحديث معه عن وجود تيارات مختلفة داخل القصر الملكى، تتبنى توجهات مختلفة تجاه إيران، وعلى نحو يجعل التيار المتشدد الذى يصور إيران على أنها مصدر تهديد رئيسى للأمن الوطنى للسعودية، ولدورها الإقليمى، أحد التيارات وليس التيار الفاعل الوحيد، وهو ما انعكس فى التوافق غير المعلن بين إيران والسعودية حول الوضع فى لبنان، وفى ترحيب السعودية بدور ناقل الرسائل الذى تقوم به الكويت بينها وإيران.

ورغم هذه التحولات، تظل السعودية متمسكة بضرورة حسم القضايا الخلافية مع إيران، بصورة ثنائية، كما عبرت عن ذلك تصريحات نائب وزير الخارجية السعودى، الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز، أثناء وجوده فى الاجتماع الوزارى لدول مجلس التعاون والذى عقد مؤخرا، وهو ما يجعل «خطاب» التقارب من الجانب السعودى، أقرب إلى رد فعل لتقارب دول الخليج الأصغر مع إيران، مثل قطر والإمارات والكويت، لاسيما فى ظل استمرار تأثير التيار المتشدد فى سياسات السعودية، والذى لديه مخاوف محددة من نشر إيران للتشيع فى دول الخليج.

•••

وينصرف الأمر الثانى الذى يجب وضعه فى الاعتبار، إلى أن العلاقات بين دول الخليج وإيران، تتأثر بالمصالح الاقتصادية لكل من الجانبين، لاسيما مع حاجة إيران لتنويع علاقاتها الاقتصادية من أجل معالجة الآثار السلبية التى خلفتها العقوبات التى فرضت عليها منذ العام 2010 بصورة مكثفة، مستغلة فى ذلك الرفع الجزئى للعقوبات الذى تضمنه اتفاق جنيف النووى، وكذلك حاجة دول الخليج وبدرجات متفاوتة لتنشيط علاقاتها الاقتصادية، لاسيما فى مجال الاستثمار، حيث تظل السوق الإيرانية سوقا كبيرة، مليئة بالفرص الاستثمارية، وفى مجال الغاز أيضا، وحيث تظل دول الخليج باستثناء قطر بحاجة لاستيراد الغاز لتلبية احتياجاتها من الطاقة. ولعل هذا يفسر توقيع أمير الكويت مع إيران ستة مذكرات تعاون أثناء زيارته الأخيرة لطهران، تتعلق بمجالات اقتصادية متنوعة.

إن إعطاء النظام الجديد فى مصر أولوية لتصورات تيارا محددا فى الخليج حول إيران، يغفل تغير تشكل واقع جديد فى الخليج، سواء من حيث وجود تيارات أخرى، تدفع نحو التقارب مع إيران، أو تأكد براجماتية دول الخليج فى علاقاتها مع إيران، لاسيما فى الجانب الاقتصادى، رغم الخلافات السياسية بين الجانبين، أو لعب كل من عمان والكويت دور الوسيط النشط فى نقل الرسائل وتسهيل الاتصال بين إيران وباقى دول الخليج، وهو ما يجعل مصر تفقد فرصا قد تعزز من دورها فى المنطقة.

هذا الوضع، يستدعى خلال الفترة المقبلة «إعادة تشكيل» التصورات المصرية الخاصة بإيران، بوضوح وإعلان إيران عما تريده من مصر خلال الفترة المقبلة، مع ضرورة الانتباه إلى أهمية القضايا الثنائية التى تؤثر بصورة كبيرة على الأمن الوطنى المصرى، وبما يتسق أيضا مع القيود السياسية التى تفرضها المرحلة الحالية على سياسات مصر الخارجية.

إيمان رجب خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
التعليقات