الأحزاب المصرية و«أمننة» الحياة السياسية - إيمان رجب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 3:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأحزاب المصرية و«أمننة» الحياة السياسية

نشر فى : الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 9:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 18 نوفمبر 2014 - 9:00 ص

رغم أهمية إعلان تشكيل الجبهة الوطنية لمواجهة الإرهاب منذ أيام من قبل عدد من الأحزاب السياسية وعدد من المثقفين، فى تدعيم سياسات الدولة الخاصة بمكافحة التطرف والإرهاب ومنحها بعدا مجتمعيا، بعد أن أصبح التطرف العنيف وأعمال الإرهاب يهدد حياة كل مواطن، حيث أصبح من الممكن أن تزرع «القنابل بدائية الصنع» أو أن «تفخخ» أى سيارة فى أى مكان وفى وضح النهار، إلا أن هذا الإعلان له دلالاته العميقة التى قد تؤثر على مستقبل الحياة السياسية فى مصر خلال السنوات القادمة.

تنصرف الدلالة الأولى إلى تحول الأحزاب من كونها كيانات تتنافس على الوصول إلى السلطة، إلى كيانات تعمل على «مأسسة» التصورات الأمنية للدولة فى داخل المجتمع. ورغم أن هذا الأمر له تطبيقاته فى العديد من المجتمعات الغربية، إلا أنه لا يخلو من المخاطر التى قد تجعل هذه الأحزاب أداة من الأدوات التى تعمل على «أمننة» securitization الحياة السياسية فى مصر، وتحويلها أى صوت معارض إلى مصدر تهديد لأمن الدولة، خاصة فى ظل عدم استقرار أركان النظام الجديد فى مصر، وذلك بدلا من أن تمارس دورها كأحزاب سياسية فى المعارضة أو فى الحكم.

حيث إن تحقيق التوازن بين الأمن وحماية الحقوق والحريات واحترام القانون لا تحققه الدولة فقط، وإنما يحتاج لدور فعال من قبل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى والمثقفين، بل ومن قبل المواطن العادى، وهو لا يتحقق عادة فى المجتمعات التى تضعف فيها الأحزاب السياسية فى مواجهة السلطة، خاصة أن معنى التطرف والإرهاب الذى تشكلت هذه الجبهة لمواجهته غير واضح، فمن غير الواضح إذا كان التطرف المقصود هو التطرف الدينى فقط؟ أم التطرف السياسى بأنواعه المختلفة؟ فكما أن هناك الإسلاميين المتطرفين، هناك أيضا الثوريون المتطرفون، والليبراليون المتطرفون، واليسار المتطرفون.

تتعلق الدلالة الثانية، بتحول القضايا الأمنية من كونها قضايا سياسات عليا تختص بها المؤسسات الأمنية للدولة، والخبراء الأمنيين كما كانت فى السابق، إلى قضايا تهم المواطن العادى، ورغم أهمية ذلك فى توسيع معنى الأمن ليتخطى المعنى التقليدى له والذى يقصره على التهديدات العسكرية إلى التهديدات غير التقليدية التى تشمل العنف وندرة الموارد والتحركات السكانية واسعة النطاق، وغيرها من التهديدات «غير العسكرية»، والتى قد تكون عابرة للحدود، ولا يمكن مواجهتها بالاعتماد على الأداة العسكرية فقط والتى تتطلب تنسيقا بين مؤسسات الدولة المختلفة وتحركا جماعيا.

ورغم أهمية هذا التحول خلال المرحلة الحالية التى تمر بها مصر، والتى أصبح فيها الأمن قضية معقدة وتؤثر على الحياة اليومية للناس، إلا أن استقرار هذا التحول فى ممارسات المؤسسة الأمنية فى مصر بحيث لا يرتبط فقط بالمرحلة الحالية ويصبح عقيدة حاكمة لها تظل محط تساؤل، خاصة وأن ضعف الأحزاب السياسية فى مصر، بما فى ذلك الأحزاب التى أعلنت عن انضمامها للجبهة سواء من حيث قدرتها على الحشد فى الشارع أو من حيث قدرة خطابها على الإقناع أو قدرتها على التأثير فى السياسات من حيث فرضها تغيير سياسة ما من خلال طرح بدائل واضحة المعالم وليس مجرد الاعتراض عليها، يفيد بأنها ستكون فى موقع المتلقى لمصادر التهديد كما توصفها المؤسسة الأمنية، دون أن تكون قادرة على المشاركة فى عملية تحديد ما يعد قضية أمنية من عدمه أو صياغة السياسات التى تضمن احتواء هذه التهديدات.

وتتمثل الدلالة الثالثة، فى تزايد وعى الأحزاب السياسية المصرية بأهمية دورها فى التعامل مع القضايا الأمنية فى مصر خلال المرحلة الحالية خاصة فيما يتعلق برفع الوعى الأمنى لدى المواطن، وهو ما يحسب للجبهة، حيث نص البيان الصادر عن الاجتماع المؤسس لها على تنظيم حملات توعية تجوب المحافظات المصرية للتوعية بالتطرف والإرهاب، ولكن تظل هذه الأحزاب قبل قيامها بهذا الدور بحاجة إلى رفع الوعى الأمنى بين قياداتها وأعضائها لاسيما من الشباب، وهو ما يستدعى إعادة تقييم دور اللجان الأمنية التى تضمها هذه الأحزاب ودورها فى لجنة الأمن القومى فى مجلس الشعب السابق ومدى فعالية مناقشاتها خلال مجلس 2011-2012.

•••

إن معالجة قضية دور الأحزاب السياسية فى تحديد الأجندة الأمنية فى مصر وصياغة السياسات الأمنية، ينبغى أن يخرج من ثنائية التهليل للسياسات الأمنية المتبعة وإصدار بيانات تأييد لها، والوقوف موقف الضد منها. كما أنه من المهم أن يتم طرح هذه القضية على مؤتمر الحوار بين الأحزاب الذى تستضيفه الشروق، بحيث يتم مناقشة حدود الدور الذى يمكن أن تلعبه الأحزاب السياسية من داخل البرلمان أو من خارجه فى القضايا والسياسات الأمنية، وكذلك طبيعة علاقتها مع المؤسسات الأمنية، على نحو يضمن استقلالية الأحزاب فى قيامها بالدور المنوط بها، كأحزاب تتنافس على السلطة سواء من مقعد الحكم أو من مقعد المعارضة.

إيمان رجب خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
التعليقات