السياسة الخارجية المصرية فى أربع سنوات - إيمان رجب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 2:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السياسة الخارجية المصرية فى أربع سنوات

نشر فى : الجمعة 23 يناير 2015 - 2:10 م | آخر تحديث : الجمعة 23 يناير 2015 - 2:10 م

طوال السنوات التالية على ثورة 25 يناير 2011، ظل تعامل مصر كدولة، مع الجوار المحيط بها، ومع القوى الدولية التى لها مصالح محددة فى إقليم الشرق الأوسط، يتمتع بذات أهمية كيفية إدارتها للمراحل الانتقالية التى تلت هذه الثورة، سواء بالنسبة للنخب التى حكمت مصر فى الفترة التالية على الثورة، أو بالنسبة للدول الأخرى التى لها مصالح محددة فى الإقليم.

فمن ناحية، كان كل من المجلس العسكرى ثم نظام محمد مرسى ثم نظام الرئيس السيسى، يدرك أن تفعيل العلاقات الخارجية، مهم فى الخروج من المرحلة الانتقالية، فهو يمنح النظام الجديد شرعية إقليمية ودولية ما تعزز من شرعيته الداخلية.

ومن ناحية ثانية، تظل السياسات الخارجية للدولة المصرية، متغيرا مهما، فى علاقاتها بالعديد من الدول، سواء الولايات المتحدة، أو دول الخليج، نظرا لقدرة هذه السياسات على «تحديد» شكل الاقليم، إن تم تفعيلها، ولعل هذا يفسر حرص السفير الأمريكى السابق فرانك ويزنر فى إحدى مناقشاته مع الأكاديميين المصريين حول مستقبل العلاقات مع مصر، على التأكيد على أن توجهات السياسة الخارجية المصرية بعد اكتمال تشكل النظام وفق خارطة الطريق، تعد متغيرا مهما فى العلاقة مع الولايات المتحدة.

<<<

وبالنظر لهذه الأهمية، فإن الجدل الخاص بتوجهات السياسة الخارجية المصرية فى الفترة التالية على ثورة 25 يناير 2011، قد لا يعبر بصورة كبيرة عن الواقع الذى خلقته التطورات التى تلت هذه الثورة، وبصورة خاصة ثورة 30 يونيو 2013، والذى دار حينها بين ما إذا كانت السياسة المصرية ستكون سياسة «ثورية»، أم ستعيد اتباع سياسات نظام مبارك والتى استقرت طوال فترة حكمه.

كما أن هناك مناقشات فى عدة دوائر أكاديمية وسياسية حول أن هناك مبدأ ما للسياسة المصرية هو «مبدأ السيسي»، فى محاولة للتأكيد على حدوث تغير جذرى فى سياسات مصر الخارجية مرتبط بشخص الرئيس السيسى، وهو ما يمكن تفسيره بالمركزية التاريخية لدور الرئيس والفريق المحيط به فى اتخاذ قرارات السياسة الخارجية المصرية. ولكن هذا أمر يكاد يكون فيه قدر من التبسيط، بسبب إغفال الدور الذى تقوم به مؤسسات الدولة الأخرى فى التخطيط للسياسة المصرية وصنعها، فالتغيرات التى تشهدها ممارسات السياسة المصرية، تعكس إدراك النخبة الحاكمة الجديدة للمرحلة التى تمر بها مصر والمنطقة، دون أن تمثل خروجا على المبادئ التى حكمت السياسات المصرية منذ عقود.

<<<

وبالتالى، يكاد يكون التغيير الملموس فى ممارسات السياسات الخارجية المصرية فى الفترة التالية على ثورة يناير 2011، خاصة بعد ثورة 30 يونيو 2013، والذى من المتوقع أن يستمر خلال الفترة المقبلة، ذا طابع «انتقالي»، يرتبط استقراره بمسار تطور التحولات التى يشهدها الشرق الأوسط.

ويمكن فى هذا الإطار تحديد ثلاثة أبعاد رئيسية لهذا التغيير. فمن ناحية، أصبح خطاب المصلحة الوطنية، هو الأكثر وضوحا فى الخطاب الرسمى للدولة المصرية، خاصة بعد ثورة 30 يونيو، وأصبحت المصلحة هى ما يحدد دوائر تحرك مصر فى الخارج، حيث لم تعد هذه الحركة حبيسة للدوائر التقليدية التى حكمت التفكير فى السياسة الخارجية المصرية طوال الفترة السابقة على الثورة. حيث أصبحت تتحرك وفق اعتبارات المصلحة الوطنية كما تحددها مؤسسات الدولة، وفى أحيان معينة مصالح «الأصدقاء» عند التفكير فى تفعيل العلاقات مع إيران، أو التعامل مع الوضع فى اليمن أو مع الصراع فى سوريا. وهذا الوضع مختلف عما كان سائدا فى عهد مرسى، حيث كان التحرك يعكس المصالح الخاصة بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وتصوراته للعالم، وهو ما انعكس فى بعض السياسات المتبعة والخاصة بتعزيز النفوذ السياسى لجماعة الأخوان فى الدول المجاورة، على نحو أدى إلى توتر العلاقات مع تلك الدول، وكانت حالة العلاقات المأزومة مع الإمارات هى الحالة الأكثر تعبيرا عن ذلك.

ومن ناحية ثانية، أصبحت مصر أقل ترددا فى التعبير عن امكانية لجوئها للقوة العسكرية كأداة لتنفيذ سياستها الخارجية، خاصة فى ظل العلاقات الجيدة التى تجمع الرئاسة والمؤسسة العسكرية، وهو أمر لم يكن متحققا فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى، حيث كان يعتمد فى إدارة سياسته الخارجية، على تنظيم جماعة الإخوان المسلمين. وهذا البعد يعبر عنه تكرار الرئيس عبدالفتاح السيسى حديثه فى لقائه مع تلفزيون الكويت مؤخرا عن «مسافة السكة»، فى إشارة إلى إمكانية إرسال قوات مصرية إلى الخليج إذا طلب ذلك من مصر، ولكن يظل استخدام القوة العسكرية غير مرتبط باستدعاء خبرة إعلان دمشق، أو بلعب مصر دور شرطى المنطقة.

ومن ناحية ثالثة، أصبحت الكيفية التى تدير بها مصر علاقاتها مع الدول الأخرى، أقل انسياقا وراء التصورات التقليدية الخاصة بكونها «الشقيقة الكبرى»، ففى عهد محمد مرسى، اتجه لتعزيز تحالفه مع تركيا وقطر، على حساب العلاقات مع دول الخليج الأخرى، بينما تعمل مصر فى عهد الرئيس السيسى على ممارسة أدوار متعددة وذات طابع مؤقت مرتبط بصورة رئيسية بقضايا محددة، مثل الدور المصرى فى الصراع الدائر فى ليبيا من خلال اجتماعات دول جوار ليبيا.

ويرجع غياب الطابع الدائم فى هذه الأدوار، من ناحية، إلى عدم استقرار التحولات التى يشهدها إقليم الشرق الأوسط، ومن ناحية أخرى، إلى تحول مصفوفة الأدوار الإقليمية فى المنطقة، لصالح تصاعد دور قيادى للسعودية ومن ورائها الإمارات، على نحو يعيد تعريف المساحات المتروكة لأى قوى أخرى.

<<<

تظل السياسة الخارجية المصرية من القضايا المهمة لمصر ولكل من يتعامل معها، وإذا كانت السنوات الأربع الماضية، كشفت عن أن هذه السياسات تتأثر بمن يحكم مصر، فإن التحولات التى تشهدها المنطقة تظل تضع «قيود» على طبيعة السياسات الخارجية التى يمكن أن تتبعها مصر تجاه قضايا تعد مهمة بالنسبة لمن تتعامل معه، خاصة فيما يتعلق بتحقيق أمنها الوطنى.

خبير فى مركز الأهرام للدراسات

السياسية والاستراتيجية

إيمان رجب خبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
التعليقات