قبل سقوط الثلج - كمال رمزي - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 11:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل سقوط الثلج

نشر فى : الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:00 ص | آخر تحديث : الأربعاء 20 نوفمبر 2013 - 7:00 ص

فى مهرجان «أبوظبى» ثمة ملاحظتان جديرتان بالالتفات، تتعلق أولهما بكثرة عدد الجوائز، بالنسبة للأفلام الجيدة. طبعا المهرجان مثل كل المهرجانات فى العالم، لا يصنع الأفلام، ولكن يعرضها فقط، وعندما يكون المبدأ عدم حجب أى جائزة، يصبح لزاما على لجان التحكيم منح جوائزها لأعمال ليست بالضرورة متميزة، ولا حتى جيدة ولكن يكفى أن تكون الأقل سوءا، وربما حدث هذا مع بعض الأفلام، لكن بالتأكيد لا ينطبق على «قبل سقوط الثلج»، أول فيلم روائى طويل، يحققه صاحب البصمة الخاصة، هشام زمان، الفائز بجائزة أفضل عمل من العالم العربى، فى قسم «آفاق جديدة» المخصص للأعمال الأولى أو الثانية.

أما الملاحظة الثانية فإنها ترصد فكرة، أو أمل، الهجرة التى تعتمل فى نفوس شباب ضاقت بهم أوطانهم، وضاقوا بها، وأضحت البلاد البعيدة، كما تتجلى فى العديد من الأفلام، بمثابة الفردوس يستحق الرهان بالحياة، من أجل الوصول إليه.. وهذا شأن بطل «قبل سقوط الثلج»: «سيار» بأداء طاهر عبدالله، الذى يغادر كردستان، متجها إلى إسطنبول، ثم مع المهاجرين غير الشرعيين، يتسلل إلى برلين ومنها إلى وارسو، ليلقى حتفه قتيلا، وحيدا، بينما تتساقط نتف الجليد على جثمانه.

«سيار» ليس العراقى أو الكردى الوحيد الذى يتمنى مغادرة واقعه الضنين، ماديا حيث الفقر، ومعنويا حيث القيم الجامدة، المتخلفة.. شقيقته، تمردت ورفضت الارتباط بعجوز ثرى ، واسع النفوذ. هربت مع شاب خفق قلبها بحبه فأصبح عليه أن يثأر لشرف العائلة.. إنه سبب آخر للقيام برحلة أقرب للمتاهة، وهى رحلة مزدوجة، مادية، من مكان لمكان، ومن قيم قمعية، بائسة، إلى أخرى، رحبة، مضيئة، تترك مسافة حرية للكائن الإنسانى، كى يعيش حياته.

الاهتمام بالبطل والأفراد فى الفيلم لا يأتى على حساب الاهتمام بالواقع، ذلك أن رؤية هشام زمان، المشارك فى كتابة السيناريو، لا تتوقف عند مظهر الأشياء، ولكن تنفذ إلى عمقها، فإسطنبول هنا، لا علاقة لها بالمناظر السياحية التى درجت على تقديمها المسلسلات والأفلام التركية. بطلنا فى الشوارع المزدحمة يتعرض لخطف حافظته، وها هو يعدو وراء الصبية الخاطفين، من حارة لحارة، ومن زقاق لآخر، والكاميرا تلهث معه، نرى معها أدغال المدينة، فقراء تحول البعض منهم إلى بلطجية ولصوص، يسكنون فى عشش وبيوت آيلة للسقوط، الأطفال مشاريع عصابات ومجرمين.. فى هذا القاع، يلتقى فتاة علمتها الحياة كيف تكون ذات مخالب قاسية، تنقذه من براثن شذاذ الآفاق، يقرران مواصلة الرحلة سويا، خاصة بعد أن تخطره بأن والدها يعيش فى برلين.

يواصل هشام رحلته مع الكائنين، ومع غيرهم من المهاجرين غير الشرعيين، وفى أجواء الليل، حيث الظلام والخوف، يقدم، بمهارة، لحظات الخطر، أثناء التسلل، بين غابات الأشجار، لتجاوز الحدود الألمانية. البعض منهم يصاب، والبعض يقع فى قبضة حراس لا يرحمون. هنا، مرثية للضائقين على حدود الدول.

فى برلين، تصل الفتاة إلى والدها الذى ينكرها تماما، يروى لها قصة لا ندرى إذا كانت صادقة أو مختلقة. إنها لعبة السيناريو، فالأب المزعوم يعيش حياة مستقرة مع زوجته الألمانية وابنته منها. ربما لا يريد حضور الماضى.. الفتاة، كسيرة القلب، تجد فى رفيقها «سيار» قدرا كبيراً من الرحمة والحنان، وبدوره، يتسلل الحب إلى وجدانه ويتفتح عقله على معانٍ جديدة، وبرغم بداية إدراكه أن العالم أوسع والحياة أعمق من مجرد البحث عن الأخت الهاربة، فإن الرسائل التى تأتيه، من خلال أشخاص، من كردستان، تحضه على مواصلة طريق الثأر، وتبلغه عنوان الضحية فى وارسو .. ولا يفوت هشام زمان، بعينه اللاقطة، أن يرصد شذوذه، ذات دلالة واضحة، لطبيعة المهن المتواضعة، والتى يعمل بها أهل بلده، فى ألمانيا، سواء فى تعبئة الفاكهة داخل كراتين، أو حملها إلى عربات النقل.

فيما يبدو أن مخرجنا لم ترضه نهاية الفيلم الناعمة، الرقيقة، المنطقية، حين يلتقى شقيقته فى مساء وارسو، عائدة نحو مسكنها، حاملة معها أكياس، وبعد حوار قصير، دافئ، وسط الجليد، يقرر عدم قتلها، ومواصلة حياته مع فتاته التى تنتظره، جالسة على أريكة.. وقرر ـــ المخرج ـــ أن يجعل النهاية ساخنة، مأساوية، فدفع أحد رجال العجوز الوغد، الذى كان يريد الزواج من الشقيقة، إلى إطلاق رصاصات غادرة، على «سيار»، الذى يسقط مضرجاً فى دمائه، بينما نتف الجليد تتساقط على جثمانه.. وبينما تتباعد الكاميرا، فيما يعنى النهاية، يصر المخرج، الممسك بتلابيبنا ألا نغادر المقاعد، ووسط الطبل والزمر والزغاريد والأهازيج، يعود بنا إلى كردستان لنشهد زواج العجوز الوغد، من الشقيقة الصغيرة لـ«سيار» وهى نهاية هجائية، ساخرة وفاجعة فى آن، لم يكن لها ضرورة، شأنها شأن النهاية السابقة.. ولكن، هكذا أراد المخرج.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات