مسودة قانون العمل تعيدنا للعبودية - فاطمة رمضان - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 1:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مسودة قانون العمل تعيدنا للعبودية

نشر فى : الخميس 21 أبريل 2016 - 9:35 م | آخر تحديث : الخميس 21 أبريل 2016 - 9:35 م
عندما بدأت الحركة العمالية فى الصعود مع نهاية عام 2006 كان مطلب إلغاء قانون العمل 12 لسنة 2003 أحد أهم مطالبها. وذلك كونه يسمح لأصحاب الأعمال بفصل العمال تعسفيا، وهو السلاح الذى استخدم كمحاولة لكسر الحركة الاحتجاجية الصاعدة. وقتها اكتشف العمال أن فصلهم حق لصاحب العمل بموجب القانون، والأدهى من ذلك حقه فى الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية بعودة العمال.

وقد أثار ذلك سؤالا مهما فى أذهان العمال وكل ذى عقل، وهو كيف يستطيع العمال حبس رئيس الوزراء هشام قنديل لأنه لم ينفذ حكما قضائيا، ولا يستطيعون عمل نفس الشىء مع أى من أصحاب الأعمال الذين امتنعوا عن تنفيذ الأحكام الخاصة بعودة العمال لأعمالهم؟

وعندما طرحت أول مسودة لتعديل قانون العمل فى نهاية عام 2013 تصور العمال أن مطلبهم فى قانون عادل للعمل قد آن موعد تنفيذه، خصوصا أن الوزارة التى أصدرت المسودة هى الوزارة التى يرأسها أحد القيادات العمالية الذى طالما طالب بحقوق العمال. ولكن بقراءة متأنية للمسودة الأولى اتضح أن مشاكل قانون العمل القديم ما زالت موجودة، وأضيف إليها تعديات جديدة على حقوق العمال. واستمرت المسودات التى أصدرتها الوزارة خلال الثلاث سنوات الماضية على نفس المنوال بما فيها المسودة التى تقدمت بها الوزارة أخيرا لمجلس النواب.

وفيما يلى سوف نوجز أهم مشاكل المسودة الأخيرة:

1ــ أمر صاحب العمل فى فصل العمال لا رادع له، ولا حتى بحكم المحكمة:

لا تزال المسودة تسير على نهج القانون الحالى فيما يخص الفصل التعسفى، فعلى الرغم من نص م119 على أن جزاء الفصل من العمل هو للمحكمة العمالية، إلا أن من صاغوا المسودة أتوا فى المادة التالية لها مباشرة وأشاروا إلى اللجنة المشكلة لفض أى نزاع بين العامل وصاحب العمل، وضمن هذه النزاعات هو فصل العامل من قبل صاحب العمل م121، والتى نصت على أنه «إذا كان فصل العامل بسبب النشاط النقابى قضت المحكمة بإعادته إلى عمله إذا طلب» وللأسف هذه المادة بدون عقوبة، ولم يذكر فى المسودة شىء عن كيفية إلزام أصحاب الأعمال بتنفيذ هذه المواد!

2ــ الانتقاص من الأجور:

قسمت المسودة فى م1 تعريف الأجر، لأجر أساسى وأجر متغير، بحيث أن الأجر الذى تحدد على أساسه الحقوق المقررة للعامل أو العاملة (سواء إجازة مرضية أو إجازة وضع، أو بدل رصيد إجازاته، أو حتى التعويض فى حالة الفصل...) هو إجمالى أجره الأساسى وعناصر أجره المتغير التى لا ترتبط بالإنتاجية وفى هذه الحالة سوف تستبعد معظم عناصر الأجور المتغيرة لارتباطها بالإنتاجية. ويعد ذلك تراجعا فى حقوق العمال حتى عن قانون العمل الحالى 12 لسنة 2003 والذى يعرف الأجر بكونه مجموع ما يتقاضاه العامل من أجور أساسية ومتغيرة.

3ــ استحداث وكالات الاستخدام:

من الأشياء التى استحدثت فى القانون هو تعريف وكالات الاستخدام م1 «وكالات الاستخدام: شركات متخصصة فى اختيار العمال، أو تشغيلهم لحسابها أو لحساب الغير بالشروط التى أوجبها هذا القانون»، وبالعودة للشروط التى أوجبها القانون، تكشف م40 أنك لو كنت تمتلك على الأكثر 250 ألف جنيه، مقسمة ما بين خمسين ألف جنيه كرأسمال لشركة التشغيل بالداخل، وخطاب ضمان بـ 150 ألف جنيه، وبما لا يجاوز 50 ألف جنيه رسوم التأسيس، فسوف تصبح صاحب شركة ولا ينطبق عليك الحظر الوارد فى م44» لا يجوز للمنشآت تشغيل عمال عن طريق متعهد أو مقاول»، ويحق لك أن تلحق آلاف العمال للعمل لدى منشآت أخرى طبقا للمادة 45. ويعد ذلك تطورا شديد الخطورة، إذ إن دور المكاتب الاستشارية فى م16 ق12 لسنة 2003 فقط كان دراسة طلبات التوظيف المقدمة لصاحب العمل لمساعدته فى اختيار أفضل المرشحين للوظائف.

وقد أتت وكالات الاستخدام فى المسودة لتكون إضافة لما كان موجودا فى م17 من القانون الحالى (م39 من المسودة) والذى تحدث عن الجهات التى من حقها إلحاق المصريين للعمل بالداخل والخارج وقد فسرها عدد من الخبراء كونها منطقيه فقط فيما يخص التشغيل فى الخارج.

وهنا سؤلان لابد من الإجابة عنهما، الأول: ما المانع من تسجيل العمال لدى صاحب العمل الفعلى؟ ألا يكفينا رغم المنع والقيود فى القانون الحالى، أن هناك مئات الآلاف من العمال الآن بلا تأمين صحى أو اجتماعى أو عقد عمل، بالإضافة للتمييز الذى يمارس ضدهم فى الأجور، ولعل أبرزهم عمال شركات الأسمنت كمثال على شروط عبودية العمال لدى شركات توريد العمالة. السؤال الثانى: كيف يستطيع موظفى القوى العاملة القيام بعملهم فى تطبيق القانون ــ فالعمال أماكن تواجدهم فى المصانع والشركات التى يعملون بها، ولكنهم مسجلون فى شركات كل منها عبارة عن شقة عليها لافتة باسم الشركة، العمال ليسوا موجودين بها! إلا إذا كانت الوزارة لا تشغلها مسألة تطبيق القانون أصلا.

4ــ المفاوضة الجماعية، والإضراب عن العمل

ظلت المفاوضة الجماعية فى قانون العمل الحالى على الرغم من التفصيل الذى ورد بكل مراحلها بدون إمكانية لتفعيل حقيقى، فلا عقوبة على من لم يلتزم بتنفيذ م157 التى تنص على «إذا ثار نزاع عمل جماعى وجب على طرفيه الدخول فى مفاوضة جماعية لتسويته وديا. ويلتزم طرفا المفاوضة الجماعية، كل منهما للآخر بتقديم ما يطلب منهما من البيانات والمعلومات والمستندات التى تتعلق بموضوع النزاع والسير فى إجراءات المفاوضة...»، كما أنه لا عقوبة على من لم يلتزم بالمواد 160، 166 وهما الخاصتان على التوالى بإلزام صاحب العمل أن تكون اتفاقية العمل الجماعية باللغة العربية، وإلزامه بتعليق اتفاقية العمل الجماعية فى مكان ظاهر. نصت م169 على أنه « يلتزم طرفا الاتفاقية بتنفيذها بطريقة تتفق مع ما يقتضيه حسن النية وأن يمتنعا عن القيام بأى عمل أو إجراء من شأنه أن يعطل تنفيذ أحكامها» هذه المادة أيضا بدون عقوبة.

وفى ظل رفض أصحاب الأعمال الجلوس لمائدة المفاوضات، ظل الإضراب أو الاعتصام هو السلاح الوحيد للوصول للمفاوضة. وقد تم تقييد الإضراب بالكثير من القيود فى المواد بداية من 191 حتى م194. كما تم حظر الإضراب والدعوة إليه فى المنشآت الاستراتيجية، أو الحيوية التى يترتب على توقف العمل فيها الإخلال بالأمن القومى، أو الخدمات الأساسية التى تقدمها للمواطنين. ويصدر قرار من رئيس مجلس الوزراء بتحديد هذه المنشآت. كما يحظر الإضراب عن العمل أو إعلانه أو الدعوة إليه فى الظروف الاستثنائية»، والجملة الأخيرة أضيفت على م194 ق12 لسنة 2003، ولم يقل لنا من الذى يحدد الظروف الاستثنائية؟. وجزاء عدم الالتزام بهذه الضوابط هو الفصل طبقا للمادة م118، هذا طبعا بخلاف العقوبات التى وردت فى قانون التظاهر والقانون 134 لسنة 2011.

كما تم حظر الإضراب لكل العمال فى أثناء مراحل وإجراءات تسوية منازعات العمل الجماعية، م195، ولم يقل لنا ماذا يفعل العمال فى حال عدم التزام صاحب العمل ومماطلته فى هذه المراحل لشهور بل وسنوات. كما تم حظر الإضراب أو حتى إعلانه بقصد تعديل اتفاقية عمل جماعية أثناء مدة سريانها م193.

5ــ الانتقاص من حقوق الأولى بالرعاية من العمال

منها انتقاص حقوق العامل المريض فطبقا لـ م102 العامل المريض بعد شهر واحد من إجازته المرضية ــ كل ثلاثة سنوات ــ يبدأ أجره فى النقصان، فيأخذ ثمانية أشهر بأجر يعادل 75% من أجره ثم ثلاثة أشهر بدون أجر، وذلك إذا قررت الجهة الطبية المختصة احتمال شفائه، وله الحق فى تحويل متجمد إجازاته السنوية لإجازة مرضية. وبعد ذلك من حق صاحب العمل فصله طبقا للمادة 143 من المسودة.

وفى الحقيقة أننا أمام جريمة ترتكب فى حق العامل المريض، فبدلا من أن نزيد أجره لأنه يحتاج لأموال أكثر فى مرضه، نجد أننا نعاقبه فننقص من أجره تدريجيا، إلى أن نصل لفصله وكأننا نعاقبه على مرضه.
منها أيضا الانتقاص من حقوق ذوى الإعاقة:

لم تتحدث المسودة من قريب أو بعيد عن حقوق ذوى الإعاقة فى الدمج والإتاحة، كما أن المسودة لم تنظر لمستقبل ذوى الإعاقة، فى المادتين 203، 204 الخاصة باختيار موقع المنشآت أو شروط منح الترخيص لم تذكر مسألة الإتاحة الخاصة بذوى الإعاقة كشرط ضرورى من شروط الموافقة على الترخيص.

كما رأينا أن مسودة القانون لا تذهب بنا لبناء مستقل به علاقات عمل آمنة ومستقرة، بل تذهب بنا إلى علاقات عمل كلها نزاعات ــ منذ بداية العمل وحتى انتهائه ــ السيادة فيها للأقوى فى ظل غياب وسائل ردع للمعتدى. كما أنها لم تراع لا العامل المريض ولا حتى ذوى الإعاقة.

أنها مسودة تعيدنا بجدارة لزمن العبودية.
فاطمة رمضان باحثة في الشئون العمالية ومدير برنامج المشاركة السياسية للنساء والشباب في مؤسسة قضايا المرأة المصرية
التعليقات