لكل قيصر.. عدو - كمال رمزي - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 11:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكل قيصر.. عدو

نشر فى : الجمعة 22 يناير 2016 - 11:20 م | آخر تحديث : الجمعة 22 يناير 2016 - 11:20 م
العدو فى تراجيديا شكسبير، هو كاسيوس، المفعم بكراهية يوليوس، كلاهما يتحدث بزراية عن الآخر، لكن، فى ثنايا كلامهما، تفلت عبارات، على مضض، تعترف بفضيلة ما، تبدو واضحة برغم أنها لم تأت من باب الثناء.. كاسيوس، يحكى لبروتس عن ذلك اليوم الممطر، العاصف.. هاجت فيه أمواج نهر «التيبر». قال يوليوس لصديقه الحميم ـ أيامها ـ هل تجرؤ يا كاسيوس أن ترمى بنفسك الآن معى فى هذا النهر المائج وتسبح إلى الضفة الأخرى؟ فورا، ألقى كاسيوس بنفسه فى المياه، ويعترف أن يوليوس لحق به فورا، ويواصل «انطلقنا نجالد النهر الزاخر المزمجر بعضلات من حديد! نشق عبابه، ونكبح جماحه بقلبين عقدا العزم على النضال».. المهم، فى هذه الحكاية التى تنتهى بإنقاذ يوليوس على يدى كاسيوس، أن الأخير، ضمنيا، يعترف بشجاعة يوليوس وإقدامه.
فى المقابل، على طريقة وليم شكسبير، ثمة جانب جدير باحترام كاسيوس، يأتى فى سياق هجاء يوليوس له، حيث يقول «إنه كثير القراءة، دقيق الملاحظة، يفكر أكثر مما ينبغى، ليته كان أقول نحولا.. مثل هؤلاء الرجال مصدر خطر!».
كاسيوس، عند شكسبير، ليس مجرد متآمر، لكنه، بلغة عصرنا، مثقف كبير، وبالتالى مزعج لأى حاكم، خاصة عندما يتحول الحاكم إلى «قيصر»، وبالضرورة، من طبائع الأمور، تصاعد الخلافات إلى صدامات، ثم تصفية حساب، ولو بالاغتيالات.. وهذا حال بلادنا العربية، بما فيها مصر.
واجه جمال عبدالناصر، فى فترة حكمه «١٩٥٤ ـ ١٩٧٠»، أكثر من كاسيوس، ربما أخطرها، محاولة اغتياله فى ميدان المنشية، عقب شهر عسل قصير بين مجلس قيادة الثورة والإخوان المسلمين.. فى ٢٦ أكتوبر ١٩٥٤، أطلق أحد أعضاء الجماعة عدة رصاصات على عبدالناصر، أثناء إلقاء خطابه، وإثر فشل المحاولة، تعرض التنظيم إلى واحدة من أشد الضربات الدورية التى يتلقاها، بمعدل نكبة، كل عقد من الزمان.
جمع عبدالناصر كل خيوط السلطة فى يديه، لكنه انحاز، بجرأة ووضوح، إلى الطبقات الفقيرة، ومع تأميم القناة، وبناء مئات المصانع والمدارس والمستشفيات، زادت شعبيته، وقوته، وبالتالى أصبح قيصرا، لا يشق له غبار.. ولأن القيصر، لا يميل لمن يفكر كثيرا، ولا يطيق إلا الولاء الكامل، أقدم عبدالناصر، فى العام ١٩٥٩، على الزج بمئات المثقفين اليساريين، من ذوى القامات العالية، فى غياهب المعتقلات، ومن بينهم، كمجرد أمثلة: محمود أمين العالم، لويس عوض، صلاح حافظ، حسن فؤاد، ألفريد فرج، جمال كامل، محمود السعدنى، فتحى خليل.. والقائمة تطول.
الصحفى الهندى الشهير «كارانجيا»، سأل عبدالناصر إذا كان قد تردد فى القبض على كل هؤلاء المثقفين، خشية من رد فعل الشارع؟ أجابه القيصر بعبارة ذات نكهة شكسبيرية: إنهم جنرالات بدون جيوش.
جدير بالذكر أن جمال عبدالناصر، فيما قبل رئاسته للجمهورية «١٩٥٦»، ولمجلس الوزراء «١٩٥٤»، قام بدور كاسيوس، مع اللواء محمد نجيب، واكتفى بتغييبه عن الأنظار، بتحديد إقامته وليس قتله، فهل كان رحيما معه؟
فى حياة قيصر مصر المحبوب، يتوالى ظهور العديد من «الكاسيوسيين»، آخرهم، وربما أخطرهم، وأشدهم تهورا، عبدالحكيم عامر، المشير، اللاهى، قائد الجيش المهزوم فى «١٩٦٧»، الذى ظل طوال عمره «مجرد صاغ»، حسب تعبير لويس عوض، فى كتيبة «أعمدة الناصرية السبعة.. انتهت حياة عامر بالانتحار، لكن ليس بالسيف، على طريقة كاسيوس شكسبير، إنما بالسم»، وفقا للرواية الرسمية.
جاء السادات بعد رحيل عبدالناصر «١٩٧٠»، وبممارساته السياسية والاقتصادية، افتقر إلى ما كان يتمتع به سلفه من شعبية، ومع زيادة النقمة عليه، من الناس، والمثقفين، أصبح غلاطا، فظا، يصف المختلفين بالأفنديات الأرازل.. وما أن جاء سبتمبر ١٩٨١، حتى أقدم على حماقة غرور «قيصرى»، قلما حدث مثلها من قبل، ذلك أنه، فى أقل من يومين، قبض على أكثر من ألف وخمسمائة مثقف ومثقفة، من اليسار واليمين، فكان، بحكم المنطق لابد أن يدفع فاتورة تهوره، بدمه، بعد عدة أسابيع.
خلال ثلاثين عاما من حكم مبارك، مع انتفاء أى بادرة لتداول السلطة، نجح النظام الفردى فى حشد ملايين المناوئين له، يعززهم الآلاف من المثقفين، تدفقوا فى ميادين مصر، غضبا وأملا، وكأن ما حدث، فى يناير ٢٠١١، تطبيقا للقانون الذى أدركه شكسبير: كلما وجد قيصر ظهر كاسيوس.
كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات