5 ــ تكريمه بتحرير إرادته - جمال قطب - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 10:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

5 ــ تكريمه بتحرير إرادته

نشر فى : الجمعة 24 مايو 2013 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 مايو 2013 - 9:03 ص

(1)

ليس بين سائر المخلوقات من يملك حق القبول والرفض وحق العمل والكسل، وحق الإيمان والكفر سوى الإنسان ابن آدم !!! فكل ما خلق الله فى السماوات والأرض وما فيهما وما بينهما مسخر يعمل ما كلفه به ربه دون كلل ولا ملل، هكذا فالسماوات وفيها من كواكب وأبراج مكلفة أن تبقى سقفا مرفوعا فوق الناس تظلهم «وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفا مَحْفُوظا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ» الأنبياء 32، كذلك وترسل لهم الغيث «وَهُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيد» الشورى 28.

 

ومن الشمس والقمر يحدث الليل والنهار مما يتيح لابن آدم وقتا للعمل ووقتا للراحة «قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ «٧١» قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» القصص 71-72.

 

كذلك فمما سخره الله لعباده الرياح «وَاللَّهُ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ» فاطر9.

 

وكل ما فى الأرض مسخر للإنسان، فالجبال والتربة الأرضية والنبات والحيوان كل ذلك طوع الإنسان، ولا تملك الأرض أن تطرد بشرا خارج نطاقها، ولا يأبى الحيوان أن يذبحه الإنسان ويأكله، وكذلك الأنهار لا تستطيع أن تمنع ماءها العذب عن البشر والحيوان والطير «إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ» البقرة 164.

 

هكذا فكل المخلوقات مسخرة لخدمة الإنسان كما أوضحت الآيات.

 

(2)

 

والجبال رغم شدتها وضخامتها لا تستطيع تحمل مسئولية حرية الإرادة أى أن الجبال لا تستطيع أن تكون حرة القرار فى أن تقبل وترفض أو تخدم إنسانا دون آخر، فالجبال على ذلك تعترف بضعفها حينما تعتذر عن تحمل الأمانة (حرية الإرادة والتكليف). ومثل الجبال تماما اعترفت السماوات والأرض بعجزهما عن تحمل الأمانة فرفضتا أن يتمتعا بحرية الإرادة حيال الإنسان فالأرض مأمورة أن ترحب بمن يقيم عليها ومن يشقها ويزرعها أو يستخرج ما فى باطنها، والسماء كذلك مأمورة أن تبعث بخيراتها لكل من تحتها، لذلك رفضت السماوات والأرض والجبال أن تتحمل الأمانة أو أن يكون لها حرية القبول والرفض «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوما جَهُولا» الأحزاب 72.

 

 فتحرير الإرادة وحق الاختيار له وجه آخر هو «تحمل المسئولية» عن جميع تصرفاته والتزام «الحياد ضبط النفس» و«عدم الاستسلام للعاطفة والهوى».

 

لقد أعلنت السماوات والأرض والجبال رغم قوتها وشدتها عدم القدرة على الحرية وعلى التزام الحياد مع الآخر أيا كان، وأنهم إذا منحوا حرية الاختيار ما استطاعوا تحمل كفر الكافر ولا فساد المفسد، بل قد يحيطون به وينتقمون منه، ولذلك أعفاهم الله من تحمل مسئولية الحرية والتكليف، وأبقاهم كائنات مسخرة للمخلوقات كافة من البشر وغير البشر تؤدى واجباتها نحوهم جميعا.

 

(3)

 

وجاء الإنسان المستخلف فلما عرضت عليه أمانة الحرية وحق الاختيار فرح بها وتشوق إليها وحملها ــ لكنه للأسف ــ لم يتحملها، أى لم يستطع التوفيق بين حريته فى الاختيار وبين مسئوليته فى الحفاظ على الأنفس والأموال والعقل، ومسئوليته عن إبلاغ شريعة الله دون اكراه الناس على ذلك. فيا هذا الإنسان إن الله لم يسخرك ولم يكرهك على عبادته، فهل تتكبر أنت تكره الناس وتنقم منهم؟! «.... فَمَالِ هؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا» النساء 78

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات