المجتمع الأبوى وقهره للرجل - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 9:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

المجتمع الأبوى وقهره للرجل

نشر فى : الإثنين 24 يوليه 2017 - 9:35 م | آخر تحديث : الإثنين 24 يوليه 2017 - 9:35 م

فى تناولنا للمجتمع الأبوى القائم على العائل الأوحد للأسرة، المسئول عن أمنها وسلامتها والذى مقابل هذا له حق القرار الأخير على أفراد الأسرة. عندما نتناول مجتمعنا هذا وأثره على الشخصية المصرية عادة ما نتناول قضايا المرأة والطفل، ونتناسى مصير الرجل فى ظل هذه الثقافة.
يولد الطفل الذكر وعليه عبء أحلام وآمال مسبقة، فالأسرة التقليدية عندما تظلم الفتاة بوضعها فى قالب الزوجة والأم دون اعتبار لأحلامها وقدراتها فهى كثيرا ما تضع على ابنها الصغير عبء تحقيق أحلام والديه المهنية.
ولأن الابن مطلوب منه أن يكون «رجلا» ويا حبذا أن يكون «سوبر مان» فهو أكثر عرضة للضرب أو الايذاء اللفظى فى الصغر من أخته، كما أنه يحث على كبت مشاعره «ما تعيطش أنت راجل» «ما تبقاش مايص». ومع وصوله سن المدرسة كثيرا ما يحرم من الأحضان والقبلات من الأم والأب رغم أنها من أهم مصادر الطمأنينة لدى الطفل، ومن ثم نشتكى أن الرجل الشرقى لا يجيد إظهار المشاعر. أما إذا تعرض الطفل إلى الضرب أو الايذاء من زملائه يحثه الأهل على «أخذ حقه بذراعه»، «اللى يضربك اضربه»، فبدلا من أن نعلمه أن يبلغ المسئول عن حمايته (المدرسة أو الأم أو الأب) حتى يتدخل، نقوم بالسخرية منه والضغط عليه كى يتغلب على مشاعره الفطرية بعدم اللجوء إلى العنف ونقوم نحن بتعليمه البلطجة (ثم نتعجب من منظر رجال كبار يتشاجرون بالأيدى فى الشارع لحل مشاكلهم).
عندما يبلغ سن المراهقة لا يحظى بنفس الرقابة التى تحظى بها الفتاة، وفى حين أن الفتاه تعانى من رقابة تعوق نضجها الاجتماعى، فإن الفتى يحرم من الحماية المطلوبة له من الأبوين فى سن يكون فيها معرضا لمخاطر كثيرة، وبالتالى فأعداد الذكور المراهقين ممن يعانون من الادمان، أو ممن يرتكبون جرائم، أو يصابون فى حوادث سيارات هم أضعاف أعداد الفتيات، ليس لأن البنين أكثر ميلا بالضرورة لهذه الممارسات لكن لأنهم يفتقدون الرعاية والحماية الأبوية المطلوبة، كونهم بنين يرى المجتمع أن اكتسابهم تجارب حياتية من هذا النوع «تزيد من رجولتهم»، والنتيجة مؤلمة لمجرد أنهم ولدوا ذكورا فى هذا المجتمع.
***
إذا انتقلنا إلى الرجل بعد الزواج، فى مجتمع يتربى فيه الولد على أن رجولته مستمدة من كونه «رأس الأسرة»، وهذه السلطة تأتى (أو كانت فى الماضى تأتى) من كونه العائل الأوحد (هذا المفهوم مازال موجودا فى مجتمعنا حتى فى وجود نسبة عالية جدا من الأسر التى تشارك فيها الزوجة فى الاعالة)، وبالتالى يجد الرجل نفسه تحت ضغط عصبى شديد، فهو إما مسئول عن اعالة الأسرة بأكملها (أى أن فردا واحدا من الأربعة، بافتراض أن الأسرة مثالية ولم تنجب سوى طفلين) فرد واحد منهم هو العامل المنتج والثلاثة الآخرون مستهلكون، وهذا فى سوق عمل شديدة القسوة وظروف اقتصادية سيئة، وإما أن تكون الزوجة عاملة ولها دخل تساهم به فى بناء أسرتها والانفاق على أبنائها (وهو أمر المفروض أنه طبيعى، حيث المجتمع يحتاج إلى مساهمة كل أبنائه وبناته، كما أنها كاملة الأهلية والمفروض أن تتحمل مسئولية الأطفال مناصفة مع الزوج طالما أنها اتخذت قرار الانجاب)، لكن لأنه رجل مصرى، ويعيش فى مجتمع أبوى، وزوجته كذلك فعادة ما يتم تجاهل مساهمة الزوجة، فيتم خلق «أعذار» من الجميع لعملها (بتتسلى، زهقانة، عايزة تحقق ذاتها الخ…)، وقلما يتقبل الاثنان الحقيقة البسيطة وهى أنهما شركاء، شركاء فى البيت والأطفال والمسئولية والأعباء، وأن هذا لا يقلل من شأن الرجل ولا يضعفه أمام زوجته أو المجتمع. النتيجة مجموعة من التشوهات الاجتماعية، منها رفضه لمشاركتها فى أعباء المنزل (استكمالا لتمثيلية هى بتشتغل علشان نفسها) مرورا باستخدام الزوجة كارت عملها فتوجهه مع كل خلاف (وكأنها ناقصها إيد أو رجل لكى تنتج وتعول نفسها إلخ)، فيظهر كثير من التشوهات التى تنتج عن انعدام العدل بين الطرفين.
***
نأتى للحظة الانجاب والتربية، فتقوم سيدات الأسرة (الزوجة، الأم، الحماة) بالتعامل مع الأب وكأنه ليس طرفا فى حدث الانجاب، فالكل يتعامل معه على أنه غير قادر على تعلم فن رعاية الطفل (وكأن الأم عندها سوفت وير يتم تركيبه مع الولادة)، وبالتالى فكثيرا ما يحس الأب أنه ليس جزءا من الكيان الجديد الذى تشكله الأم مع الطفل، فهو ليس مدعوا لزيارة طبيب الأطفال، وغير مطلوب منه أن يتعلم تغيير الحفاضة أو حمام الطفل أو التعامل معه وهو مريض وأكيد ليس مطلوبا منه أن يقوم من نومه إذا بكى الطفل، وكثيرا ما لا يكون جزءا من متابعة أخبار الطفل سواء فى الحضانة أو المدرسة، وقد يبدو أن عدم تحمل مثل هذه المسئوليات ميزة، إلا أنه فى الحقيقة يحرم الأب من فرصة لا تعوض أثناء سنوات الطفولة، وهى فرصة الترابط النفسى، فما يربط الطفل بالأم ليس فقط ذكرى تحركه فى أحشائها، ولا لحظات تقارب جلد الاثنين أثناء الرضاعة وإنما كل اللحظات التى قضتها الأم فى خدمة طفلها ورعايته، هذه اللحظات التى رأت فيها أول ابتسامة، وسمعته ينطق أول حرف، وساعدته على أخذ أول خطوة، وكل المرات التى رافقته إلى الحضانة أو المدرسة، ومعرفتها بأصدقائه ومتابعتها لرياضته ولحظات فوزه وهزيمته، هذه اللحظات هى جائزة التواجد مع الطفل ساعة بساعة ويوما بيوم فى الأمور الحياتية التى تبدو مملة ويصورها المجتمع أنها (نسوية)، وهى لحظات تعلم الرجل منذ كان طفلا أنه فى غنى عنها، أو أنها لا تليق به كرجل، وبالتالى تحرمه من متعة من السهل أن يكون شريكا فيها لولا القالب الصلب الذى وضعه فيه المجتمع.
الاحصاءات تقول إن معدلات الطلاق فى مصر قاربت على الخمسين بالمائة، وهو ما يعنى أن نصف من يتزوجون (على الأقل) لا يجدون السعادة فى النظام الأسرى الحالى، ألم يأتى الوقت لنراجع مفاهيمنا؟ هل نستطيع أن نتجاهل أن التطور فى نظم التعليم، والمعرفة، والاقتصاد، ونظم العمل، وحتى السياسة والتطور التكنولوجى إلى آخر كل التغييرات التى طرأت على العالم وبالتالى على مجتمعنا، هل ننكر أنه لم يصاحبها تطور كافٍ فى مفاهيمنا عن الأسرة؟ هل يعقل أن يتشابه من يتزوجون اليوم مع أجدادهم فى أحلامهم واحتياجاتهم ورغباتهم؟ وإذا كان حدث تغيير فى النظام الأسرى فهل حدث بشكل صحى؟ هل كان عادلا على كل الأطراف؟
قد يكون التغيير مخيفا، لكن الجمود قاتل.

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات