النموذج الخامنئى - أحمد الصاوى - بوابة الشروق
الأحد 8 يونيو 2025 3:20 ص القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تتوقع نجاح اتفاق الهدنة في غزة؟

النموذج الخامنئى

نشر فى : الإثنين 26 نوفمبر 2012 - 8:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 26 نوفمبر 2012 - 8:20 ص

مرة ثالثة ورابعة وخامسة أذكرك بهذه القصة الحقيقية:

 

( كان الصحفى الإيرانى «هوشانج أسدى» يبلغ من العمر 26 عاما، بينما كان «على خامنئى» يبلغ من العمر 37 عاما حين التقى الاثنان فى زنزانة من زنازين الشاه، قبل قيام الثورة الشعبية التى شاركت فيها كل القوى السياسية فى إيران بعدة أعوام والتى تحولت بعد سيطرة التيار الدينى على زمامها إلى «ثورة إسلامية».

 

لم يكن هوشانج يعرف أن زميله فى الزنزانة سيكون يوما ما المرشد الأعلى فى إيران، وصاحب الأمر والنهى والولاية، لكنهما، حسبما جاء فى مذكراته التى عنونها بـ«رسائل إلى معذبى»، ونشرت تفاصيلها فى وقت سابق صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، كانا يحلمان بالعدل وسط سياسات التعذيب والتنكيل التى تعرضا لها فى عهد الشاه.

 

كان الأول «شيوعى» والثانى «إسلامى»، لكن كليهما جمعت بينهما المعارضة للقمع والاستبداد، والتطلع إلى حرية تحمى كرامة الإنسان، تشاركا الزنزانة والسيجارة والحياة، تصادقا وتبادلا الحكايات، وعندما حان موعد الفراق وصدر قرار بترحيل «هوشانج» من سجنه، تعانقا فى لحظات الوداع وبكيا، وقال له «خامنئى»: «فى ظل حكومة إسلامية لن يذرف برىء دمعة».

 

كان «خامنئى» فى وقتها يعى ما يقوله تماما ويؤمن به، فنظرة واحدة لسطور «هوشانج» عن رفيقه فى السجن وعن تقواه وورعه ورقته وقبوله للآخر باعتباره إنسانا يصبو للعدل تكفى لتخرج بهذا الاستنتاج، لكن الصديقين افترقا، وغادرا السجن، وقامت الثورة الإسلامية فى إيران، وتشكلت الحكومة التى كان يحلم بها ويروج لها «خامنئى»، ويقول إن بريئا لن يذرف دمعة فى ظلها، لكن سنوات قليلة مضت كان «خامنئى» يصعد فى سلم السلطة الجديدة، وكان «هوشانج» يعود إلى الزنزانة ذاتها، لم يتغير منها سوى أنها صارت انفرادية دون صحبة الشيخ التقى، وتغير السجان من حكم الشاه إلى حكم «الملالى»، وتبدل الجلاد من «السافاك» إلى الحرس الثورى.

 

كان «هوشانج» شابا يتوق للحرية، يشعر بوطنية عميقة، مغرما بالأدب، كان يظن أن العالم يمكن أن يتغير، لذلك وقف إلى جوار الثورة الإيرانية وهو يؤمن بشدة بأن الديكتاتورية ستنتهى إلى الأبد، لكنه فجأة وجد نفسه فى جحيم الزنازين والتعذيب.. معذبه ظن أنه يمثل الله على الأرض، ورآه جاسوسا وخائنا وتجسيدا للفساد والشر، حتى يجعل تعذيبه «حلالا».

 

تخطئ لو أخذت هذه القصة على أنها شأن إيرانى، فالمسألة أكثر عمقا من ذلك، ومتكررة، خاصة فى شعوب ثقافة الحريات فيها ليست أكثر من شعارات، فلا تصدق داعيا لـ«الحرية والعدالة» إلا بعد أن تشاهد تجربته فى السلطة، لأن هذه اللعينة «السلطة» كما قال «هوشانج» غيرت الشيخ التقى الورع الذى كان يبكى أثناء الصلاة، وجعلته قائدا فى نظام لم يتورع عن استخدام كل أساليب القمع التى سبق وتعرض لها وقاومها، فى التنكيل بمعارضيه.

 

أذكرك فقط  بهذه السطور بعد أن أصدر رئيس الجمهورية المنتخب وفق آليات الدستور والقانون قرارات تعصف بالدستور والقانون وتضعه فى مكانة اكثر استبدادا من تلك التى يجلس عليها الولى الفقيه فى إيران.. اربط ذلك بالبلاغات المتواترة التى تتهم رفاق النضال والميدان والثورة بالتخطيط لقلب نظام الحكم.

 

لكل خامنئى صورتان واحدة وهو فى المعارضة المستضعفة والثانية فى السلطة المستعفية، ولكل خامنئى رفيق هوشانج يراه بعين المعارض المستضعف وطنيا وشريفا ومناضلا، لكنه يتحول إلى خائن وعميل ومتآمر، بعين الديكتاتور المتمكن.

 

 

أحمد الصاوى كاتب صحفي
التعليقات