القبطان «فيلبس» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 3:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

القبطان «فيلبس»

نشر فى : الثلاثاء 26 نوفمبر 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 26 نوفمبر 2013 - 8:00 ص

لا علاقة بهذا العمل بعشرات الأفلام التى حققتها هوليوود، بمهارة، عن مغامرات قراصنة القرن السابع عشر، فى سنوات العصر الذهبى للقراصنة، بسفنهم الحربية، المدججة بمدافع جانبية، ترفرف على سارياتها أعلام سوداء حول رأسه، يدارى به عينيه المفقودة.. كذلك لا علاقة بين «كابتن فيلبس» ومرح كوميديات «قراصنة الكاريبى»، فى مسلسلاتها الشهيرة، المسلية.

«كابتن فيلبس» يعتمد على ما كتبه قبطان سفينة الشحن الأمريكية» مارسك ألا باما»، وما حدث معه فى الأيام الأربعة، التى عاشتها كرهينة فى يد قراصنة صوماليين، إستولوا على السفينة عقب عبورها من خليج عدن فى طريقها لميناء «مومباسا» - بكينيا.. الفيلم، ليس سيرة ذاتية، كما يقول البعض، ولكن إعادة تجسيد تفاصيل أهم وأخطر لحظات حياة قائد سفينة، يتحلى بكل القيم الأمريكية، طبقا للمعايير الهوليوودية: الشجاعة متانة الأعصاب، الذكاء، سعة الحيلة، قوة التحمل، مراعاة المسئولية.. ويعبر، توم هانكس، عن هذه المواصفات، بأسلوب يبتعد تماما عن المغالاة، يجمع بين البساطة والصدق، يعتمد، حتى فى أكثر المواقف مدعاة للانفعال، أن يظل صوته منخفضا، يكاد يكون هامسا، بينما صخب الانفعالات، وتطورها، وتغيرها، تنطق بها ملامح وجهه، خاصة عينيه.. لذا، من المنطقى أن يرشحه كثير من النقاد، لجائزة الأوسكار.

توم هانكس، هو بطل الفيلم من دون منازع أو مشارك، وحتى كاثرين كينز، التى تؤدى دور زوجته، لا تظهر إلا فى مشهد يتيم، فى البداية، تستمع له، ونستمع معها، لكلامه الحكيم، عن ضرورة حصول أولادهما على أكبر قدر من العلم والتفوق، لأن فرص العمل، فى المستقبل، ستكون شحيحة، إلا لأصحاب المهارات العالية.. لكن، لأن الفيلم يتعرض لقرصنة سفينة، وصراع بين طرفين، كان لابد من إفساح المجال لحضور القراصنة، وهنا تظهر براعة المخرج «بول جرينجراس»، ومساعديه، فى اختيار الممثلين، فمن بين «700» صومالى من هواة الفن، يعيشون فى أمريكا، تم اختيار أربعة منهم، للقيام بأدوار القراصنة، على رأسهم قائدهم، عبدالوالى ميوس، الذى يؤدى دوره «بركات عبده»، المولود فى الصومال، والذى يعيش فى الولايات المتحدة، ممارسا للتمثيل والإخراج، مبتدئا طريقه للصعود، وربما يكون ظهوره هنا ، خطوة واسعة نحو نجاحه.. «بركات»، ومن معه، شكلا كأنهم قادمون من صحارى مجاعة الصومال. وجوههم المكدودة، جلد على العظم، لا يمكن معرفة أعمارهم، فملامحهم المشدودة، بعيونهم التى يعتمل فيها التحدى بالذعر، لا تترك مجالا لمعرفة إن كانوا صبية أو من الرجال.. وحتى القبطان، يقول لأحدهم: كأنك فتى لم تتجاوز السادسة عشرة عاما.

السيناريو الذى كتبه «نيلى راى»، مقسم إلى ثلاثة أجزاء وهمية، الأول، برغم قصره، شديد الأهمية، وربما - بالنسبة لى، بصفتى من مواطنى العالم الثالث - ترجع أهميته إلى كونه يعقد مقارنة بين حياة المواطن الأمريكى من ناحية، وحياة جيراننا الصوماليين من ناحية أخرى.. المشهد الافتتاحى، الصامت، تتوقف الكاميرا أمام فيللا بيضاء جميلة، أمامها حديقة خضراء الحشائش، ثم الكابتن فى عربته مع زوجته، يدور بينهما الحوار سالف الذكر، وهو فى طريقه للميناء كى يقود السفينة.. ينتقل الفيلم إلى الصومال: غبار ورمال، أطفال حفاة، خيام مهترئة، زحام غامض، نساء نحيلات، حجرات من صفيح، خالية من أى أثاث، رجال نائمون.. فجأة، يدب الحماس، فبعض رجال رؤساء عصابات السماسرة حضروا، بسيارات رباعية الدفع، يمنحون فرصة المشاركة فى قرصنة سفينة «مارسك ألا باما».. إنه جزء يرصد الفارق الواسع بين عالمين، من دون تحليل.

فى الجزء الثانى، الأطول، المتسم بالإثارة والتشويق، المدعوم بالموسيقى المصاحبة، والتصوير الجيد، والمونتاج السريع، يندلع الصراع بين زورقين صغيرين، يحملان القراصنة، والسفينة الضخمة، الخالية من السلاح، يلجأ «فيلبس».. إلى الحيلة لإبعاد الخطر، ولأنه يعرف أن القراصنة يلتقطون إشاراته ورسائله، يتعمد التظاهر بإبلاغ قيادته بتعرضه للقرصنة، ثم إبلاغ قيادته له بأن طائرات سلاح الجو ستتعامل مع الموقف، خلال دقائق.. أحد الزورقين ينسحب، بينما الثانى، بقيادة «عبدالمولى» يواصل، بإصرار، مهمته، برغم خراطيم المياه المسلطة على زورقه.. يأمر القبطان رجاله العشرين بالاختباء فى حجرة الآلات، ويواجه منفردا، الموقف، بعد صعود القراصنة - عددهم أربعة - إلى السفينة. تدور حوارات، ومصادمات، ومباحثات، ومساومات، بعضها لا يخلو من طرافة، خاصة حين يحتج «عبدالمولى»، الحافى القدمين، المهلهل الثياب، على المبلغ الصغير المعروض عليه، فيقول لفيلبس: هل ترانى أو تحسبنى شحاذا؟

أخيرا، بعد عناء القبطان، داخل زورق نجاة، صغير وضيق ومغلق، يأتى الفرج فى الجزء الثالث، القصير، بعد نجاح البحرية الأمريكية من إصطياد ثلاثة قراصنة بطلقات رصاص لا تخيب، والقبض على قائد العملية، وتحرير قائد السفينة المنهك، الذى يحاول استجماع شتات نفسه، ويتألق توم هانكس فى تعبيره الهادئ عن العواصف التى تعتمل بداخله.. ويكتب على الشاشة أن «عبدالمولى»، المقبوض عليه، تم ترحيله إلى أمريكا التى حكمت عليه بالسجن «33» عاما.. وهو، فى مفارقة ذات شأن، كان يحلم، فى الأيام الخوالى، أن يعيش فى بلاد العم سام.

«الكابتن فيلبس»، حكاية يرويها، سينمائيا، البريطانى، بول جرين جراس، طرفاها، الأمريكى، والصومالى، وهى تسرد، من وجهة نظر المنتصر، الأمريكى.. فمن الذى سيخطرنا، بما حدث، وأسبابه، من وجهة نظر من لم يكتب له النصر.. الصومالى؟

القبطان «فيلبس»لا علاقة بهذا العمل بعشرات الأفلام التى حققتها هوليوود، بمهارة، عن مغامرات قراصنة القرن السابع عشر، فى سنوات العصر الذهبى للقراصنة، بسفنهم الحربية، المدججة بمدافع جانبية، ترفرف على سارياتها أعلام سوداء حول رأسه، يدارى به عينيه المفقودة.. كذلك لا علاقة بين «كابتن فيلبس» ومرح كوميديات «قراصنة الكاريبى»، فى مسلسلاتها الشهيرة، المسلية.

«كابتن فيلبس» يعتمد على ما كتبه قبطان سفينة الشحن الأمريكية» مارسك ألا باما»، وما حدث معه فى الأيام الأربعة، التى عاشتها كرهينة فى يد قراصنة صوماليين، إستولوا على السفينة عقب عبورها من خليج عدن فى طريقها لميناء «مومباسا» - بكينيا.. الفيلم، ليس سيرة ذاتية، كما يقول البعض، ولكن إعادة تجسيد تفاصيل أهم وأخطر لحظات حياة قائد سفينة، يتحلى بكل القيم الأمريكية، طبقا للمعايير الهوليوودية: الشجاعة متانة الأعصاب، الذكاء، سعة الحيلة، قوة التحمل، مراعاة المسئولية.. ويعبر، توم هانكس، عن هذه المواصفات، بأسلوب يبتعد تماما عن المغالاة، يجمع بين البساطة والصدق، يعتمد، حتى فى أكثر المواقف مدعاة للانفعال، أن يظل صوته منخفضا، يكاد يكون هامسا، بينما صخب الانفعالات، وتطورها، وتغيرها، تنطق بها ملامح وجهه، خاصة عينيه.. لذا، من المنطقى أن يرشحه كثير من النقاد، لجائزة الأوسكار.

توم هانكس، هو بطل الفيلم من دون منازع أو مشارك، وحتى كاثرين كينز، التى تؤدى دور زوجته، لا تظهر إلا فى مشهد يتيم، فى البداية، تستمع له، ونستمع معها، لكلامه الحكيم، عن ضرورة حصول أولادهما على أكبر قدر من العلم والتفوق، لأن فرص العمل، فى المستقبل، ستكون شحيحة، إلا لأصحاب المهارات العالية.. لكن، لأن الفيلم يتعرض لقرصنة سفينة، وصراع بين طرفين، كان لابد من إفساح المجال لحضور القراصنة، وهنا تظهر براعة المخرج «بول جرينجراس»، ومساعديه، فى اختيار الممثلين، فمن بين «700» صومالى من هواة الفن، يعيشون فى أمريكا، تم اختيار أربعة منهم، للقيام بأدوار القراصنة، على رأسهم قائدهم، عبدالوالى ميوس، الذى يؤدى دوره «بركات عبده»، المولود فى الصومال، والذى يعيش فى الولايات المتحدة، ممارسا للتمثيل والإخراج، مبتدئا طريقه للصعود، وربما يكون ظهوره هنا ، خطوة واسعة نحو نجاحه.. «بركات»، ومن معه، شكلا كأنهم قادمون من صحارى مجاعة الصومال. وجوههم المكدودة، جلد على العظم، لا يمكن معرفة أعمارهم، فملامحهم المشدودة، بعيونهم التى يعتمل فيها التحدى بالذعر، لا تترك مجالا لمعرفة إن كانوا صبية أو من الرجال.. وحتى القبطان، يقول لأحدهم: كأنك فتى لم تتجاوز السادسة عشرة عاما.

السيناريو الذى كتبه «نيلى راى»، مقسم إلى ثلاثة أجزاء وهمية، الأول، برغم قصره، شديد الأهمية، وربما - بالنسبة لى، بصفتى من مواطنى العالم الثالث - ترجع أهميته إلى كونه يعقد مقارنة بين حياة المواطن الأمريكى من ناحية، وحياة جيراننا الصوماليين من ناحية أخرى.. المشهد الافتتاحى، الصامت، تتوقف الكاميرا أمام فيللا بيضاء جميلة، أمامها حديقة خضراء الحشائش، ثم الكابتن فى عربته مع زوجته، يدور بينهما الحوار سالف الذكر، وهو فى طريقه للميناء كى يقود السفينة.. ينتقل الفيلم إلى الصومال: غبار ورمال، أطفال حفاة، خيام مهترئة، زحام غامض، نساء نحيلات، حجرات من صفيح، خالية من أى أثاث، رجال نائمون.. فجأة، يدب الحماس، فبعض رجال رؤساء عصابات السماسرة حضروا، بسيارات رباعية الدفع، يمنحون فرصة المشاركة فى قرصنة سفينة «مارسك ألا باما».. إنه جزء يرصد الفارق الواسع بين عالمين، من دون تحليل.

فى الجزء الثانى، الأطول، المتسم بالإثارة والتشويق، المدعوم بالموسيقى المصاحبة، والتصوير الجيد، والمونتاج السريع، يندلع الصراع بين زورقين صغيرين، يحملان القراصنة، والسفينة الضخمة، الخالية من السلاح، يلجأ «فيلبس».. إلى الحيلة لإبعاد الخطر، ولأنه يعرف أن القراصنة يلتقطون إشاراته ورسائله، يتعمد التظاهر بإبلاغ قيادته بتعرضه للقرصنة، ثم إبلاغ قيادته له بأن طائرات سلاح الجو ستتعامل مع الموقف، خلال دقائق.. أحد الزورقين ينسحب، بينما الثانى، بقيادة «عبدالمولى» يواصل، بإصرار، مهمته، برغم خراطيم المياه المسلطة على زورقه.. يأمر القبطان رجاله العشرين بالاختباء فى حجرة الآلات، ويواجه منفردا، الموقف، بعد صعود القراصنة - عددهم أربعة - إلى السفينة. تدور حوارات، ومصادمات، ومباحثات، ومساومات، بعضها لا يخلو من طرافة، خاصة حين يحتج «عبدالمولى»، الحافى القدمين، المهلهل الثياب، على المبلغ الصغير المعروض عليه، فيقول لفيلبس: هل ترانى أو تحسبنى شحاذا؟

أخيرا، بعد عناء القبطان، داخل زورق نجاة، صغير وضيق ومغلق، يأتى الفرج فى الجزء الثالث، القصير، بعد نجاح البحرية الأمريكية من إصطياد ثلاثة قراصنة بطلقات رصاص لا تخيب، والقبض على قائد العملية، وتحرير قائد السفينة المنهك، الذى يحاول استجماع شتات نفسه، ويتألق توم هانكس فى تعبيره الهادئ عن العواصف التى تعتمل بداخله.. ويكتب على الشاشة أن «عبدالمولى»، المقبوض عليه، تم ترحيله إلى أمريكا التى حكمت عليه بالسجن «33» عاما.. وهو، فى مفارقة ذات شأن، كان يحلم، فى الأيام الخوالى، أن يعيش فى بلاد العم سام.

«الكابتن فيلبس»، حكاية يرويها، سينمائيا، البريطانى، بول جرين جراس، طرفاها، الأمريكى، والصومالى، وهى تسرد، من وجهة نظر المنتصر، الأمريكى.. فمن الذى سيخطرنا، بما حدث، وأسبابه، من وجهة نظر من لم يكتب له النصر.. الصومالى؟

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات