«الشتا اللى فات» - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 4:34 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«الشتا اللى فات»

نشر فى : الخميس 28 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 28 مارس 2013 - 8:00 ص

فيلم «عرض حال»، يتابع، خلال ثلاثة أبطال، ومجموعة من الناس، ما حدث أيام الثورة. يرتد إلى الماضى أحيانا، ويعود سريعا إلى الحاضر، بمؤثراته الصوتية التى تترامى إلى سمع بطلنا المعزول، المعتزل، الذى يقرر عدم النزول إلى الشارع، والاكتفاء بمتابعة ما يحدث، بواسطة وسائل الاتصال الحديثة، خاصة أنه يعمل فى مجالها.. إلى جانب «عمرو»، ثمة خطيبته، أو حبيبته، فرح ــ بأداء صادق من فرح يوسف ــ المذيعة، التى تثور على ممارسة التضليل المفروض عليها، وهى فى هذا تعبر عن الكثير من المذيعات، المتسمات بالشجاعة، ويقظة الضمير، المستمرات حتى الآن فى مواقفهن النبيلة.. أما الشخصية الثالثة، فإنها لمخلب السلطة، ضابط أمن الدولة، آدم، بأداء خلاب ومفاجئ من صاحب وجه جديد، اسمه صلاح حنفى، يخفى وراء ملامحه الجميلة المتسقة، طباع وحش لا قلب له. لأن السلطة المطلقة هى الفساد المطلق، فإن اتساع نفوذ «آدم»، جعله موغلا فى الفساد والغرور، وهل هناك فساد أكثر من مشروعية تعذيب الناس، وهل هناك غرور أشد هطلا من اعتبار الجماهير الثائرة مجرد «شوية عيال»؟.. الإجابة تأتيك من قلب الواقع، ومن قلب الفيلم الذى يتابع، شذرات من خطابات حسنى مبارك، منذ تجديد وعوده البالية، حتى تنحيه على لسان عمر سليمان.

 

البطوط، ينجح بامتياز فى اختيار ممثليه الثانويين والهامشيين، ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر، زميلتنا الناقدة، المترجمة، سهام عبدالسلام، التى أدت، بروح مصرية خالصة، دور جارة «عمرو» الطيبة، الحانية، التى ارتدت الملابس السوداء، حزنا على وفاة والدة بطلنا، التى لا أعرف اسمها، والتى أنهكت وهى تطوف على مكاتب متربة، بحثا عن ابنها المعتقل.. وثمة فكر سليم، فى مشهدين فقط، يعبر فيهما، بنظراته، كمسئول كبير فى الأمن، عن غضب هائل مكتوم، ضد الثوار، وضد ضباطه.

 

«الشتا اللى فات» يجنح إلى الأسلوب التسجيلى، فعلى الرغم من أنه بالألوان ــ طبعا ــ فإن المرء، عقب مشاهدته، يبدو فى ذاكرته، كما لو أنه وثائقى، بالأبيض والأسود. المخرج، مع مصوره، فيكتور كريدى، يستخدم الإضاءة استخداما دراميا موفقا، فالظلام، والظلال، والنور الشحيح، يجعل الفيلم ليليا على نحو ما، ولكن، فى ذات الوقت، يعبر عن الأجواء المقبضة لوقائع الدم والنار وغازات الغدر.. والأهم، الأداء التمثيلى الواقعى، المبتعد تماما عن المغالاة،المتوافق مع مكونات المكان، المتفهم بعمق للمواقف الانفعالية، فبعد إلقاء «عمرو» فى طريق مهجور، معصوب العينين، يتردد للحظات، خائفا، قبل أن ينزع غطاء عينيه.. وحين يدخل شقته التى دمرها المخبرون الجبناء، ومعرفته بوفاة والدته، لا يتمالك نفسه فيجهش بالبكاء. وربما تعمد البطوط أن يكون رحيما بنا، فجعلنا لا نرى وجهه الغارق فى العتمة، ولا يظهر أمامنا سوى ظهره محنيا، مع صوت نحيبه.

 

الربيع فى الفيلم، لم يأتِ بعد، فالمعلومات الموثقة، المكتوبة على الشاشة، تعلن بوضوح، أن الشهور الأخيرة، بعد الأحداث، شهدت مقتل «286» شهيدا، وجرح «8469» شابا، وإجراء كشف عذرية على العديد من بناتنا، وما يزيد على عشرة آلاف سجين بأحكام عسكرية، كما فقئت عيون «271» من خيرة شباب مصر.. مما يعنى أن الشتاء، والثورة، لا يزالان على قيد الحضور، والحياة.. إنه فيلم صادق، صريح وواضح، ومؤثر.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات