مشاعر الجغرافيا السياسية - خالد الخميسي - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 3:38 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مشاعر الجغرافيا السياسية

نشر فى : الأحد 29 أغسطس 2010 - 10:22 ص | آخر تحديث : الأحد 29 أغسطس 2010 - 10:22 ص

 ظهرت عدة كتب فى الآونة الأخيرة فى الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا تناولت بالنقاش والتحليل أثر الانفعالات المشاعرية للجغرافيا السياسية على مستقبل الكون خلال العشرين سنة القادمة. وهو موضوع يستحق التأمل رغم قصور نظرته الشاملة عن رؤية التفاصيل.

من ضمنها كتاب للكاتب الفرنسى دومينيك موازى باسم «الجغرافيا السياسية وتعدد الذهنيات». ملخص ما يعرضونه هو أن العالم مقسم إلى مناطق جغرافية سياسية وفكرية، وكل منطقة تسكنها مشاعر سوف تؤثر تأثيرا كبيرا على أدائها العام، كما سوف تؤثر على علاقاتها المشتركة. وفى ما يلى أعرض جغرافيا المشاعر الكونية.

الغرب عجوز وخائف والعرب طاقة شبابية مهانة وآسيا رغم انفجارها السكانى يحدوها الأمل الكبير وأمريكا الجنوبية حالمة وأفريقيا لديها شعور بالعجز وروسيا خائفة كالغرب ومهانة كالعرب وحالمة كأمريكا الجنوبية. ماذا يمكن أن تثمر عنه هذه المشاعر أو هذه الذهنية العامة على مستقبل الكرة الأرضية؟

الغرب يشعر بكهولته، مسكون بحالة خوف. لديه قناعة غير صحيحة أنه فى حالة رد فعل للأحداث وللانفعالات من خارجه. الغرب فى حالة قلق وتوجس وحيرة وهو يرى ويتابع شعوبا كان يستعمرها منذ سنوات قليلة، شعوبا كان يعطيها الدروس تلو الدروس وقد أصبحت اليوم شعوبا عملاقة تستعد لأن تقتنص منه شعلة الحضارة. شاهدت أكثر من مرة حوارات تليفزيونية لرجال سياسة غربيين وهم يتحدثون عن الصين بصورة تعكس احتقارا عميقا معجونا برهبة وإعجاب وخوف.

بات الغرب موسوسا بهاجس الأمن، بصورة باتت مرضية. يبدو أنه لم يعد يصدق فى مستقبله القريب. أنهى بوش الابن على الحلم الأمريكى، بينما أوروبا مثقلة بهموم بيئية وسكانية واقتصادية، الأمر الذى رفع من درجات الخوف العام لديها. يعانى الغرب أيضا من حالة بارانويا واضحة (جنون الاضطهاد). فهناك شعور عام لديهم أنهم مستهدفون، وهو أمر قد يكون له علاقة بأزمتهم النفسية من إرث الاستعمار البغيض والذى تستكمله الولايات المتحدة اليوم بكل صفاقة.

آسيا بالنمو السكانى الاستثنائى (أكثر من نصف سكان البشرية)، بشرقها وجنوبها، بقوتيها العظميين البازغين: الصين والهند، تشعر بالقوة وبالأمل. أصبح لآسيا الجرأة أن تصرخ فى وجه العالم قائلة إننى سوف أقود البشرية بعد سنوات قليلة. وبعد أن كانت تلهث وراء الحداثة، أصبحت صانعة لهذه الحداثة. ترفع الصين شعارات على شاكلة: «كونوا مبدعين» كونوا كبارا» «امتلكوا جرأة الفعل» وهذا ما يقومون به بالفعل. كتب الكاتب الفرنسى «ألان بيرفيت» كتابه الشهير: «عندما تستيقظ الصين سوف يهتز العالم» ويبدو أن كلمته سوف نشعر بها قريبا تحت أقدامنا عندما يهتز العالم من وقع خطى المارد الصينى.

أما الهند فتتقدم بثبات وثقة نحو الأمام. أصبح لديها الشعور أنها سوف تتقدم حتى تتفوق على الهيمنة الغربية. هذا الشعور الآسيوى العام بالأمل جعلهم يستندون أكثر وأكثر على ثقافتهم.

وبعد أن كان التصور العام أن العولمة سوف تطمس ثقافات العالم أمام النموذج الواحد للثقافة الغربية المهيمنة، نجد اليوم الثقافة الصينية والثقافة الهندية أصبحت ملء الأسماع والأبصار حتى فى عقر دار صانعى الثقافة العالمية.

العرب طاقة سكانية متفجرة، فأكثر من نصف تعدادنا السكانى أقل من عشرين عاما. العرب لديهم شعور عام أنهم غير قادرين على الخروج من أزمتهم. تأخر اقتصادى واجتماعى. تخلف سياسى وتراجع كبير عن المكتسبات السياسية التى تحققت على مدار القرن العشرين، مع شعور عميق بالإهانة من الاستعمار الأمريكى للعراق والتدخل الأمريكى السافر فى شئون معظم البلدان العربية، والصلف والبلطجة الإسرائيلية التى يتم عرضها على القنوات الفضائية ليستهلكها الشباب على المقاهى مع عجز سياسى كامل. هناك تنامٍ للحركات والأفكار الرجعية بدعم من جهات عديدة وسط الشباب المتلهف والباحث عن موطئ قدم. تراجع ثقافى وتسلط سياسى وسيطرة أمنية لحماية الوضع القائم. ما نراه من أعراض تمدن فى بعض البلدان العربية يحمل فى طياته بذور فنائه فى إطار الافتقار لإطار ثقافى وسياسى إيجابى.

أمريكا الجنوبية تتقدم بعد كبوة طالت. أصبح لدى شعوبها حلم بغد أفضل. يلعب هذا الحلم اليوم دورا كبيرا فى النمو الاقتصادى والسياسى الذى تشهده القارة.

هذه المشاعر المتباينة التى تشكل الخريطة النفسية للجغرافيا السياسية للكون اليوم سوف تصنع عالم الغد. كيف يمكننا كعرب تغيير المزاج المشاعرى لدينا من شعب مهان إلى شعب إيجابى وفاعل؟ هذا هو السؤال

خالد الخميسي  كاتب مصري