هائمون.. فى المقطم - كمال رمزي - بوابة الشروق
الأحد 28 أبريل 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هائمون.. فى المقطم

نشر فى : السبت 30 مارس 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 30 مارس 2013 - 8:00 ص

انهمرت علينا مئات الصور والمشاهد، قد تتباين فى بعض التفاصيل، لكن جوهرها واحد: مجموعة من الشباب، تقلصت ملامحهم بالتوتر والغضب، يجرجرون، على نحو عشوائى، رجلا مطروحا على الأرض. أحدهم يشده من ذراعه. ثان يرفع قدم الرجل بلا هدف. ثالث يجذب قدمه الأخرى. رابع يركله.. وإذا كان المشهد مصحوبا بالصوت، ستسمع كلمات مبتسرة، متناقضة، من نوع: حرام. إضرب. هايموت. كفاية. إنه منهم. الله أكبر.

 

من الصعب أن تعرف إلى أى فصيل ينتمى الممدد على قارعة الطريق، فمن الممكن أن يكون من الإخوان، من دون لحية، ومن المحتمل أن يكون متظاهرا مدنيا بلحية. ومما يزيد الأمر التباسا أن الصور أصبحت من ترسانة أسلحة الصراع بين الطرفين، فالمواقع الإخوانية تنشر الصورة، مكتوب تحتها: أحد ضحايانا على يد بلطجية جبهة «الخراب».. وذات الصورة، تجدها فى مواقع الشباب الثائر، بعنوان: هذا ما يفعله الإخوان، الأشرار، مع خصومهم.. إنها حرب الصور، نتاج ثقافة العنف المتنامية فى المجتمع، والتى تصاعدت على نحو خطير، فى موقعة المقطم، حيث أصبحنا نسمع عن الكمائن، والكمائن المضادة، واحتلال قمة الجبل، وتحريره من المسيطرين عليه، والاستيلاء على المداخل، وأسر كل طرف لأعضاء من الطرف الآخر.. هذه كلها، وغيرها، شفرات مقلقة، لا ينفع معها جلب طمأنينة مزيفة بزعم أن الشعب المصرى، بأخلاقياته الطيبة، يرفض العنف.

 

صورتان، من قلب الأحداث، تستحقان وقفة تأمل. بينهما وشائج ما. الأولى، لثلاثة أتوبيسات وميكروباص، بداخلها تندلع نيران، تتصاعد سريعا ويتسع نطاقها وترتفع ألسنتها لتخرج من النوافذ والأبواب. تتأجج لتلتهم صاج الجوانب ذات الطلاء الناصع البياض. فى دقيقة أو دقيقتين، تتحول المركبات إلى بقايا هياكل حديدية متآكلة، يغلفها الكربون الأسود.. إنها العربات القادمة من الأقاليم، حاملة أعضاء من الإخوان، أو المتعاطفين معهم.

 

أما الصورة الثانية، فهى لرجل ضخم الجثة، أصلع الرأس، ملتح، على جبهته زبيبة صلاة، يسير فى إعياء، منساقا، مذهولا، يرتدى جلبابا ريفيا رماديا. وراءه عدة شباب شديد الاحتقان. أحدهم يكور كفه متهيئا لتوجيه لكمة. آخر يمد يده ليمسك بالرجل الذى لم يشفع له استسلامه، أو الدم المتفصد من وجهه، المتخثر فوق ياقة جلبابه. الواضح أن الشباب الثائر يثأر لوقائع سابقة ــ وهذا تفسير وليس تبريرا ــ إلى يسار الرجل، يحاول خالد على، بشهامة، أن يحميه. يلف ذراعه اليمنى وراء ظهر الضحية. يبعد الآخرين باليد الأخرى. خالد على، ابن المدينة، المدرب على المظاهرات والاحتجاجات والمواجهات، يضع نظارة سوداء على عينيه، لا يرتدى بذلة اللقاءات التليفزيونية، استبدلها ببنطال وفانلة مخططة، أحمر وأبيض.. لاحقا، قالت الأخبار إن كتف خالد على قد خلعت.

 

 الواضح، من هيئة الرجل المضروب، بنظراته التائهة، أنه قادم من بلدة ما، وبالتأكيد، لم يتوقع الفخ المزدوج الذى وقع فيه، فلأنه لا يجيد الهرب والجرى، أمسك به شباب يعلم مدى شراسة خصومه، وبالتالى دفع الرجل فاتورة عشيرته.. وبعد أن نفد بجلده الجريح، وجد نفسه أمام الجانب الآخر من المأزق، فمع مطلع الفجر، عقب انقشاع دخان قنابل الغاز وإطارات السيارات المحترقة، لم يجد الحافلة التى جاءت به من بلدته.

 

 ترى ماذا حدث لهذا الرجل الغلبان، الذى لا اسم له، والذى نسيه الجميع.. أغلب الظن أنه كان أحد الذين شوهدوا، هائمين، لساعات طويلة، فى متاهة الجبل الدامى.

كمال رمزي كاتب صحفي
التعليقات