عزيزى المواطن العادى: تصفيق حاد!! - ريم عبد الحليم - بوابة الشروق
السبت 18 مايو 2024 11:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عزيزى المواطن العادى: تصفيق حاد!!

نشر فى : الإثنين 30 سبتمبر 2013 - 12:05 م | آخر تحديث : الإثنين 30 سبتمبر 2013 - 12:05 م

عزيزى المواطن " السادة العادة " لا الشريف ولا الإرهابى ولا الناشط ولا الحقوقى ولا الطابور الخامس ولا العلمانى... تحية طيبة وبعد،

ضميرى الإقتصادى يحتم على أن أخبرك أن:

• الموازنة العامة للدولة المصرية لازالت تعد بنظام "تستيف البنود المحاسبية" وهى طريقة لا يمكن أن تدرك من خلالها ما الهدف من الإنفاق وماذا تحقق من ورائه؛ فى حين كانت مطالبات المواطن قبل الثورة هى موازنة تراعى حقوق المحرومين وتمكنه من مراقبتها. فى الوقت ذاته لا يوجد أية معايير حاكمة للعدالة المكانية لتوزيع الإنفاق العام.

• توزع الموازنة العامة للدولة بالأساس على ثلاثة أجزاء وهى الرواتب والدعم وفائدة الديون، وهى الأجزاء التى عانى من تأثيراتها السلبية الموطن كثيراً قبل الثورة وكان نتيجة الثورة هى توحش أنصبتها فلم تبق لمتطلبات التشغيل والاستثمارات أو الحماية الإجتماعية الحقيقة أية قيم تذكر!!

• فأما الرواتب فتشكل المكافآت والحوافز القيمة الأكبر منها وهى التى تضاعفت مرات ومرات منذ الثورة دون أن توجد قاعدة موحدة أو آلية لضبط توزيعها داخل الدولة، فيسيطر عليها الأقوى والأكثر سلطة ويسخرها لمصالحه وعلاقاته وهو نفسهم من فى يدهم علاج تشوهات الأجور وارساء قاعدة واضحة لها، وأما الدعم فيذهب أغلبه للمنتجات البترولية التى لا يستفيد منها الفقراء بشكل مباشر بل يتم تهريب أكثر من 30% -40% من السولار وفق دراسات ميدانية متعددة وهى النسبة التى لم تنخفض منذ أكثر من سبعة أعوام؛ وكلما تحاول الحكومة حل المشكلة تواجه بأصحاب المصالح؛ وتبقى الفائدة التى تزيد مدفوعاتها باستمرار بفعل المخاطر الإقتصادية؛ لتصبح هى سبب فى التضخم والركود ذاته ولتلف دورتها فى الإقتصاد فتدفع أنت قيمتها فى صورة ارتفاع الأسعار التوحشي الذى تحياه؛ ويستمر القطاع المصرفى فى توجيه قروضه بالأساس للحكومة ويستمر في تعميق حالة الركود، وهى عميقة بالفعل بسبب الأمن الذى "لم يستطع أن ينهض من كبوته النفسية" منذ ثلاثة أعوام.

• عجز الميزان التجارى (أى الفجوة بين الصادرات والواردات) فى زيادة مستمرة تخف حدتها أحياناً بفعل تغيرات سعر الصرف وتزيد أحياناً أخرى بفعل الظروف الداخلية والعالمية، وفى الوقت ذاته لا يزال صندوق دعم و"تنشيط" الصاردات يحصل على نصيبه "تمام" بقيمة 3 مليار جنيه سنوياً لم تقل مليماً منذ قبل الثورة.

• يأتي دعم التأمين الصحي والأدوية الأقل تكلفةً ونصيباً من إجمالي مخصصات الدعم بما لا يزيد عن 800 مليون جنيه سنوياً، وتنبنى منظومة العلاج المصرية على فكرة العلاج على نفقة الدولة والتى مهما تم تطويرها لا تخرج عن كونها "الحصول على الحق بالعلاج بشرط توافر "الواسطة"". وتستمر مصر من أعلى دول العالم فى نصيب الإنفاق الخاص على الخدمة الصحية من قبل الأكثر فقراً out of pocket expenditure on health services، وهى نفس الحقيقة فى ما يتعلق بالتعليم الأساسي "المجانى".

• على الرغم من وجود مراكز تحديث الصناعة والصندوق الإجتماعى للتنمية وبنك التنمية والائتمان الزراعى لم يشهد أى من قطاعى الصناعة أو الزراعة زيادة معنوية فى معدلات النمو منذ سنوات، فى حين استيسرت الحكومات القطاعات سريعة النمو دون أية رقابة على الأموال التائهة بين مؤسسات وزارتى الزراعة والصناعة؛ بل ولم تتم أية مراجعة جادة لمنظومات فساد قنوات توزيع الأسمدة والتقاوى ومشكلات مياه الرى والصرف والتسويق.

• تنفق الدولة نحو مليار جنيه سنوياً تحت بند دعم إسكان محدودى الدخل؛ وهناك كيان اسمه صندوق تطوير العشوائيات لا يعرف الموطن ماذا انجز وكيف يعمل ولماذا تتضخم العشوائيات لهذا الحد.

• أكثر من 85% من الاستثمار الأجنبى المباشر الداخل لمصر يدخل فى إطار الاكتشافات والتنقيب عن البترول فقط ومن مجموعة محدودة من الشركات العالمية وفق عقود تحمل لهم مميزات كبيرة، فى حين لا توجد خطة واضحة لتنمية الاستثمار الأجنبى الخالق لفرص العمل والناقل والموطن للإبتكار الحقيقى لصالح المواطن.

• لا توجد قنوات تمويلية واضحة ومبتكرة لتنمية الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر بل هناك اصرار على حكر هذه المهمة على الصندوق الإجتماعى للتنمية على الرغم من ما يعانية من مشكلات إدارية ورقابية منذ ما قبل ثورة يناير 2011.

الفقر يتضاعف وتركز الثورة يزداد والفساد يرتع كما يريد، فإما أن المنظومة غير فعالة ومع ذلك هناك من يرغب فى الاحتفاظ بها كما هى كسلاً أو انتفاعاً أو أن هناك سبب ما ينتج فقراً ومشكلات أكبر مما تستطيع المنظومة الإقتصادية استيعابه لتطور من نفسها، أو كليهما معاً.

فلم يتعد تطبيق العدالة الإجتماعية التى طالب بها الشعب المصرى مرحلة الترضيات والرشاوى الإنتخابية أو الإسكاتية بالإعلان عن إسقاط ديون الفلاحين، وتارة بإسقاط مصاريف المدارس الحكومية أو الدفع بالكوادر الخاصة المتعددة، وأخيراً الإعلان عن حد أدنى للأجور دون حد أقصى ودون وضوح لخارطة طريق تحمل مكافحة الفساد لمؤسسات الدولة ودون وجود تثوير حقيقى للإقتصاد المصرى يطرد ثغرات الفساد المتغلغلة بداخله خارجاً من أول المسئول الذى يملك البيع والشراء والاتفاق دون رقيب إلى الموظف الذى يفتح درجه طالباً "الشاى".

إنه الدفع بالزيت فى آلات فاسدة التروس لتبقى الآلة حية وتخلق مسار جديد تتلون وتحيا من خلاله...

بعد ما سبق سوف يصرخ ذهنك "وكأن ثورة لم تقم"! بل قامت الثورة ولم تكن "فوتو شوب"؛ ما حدث هو انحراف عن مسار تثوير المؤسسات إلى مسار امتصاص المؤسسات للثورة ! حفر مجرى محدد لثوراتك تسير فيه هادئة مسالمة دون أن تتحول لحياة كريمة.. تحولت من مواطن سلبى إلى مشروع "صوت" يغرد عندما يؤمر بالتغريد؛ مشروع مربح.. في يوم من الأيام سوف يستغل بيتك وفقر قريتك وجهلك من يسعى لنظرة تمجيد أو توريث حكم أو ادعاء بطولة أو تغييب باسم الدين و يحوى المشهد فى الخلفية تصفيق حاد من جانبك!

إن مؤسسات الدولة حتى الآن لم تخض معركتك وما تعلمته من ثوراتك المتتالية أن لك صوتاً لابد من استغلاله لتكسب هى معارك تخصها؛ فتأتى لتطلب ود رأسك الجميل كلما احتاجته لتوارى تعنتها وعجزها عن مواكبة متطلبات العدالة وحقوق الإنسان الحقيقية، فتحتاجه لمكافحة العلمانية تارة ومكافحة الإرهاب تارة ومكافحة الطابور الخامس تارات، ولا تحتاجه أبداً لمكافحة الفساد والترهل فيها أوالمنتفعين من ورائها. لعل خطيئة جماعة الإخوان الأساسية فى حق الثورة أنها ابتدعت لعبة المواطن الصوت فى مقابل جدية بناء المواطن الإنسان.

منذ عهد الفراعنة وحتى اليوم، تجد نظريات المؤامرة سارية المفعول وتوفر غطاء ومبرر عظيم لتهدئة ثورتك من أجل حقوقك دون أن تتساءل مرة عن الفارق العقلى الجوهرى بين حماية الوطن من المؤامرات الموجودة بالفعل وسريان حقوق المواطن والإصلاح! ولو حاولت سوف تجد عقلك محاصر بالمُمَسخين أو بمن تم تمسيخهم...

يعنى إعرف.. ف. يعنى فكر.. ق.. يعنى قاوم ..

ريم عبد الحليم أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة باحثة متخصصة في شؤون الفقر
التعليقات