طبيعة العصر الذي نعيشه - إكرام لمعي - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 10:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

طبيعة العصر الذي نعيشه

نشر فى : الجمعة 30 سبتمبر 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الجمعة 30 سبتمبر 2022 - 7:15 م

حاول بعض المثقفين من الصحفيين والأدباء والفلاسفة فضلًا عن العلماء صياغة عنوانٍ للعصر الذى نعيشه اليوم فى مصرنا الحبيبة، وكانت معظم الإجابات أو المحاولات ليست حاسمة أو واضحة وضوح الشمس، أو اليقين، فالبعض وضع عنوانًا للعصر «كوفيد 19»، وقالوا إن كوفيد 19 يُعتبر بداية عصر جديد، بينما اعتبر البعض الآخر أن الحرب الروسية الأوكرانية هى البداية لهذا العصر الجديد، لكن مال البعض الأخير إلى أن الأزمة الاقتصادية هى العلامة الفارقة لعصرنا الحالى وليست كوفيد ــ 19 أو الحرب الروسية الأوكرانية، هذا ورغم معقولية هذه الأطروحات الثلاث إلا أن كل من تحدث عن واحدة منها لم يقدم فكرته بمثابة يقين شخصى له يمكن به أن يُقنع باقى البشر بتبنيه كعلامة للعصر، من هنا قدمت مجلة «Foreign Affairs» عنوانها فى عددها المئوى (الذى يستعرض المائة عام) بعنوان «عصر اللا يقين» وكان شرحها للأمر أن عصر اللا يقين يبدأ من الطبيعة فى المائة عام المنصرمة، فقد أعلنت الطبيعة حربها المناخية على البشرية.
وهكذا يقف العالم مكتوف الأيدى أمام ارتفاعات درجات الحرارة على كوكبنا، وقد تصاعدت تساؤلات عدة من مراكز عالمية تهتم بالمناخ وبإصدار أبحاث عنه، وكان السؤال الأهم هو: لماذا تتقاعس الدول الكبرى عن إنقاذ الأرض ــ التى بها نحيا ونتحرك ونوجد عليها ــ من ارتفاع درجات الحرارة المخيف خاصة أن الحرب الروسية فى أوكرانيا استخدمت الطاقة القذرة ولم يهتموا حتى بوضع البدائل النظيفة لها؟.
• • •
عزيزى القارئ / عزيزتى القارئة نحن نعيش هذه الأيام حالة من عدم اليقين، مما شكك وبقوة فى فكرة العولمة التى بدأها البروفسير الكندى مارشال، هذا الذى تحدث عن القرية الكونية، فهل انتهى عصر العولمة؟!
ولعلك تلاحظ عزيزى القارئ وعزيزتى القارئة أيضا أنه من أهم ما أفرزته هذه الأحداث أن البشر عادوا يتمسكون بدولهم الوطنية المحلية، وهكذا عاد التمسك بالقوميات وبقوة.
من هنا برزت ظاهرة عودة حكومات الدول فى التدخل المباشر فى أسواقها المحلية بل وأيضًا فى أسواق الدول المجاورة، وبرزت هنا ظاهرة التوقف عن تصدير المنتجات عالميًا وذلك لاستخدامها محليًا، وبالأخص تلك المنتجات التى كانت أساسًا مصنوعة للاستهلاك المحلى، وليس ذلك فقط بل أعلنت وأكدت عدم تصدير السلع المدعومة من قبل الدولة، وهكذا أوقفت أو على الأقل علقت حرية التجارة العالمية من جهتها لمدة من الزمن، حتى تنتهى الأزمة.
أما ما نشهده اليوم هو خلط وعدم يقين عن هل روسيا قادرة على الاستمرار فى تدخلها مع أوكرانيا؟!، وما موقف العالم الحر من هذه الحرب وجريمة اقتطاع روسيا أجزاء من أوكرانيا؟.
عزيزى القارئ / عزيزتى القارئة: كما ذكرت آنفًا ما زال الموقف العالمى غامضًا، فالصين عاجزة عن إعلان وصولها إلى حد الندية والمساواة للولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا.. إلخ، لكن فى ذات الوقت نستطيع أن نرى ونسمع الصواريخ المنطلقة من الاتحاد السوفيتى والقادرة على مقارعة أمريكا صاروخيًا، لكنها بالطبع غير قادرة على مقارعة الانتشار العسكرى الأمريكى على مستوى العالم.
إن كنا نستطيع والعالم من حولنا أن نلمس أو نتوقع أن هناك ضعفًا يؤثر بشدة فى قُدرات أمريكا وأوروبا، فهل حان وقت غروب الإمبراطوريات على مستوى العالم والذى وضح من خلال تحليلات هذه الحروب الأمريكية الروسية الصينية الأوكرانية... إلخ؟ وهل جاء الوقت– كما يقول بعض المؤرخين ومتوقعى الأحداث ــ أن يكون لألمانيا واليابان دور واضح فى التغيير على مستوى العالم؟! وهل سوف يقومان باستتباب الأمن والسلام كدولتين مهيمنتين إقليميًا فى العصر الحديث؟! لكن هنا يبرز سؤال فى منتهى الأهمية تُرى أى سلام يمكن أن يستمتع به العالم بعد بروز وصحوة ألمانيا واليابان عسكريًا؟! أم أن هناك إمكانية انتشار الفوضى كبديل فى حال غياب الهيمنة الأمريكية؟ لكن هناك من يُنّظر قائلًا: بغياب الولايات المتحدة الأمريكية سوف يقوم نظام دولى تعاونى مُشترك وهذا الطرح يقدمه مدير المركز الأوروبى للعلاقات الخارجية مارك ليوناردو.
• • •
لا شك ــ عزيزى القارئ / عزيزتى القارئة ــ أن هناك توترًا واضحًا فى أنحاء العالم وهنا يكون طبيعيًا كما فى كل مرة تغيب الدول الكبرى ومعها اليقينيات أن تكون النتيجة هى اهتزاز مواقف الدول ذات السيادة والتى تُشارك فى الحروب التى لم يكن أحد يريدها.
إن المشكلة الحقيقية التى لم يعمل حسابها أحد أو لم يتوقعها أحد هى حالة اللايقين الاقتصادى، فلأول مرة منذ أربعة عقود تعانى الدول الكبرى من أعلى تضخم فى تاريخها.
بالطبع الجائحة واحدة من الأسباب ثم جاءت الحرب فى عقب الجائحة، وبالطبع لم يكن العالم مستعدًا لمثل هكذا مواقف حيث لا توقع سبق ولا تخطيط، فى ذات الوقت الذى نرى فيه ونتابع سطوة المؤسسات المانحة والمانعة مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، فمن أصعب وأسخف حديث هو الحديث عن المال والأعمال والقروض.. إلخ، خاصة أولئك الذين يعيشون فى العالم الثالث وترتجف قلوبهم عند سماع أسماء المؤسسات المانحة والمانعة.. إلخ، وفى ذات الوقت لا يثقون بمن يتناولون هذه الأمور سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا.. إلخ.
عادة يغطى الغموض أسماء المؤسسات وأسماء من يتحاورون معهم وتبدو أخبارهم ــ فى كثير من الأحيان ــ ممنوعة على رجل الشارع، وإذا تحدثوا عن تحركاتهم ومقابلاتهم وقضاياهم يستخدمون مصطلحات غير واضحة، أو تتميز بالعمومية ويتجنبون الأرقام، مع أن عملهم يعتمد على الأرقام، بالطبع نحن نقدر هذا العمل لسببين؛ الأول أن هذا المجال لا يعلم عنه ٩٥% على الأكثر من الشعب المصرى ولا يفهم مصطلحاته حتى لو قرأها أو سمعها، والسبب الثانى أنه لا يدرك ما هى ميزانية الدولة من أصله، وكيف تُكتب أو تُقرأ أو تُفهم.
لكن الظاهرة الواضحة فى هذه الأيام هى ظاهرة القلق من المستقبل، كما لم تحدث من قبل لعدم أو ضعف الثقة، حيث عشنا عصرًا أدركنا من خلاله ــ حيث المبانى الضخمة والعاصمة الإدارية ووسائل المواصلات الحديثة من قطارات.. إلخ ــ أننا صرنا من دول العالم الأول أو على الأقل الثانى ولله الأمر من قبل ومن بعد!

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات