هل خرجت السودان من النفق؟ - عبد العظيم حماد - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:12 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل خرجت السودان من النفق؟

نشر فى : الخميس 13 يونيو 2019 - 10:15 م | آخر تحديث : الخميس 13 يونيو 2019 - 10:15 م

أتحدث عن النفق الأصغر، دون الاكبر مؤقتا.

وأقصد بالنفق الأصغر أزمة هذه المرحلة الانتقالية من حكم المجلس العسكرى، بعد تنحية الرئيس السابق عمر البشير إلى حكم مدنى ديمقراطى على قاعدة تداول السلطة سلميا، أما المقصود بالخروج من النفق الأكبر فهو نجاح وديمومة الحكم المدنى الديمقراطى، بمعنى انكسار الدائرة الخبيثة لتداول السلطة السياسية فى السودان بين حكم مدنى فاشل، وبين حكم عسكرى أكثر فشلا، مهما تختلف اللافتات الايديولوجية.

إذا كان من السابق لأوانه كثيرا التكهن باستقرار نظام سياسى مدنى تعددى، واطراد نجاحه فى السودان، بسبب كثرة التعقيدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى الداخل، وبسبب التدخلات الإقليمية المقاومة لأى تحول ديمقراطى واعد فى أى من دول المنطقة، فربما يكون من الأسهل التكهن بمآلات المرحلة الانتقالية الحالية، إذ لا شك أن الميزان الداخلى قد انقلب ضد الجناح المتشدد فى المجلس العسكرى وحلفائه الاقليميين، ولمصلحة قوى الحرية والتغيير، بفضل حملة العصيان المدنى الناجحة، وبسبب الإجماع الدولى والاقليمى على رفض الحل المسلح لأزمة الحكم فى السودان.

ومن الواضح كذلك أن ميزان القوة داخل المجلس العسكرى نفسه قد انقلب مرة أخرى ضد الجناح المتشدد من أعضائه، من ورثة نظام البشير برطانته الإيديولوجية (الإسلامية )، وفساده وماكيافلته، والذين كانوا وراء قرار فض الاعتصام الجماهيرى أمام القيادة العامة للقوات المسلحة بقوة السلاح، وقرار إلغاء الاتفاقات التى كان قد أمكن التوصل إليها بالتفاوض مع ممثلى قوى الحرية والتغيير، وتكثيف الانتشار العسكرى فى العاصمة وبعض المدن الأخرى، واعتقال عدد كبير من قيادات الحراك الشعبى، كذلك كان هذا الجناح وراء إقالة عدد كبير من القيادات الوسطى فى أجهزة الأمن العسكرى والمدنى، ممن يظن فيهم عدم الاقتناع بجدوى الصدام المسلح مع المواطنين المنخرطين فى الحراك.

من كل الشواهد ليس من الصعب اكتشاف أن قائد ذلك الجناح المتشدد هو الفريق حميدتى (محمد حمدان دوقلو) مؤسس ميليشيات الدعم السريع فى دارفور، الذى منحه البشير رتبة الفريق، وأضفى طابعا رسميا على ميليشياته من خلال تعديل دستورى صنع من أجله خصيصا، مع بقاء تلك الميليشيات مستقلة – واقعيا ــ عن التسلسل القيادى فى القوات المسلحة، فى حين يعتقد على نطاق واسع أن الفريق عبدالفتاح البرهان الرئيس الحالى للمجلس العسكرى، والفريق صلاح عبدالخالق ومعهم عدد لا يقل عن 6 من أعضاء المجلس يغلب عليهم الطابع الاحترافى، والانتماء السياسى الوطنى بمعناه العام، بعيدا عن تلك الرطانة الايديولوجية الاسلامية للبشير وجماعته الأولى من جبهة الانقاذ، أو ما تبقى منها، وكانت تنحية الفريق عوض بن عوف الرئيس الأول للمجلس العسكرى بعد أيام من عزل البشير مؤشرا على اتجاه قوى لدى المجلس لطى صفحة «الانقاذ» نهائيا وإلى الأبد، باعتبار أن بن عوف نفسه كان كادرا «إنقاذيا»، ومن هنا كان خفوت دور حمدتى وميليشياته طوال الفترة ما بين تنحية بن عوف وبين قرار فض اعتصام القيادة العامة، الذى يبدو أنه أصبح بداية النهاية لهذا الرجل ولمؤيديه فى المجلس العسكرى ولميليشياته.

كما سبق القول فقد كان الرد على فض الاعتصام بالعصيان المدنى حاسما فى قلب الموازين داخليا وخارجيا، وجاءت وساطة رئيس وزراء إثيوبيا المؤيدة إفريقيا وأمريكيا بقوة، وكذلك جاءت الضغوط الأمريكية على المصادر الخليجية لتمويل، وتسليح، وتشجيع حميدتى لوقف كل صور التأييد هذه لتغلب جناح البرهان على أولئك المتهورين، والمتعطشين إلى السلطة والدماء.

يذكر أن الوحدات السودانية المشاركة فى عمليات التحالف العربى فى اليمن تنتمى إلى قوات الدعم السريع!

فى هذا السياق نفهم محاولة المجلس العسكرى السودانى التبرؤ من قرار وإجراءات فض اعتصام القيادة العامة، إلى حد إعلان أو ادعاء الفريق صلاح عبدالخالق بأن القرار اتخذ، وأن التنفيذ تم من وراء ظهر المجلس، وفى السياق نفسه نفهم قرار تشكيل لجنة تحقيق فى هذه الأحداث الدامية بمشاركة مدنية محترفة رفيعة المستوى من نقابة المحامين، والمستشارية العامة لحقوق الإنسان، وكذلك مفوضية حقوق الإنسان، ووزارة العدل، والاهم من ذلك إلزام هذه اللجنة بإعلان نتائج التحقيق خلال 48 ساعة، فضلا عن توقيف عدد من منتسبى قوات الدعم السريع، ممن شاركوا فى فض الاعتصام، وأعمال العنف المصاحبة والتالية، وهو ما نراه ويراه الكثيرون الخطوة الأخيرة نحو حل تلك القوات، وتخليص السودانيين من كابوسهم، وربما اعتقال حميدتى نفسه وتقديمه للمحاكمة، إذا مد الخط على استقامته.

لا جدال هنا أن النضج السياسى لقيادات إعلان الحرية والتغيير فى السودان كان من أسباب الوصول إلى هذه المحطة نحو الخروج من النفق، وقد تمثل هذا النضج فى التخلى عن المعادلات الصفرية، والاستجابة لطلب الوسطاء وقف العصيان والعودة للتفاوض مع المجلس العسكرى، بعد أن كان الموقف المبدئى عند الدعوة إلى العصيان هو استمراره حتى سقوط هذا المجلس نهائيا، ورفض العودة للتفاوض معه من حيث المبدأ، وبالطبع فإن هذه المرونة المحمودة تقرب السودانيين من نظرية الحل الوسط التاريخى التى تحدثنا عنها فى مقالنا هنا منذ أسبوعين بعنوان «سكة السلامة فى الجزائر والسودان»، وهو الحل الذى نراه طريق الخلاص الأقل إيلاما وكلفة للتحول فى جميع الدول العربية التى هيمنت أو تهيمن المؤسسات العسكرية فيها على السلطة وعلى المجتمعات.

غير أنه يشترط لاكتمال عملية الخروج السودانى الأمن من نفق إدارة المرحلة الانتقالية الحالية أن يمتد هذا النضوج السياسى إلى الموقف من سائر القوى المدنية الأخرى، بمعنى أن تتخلى قيادات الحراك الشعبى السودانى عن مبدأ إقصاء القوة المحايدة، بل والقوى المؤيدة للنظام السابق من الحياة السياسية، بل يستحسن إشراكها فى إدارة المرحلة الانتقالية، أو على الأقل اطلاعها على الخطط والنيات، بشرط أن يلتزم الجميع بالتحول الديمقراطى.

على أن النضج السياسى يتطلب إلى جانب كل ما تقدم الوعى بأهمية عنصر التنظيم، إذ لا جدوى من نبل الدوافع، وحماس الجماهير ومشروعية المطالب، وسلامة الرؤى، ما لم يتحول كل ذلك إلى مشروع متكامل، تحمله روافع من التنظيمات السياسية المحترفة، وذلك كما تعلمنا كل دروس التاريخ، وآخرها تجارب الربيع العربى، ويجب على الإخوة فى السودان أن يكونوا هم أقدر الشعوب العربية على استخلاص هذا الدرس، لأنهم الشعب العربى الوحيد تقريبا الذى خاض هذه التجربة مرتين من قبل فى عامى 1964.

و1985، وفى تلكما المرتين كانت السلطة تعود إلى الاحزاب التقليدية، التى لا تلبث أن تنخرط فى صراعاتها الموروثة، فتوفر الذريعة لانقلاب عسكرى جديد، فى حين تكون القوى الحديثة قد تشتت بسبب نقص قدراتها التنظيمية.

لا ينبغى أن يفهم من هذه الدعوة لقيادات الحراك الشعبى الحالى فى السودان بإدراك أهمية عنصر التنظيم أننا نقترح عليها، أو نتوقع منها الحلول بالكامل محل الأحزاب والقوى التقليدية، ولكن المقصود هو ضمان مشاركتها، واستمرار هذه المشاركة بدور قيادى فى السلطة، وفى الحياة السياسية السودانية بعد المرحلة الانتقالية، وبذلك لا تكون السودان قد خرجت من النفق الأصغر فحسب، بل تكون قد خرجت من النفق الأكبر أيضا، وتصبح النموذج الناجح لذلك الحل الوسط التاريخى المأمول، الذى سبق وصفه بأنه الطريق الأقل إيلاما وكلفة للتحول الديمقراطى فى كثير من بلداننا العربية.

عبد العظيم حماد رئيس تحرير جريدة الشروق السابق. كاتب صحفي مصري بارز ، وشغل عدة مناصب صحفية مرموقة على مدار تاريخه المهني.ولد عام 1950 ، وحصل على بكالوريوس العلوم السياسية ، وعمل كمحرر ومعلق سياسي منذ عام 1973 ، سواء في الإذاعة والتليفزيون أو في مجلة أكتوبر أو في جريدة الأهرام ، وكان مديرا لتحرير الأهرام الدولي في أوروبا ، وكبيرا لمراسلي الأهرام في منطقة وسط أوروبا ، وله مؤلفات وأبحاث وكتابان مترجمان ودراسات دولية متنوعة.